الرهانُ الخاسرُ لنتنياهو.. حساباتُ الكيان الصهيوني الخاطئةُ في عملية “سيف القدس”
خيانة الأنظمة العربية والتطبيع لم تضعف محور المقاومة بل زادت من صلابته
المسيرة- العميد الركن عابد الثور
ظهرت المقاومةُ الفلسطينيةُ بكل فصائلِها الجِهادية في غزة كقوةٍ عسكريةٍ منظَّمةٍ تمتلكُ كُـلَّ الإمْكَانيات العسكرية التي تستطيع بها مواجهة جيش الكيان الصهيوني الذي يعد أحد أكثر الجيوش امتلاكاً للأسلحة الحديثة والمتطورة وفي الوقت نفسه ظهرت المقاومة الفلسطينية كقوةٍ عسكريةٍ تمكّنت من فرض نفسها على أرض المعركة، كجيشٍ فلسطيني عربي حقيقي لمواجهة قوة عسكرية يهودية اشتهرت على مدى أكثر من 50 عاماً بأنها الأقوى في المنطقة.
وتكمنُ أهميّةُ انتصار المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بعملية “سيف القدس”؛ كونها فضحت الكيانَ الصهيوني وعرّته أمام العالم بأنه عبارةٌ عن كيانٍ مغتصبٍ للأرض العربية في فلسطين وأنه عاجزٌ عن مواجهة الغضب الفلسطيني.
وبوضع مقارنة بسيطة يتضح عدم التقارب بين جيش العدوّ الصهيوني وفصائل المقاومة الفلسطينية، فليس هناك أدنى نسبة عسكرية أَو اقتصادية بين القوتين، وليس هناك أي تقارب في الميزان العسكري، ومعادلة التفوق بين من تمتلكه المقاومة في قطاع غزة وبين جيش العدوّ الصهيوني الذي يعد القوة الأكثر قدرة على فرض أية معادلة عسكرية ليس في فلسطين فقط وإنما في المنطقة العربية بكلها، فالعدوّ الصهيوني كعادته يبدأ بإظهار نفسها كدولة تمتلك الأهلية والخيارات لفرض نفسها على كُـلّ فلسطين المحتلّة، وأولها القدس والمسجد الأقصى الشريف.
حساباتٌ خاطئة
إن الكيانَ الصهيوني قد اعتبر موقفَه الحازمَ والقوي والإجرامي ضد أهل بيت المقدس ومنعهم من الصلوات في الأقصى في رمضان سوف يوصل رسالة الكيان اليهودي إلى كُـلّ محور المقاومة في اليمن وسوريا ولبنان وفلسطين وإيران، وَأن كُـلّ تلك التهديدات والتوعدات التي يطلقها قادة الثورات الإسلامية ضد الكيان الصهيوني هي مُجَـرّد تغريدات إعلامية، وأن الواقعَ في فلسطين واقع لا يستطيعُ أن يغيّره أَو يبدله أحدٌ غير الكيان الصهيوني، وقادته، مهما كانت تلك الرسائل والتحذيرات، بل إن خطوات الكيان تزدادُ يوماً عن يوم في تملكها للمنطقة، وتهجير أبناء فلسطين وأبناء المستوطنات، وتضييق الخناق على المسلمين، وعرب بيت المقدس وكل الأحياء العربية للمسلمين، والمسيحيين، وأعتبر نتنياهو نفسه أنه الفارس الذي سوف يحقّق كُـلّ أحلام اليهود في فلسطين.
ولذلك كان اليهود والكيان الصهيوني مع مرحلة تاريخية في التاريخ الإسلامي في فلسطين، لم يحسب لها الكيان حساباً صحيحاً، فكل تقديراته ومعطياته منذ عقود لتركيع الشعب الفلسطيني وفرض هيمنته على السلطة الفلسطينية والشعب الشعب الفلسطيني كانت هباءً منثورا، وأخطأ الصهاينة هذه المرة حساباتهم، واعتقدوا أن شركائهم وحلفائهم في المنطقة قد عززوا موقفهم وأضعفوا المقاومة الفلسطينية، وأن التطبيع مع بعض الأنظمة العربية العميلة لهم رصيد كبير سيجعل من القضية الفلسطينية قضية استثنائية لن تحمل معها تلك الاعتبارات التي كان الكيان الغاصب يحملها العرب والشعوب العربية، ولكنها فوجئت بأن الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية رقماً صعباً لا يستهانُ به.
إن ظهورَ الخيانة العربية والتطبيع مع الكيان لم يضعف المقاومة بل زاد من إرادتها وعزيمتها لمواجهة العدوّ الصهيوني، وإن العرب الخونة مُجَـرّد سند للكيان وليسوا سنداً وعوناً للمقاومة العربية الفلسطينية وأن ما حقّقته المقاومة الفلسطينية اليوم هو انتصار للمقاومة الفلسطينية وسوف يشهد العالم تغيرات كبيرة وكثيرة في المنطقة، أهمها إعادة حسابات تلك الدول التي هرولت للتطبيع مع الكيان وتفاخرت بأنها أنجزت الشيءَ الكبيرَ بعلاقتها الثنائية مع كيان العدوّ.
ومن هنا يمكنُ القولُ بأن الانتصارَ العظيمَ الذي حقّقه الشعبُ الفلسطيني في مواجهة العدوّ الصهيوني في معركة “سيف القدس” قد أخرج تلك الدول العربية وجعلها في موقعٍ مخٍز ووضيع أمام شعوبها، وأن وعيدَ وتحذيرات قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي للكيان الصهيوني كانت أقوى وأجرأَ تهديداً للكيان الصهيوني، وأن هذا التهديد لم يكن عبثاً أَو مُجَـرّد استعراض وإنما كان من موقع القوة والجدية والشعور بالمسؤولية تجاه القضية الفلسطينية، وأن كُـلّ حرف نطق به قائد الثورة كان يحمل معه كُـلّ معاني الوطنية القومية والواجب الديني والأخلاقي والمبني على ضعف عقيدة اليهود وذلهم وجبنهم وخوفهم، وأن كتاب الله هو أصدق الكلام، واليهود هم أذلُّ البشر وأجبنهم ولذلك كان لصمود وثبات الشعب اليمني الأثر الكبير في إرادَة وثبات المقاومة الفلسطينية أمام كيان الاحتلال ومقوماتها العسكرية وانعكس هذا الثبات والصمود إلى التحدي والمواجهة وانكسر حاجز الأبعاد والعواقب، وأخذت المقاومة الفلسطينية وكل فصائلها إلى التوحد والسير وفق رؤية جهادية ثابته وقرار واحد، فكان مسار المقاومة وتوحيد كُـلّ الجهود العسكرية ضد عدو واحد مغتصب، وأصبحت المقاومة الفلسطينية في غزة هي عنوان الصمود والتحدي الأول ولأول مرة في تاريخ الحرب الفلسطينية لكيان الاحتلال، تفرض فيها المقاومة الفلسطينية قواعد اشتباك جديدة وتغير المعادلة العسكرية بناءً على نوعية الصواريخ الفلسطينية المتنوعة، واشتراك كُـلّ صنوف قوات المقاومة في الحرب والقدرة التي أظهرتها المقاومة في إدارة المعركة الحديثة المشتركة فوارق القوة النسبية والتناسب.
تأديبُ العدو
لقد جعلت المقاومة من قطاع غزة وجغرافيته، موقعاً استراتيجياً لتأديب العدوّ، وأن المقاومة الفلسطينية قوة عسكرية منظمة تمتلك كُـلّ مقومات الجيش الحديث المتطور، وسجلت المقاومة الفلسطينية أنصع صفحات في التاريخ المعاصر في مواجهة العدوّ الصهيوني واختيار قرار المواجهة دون تراجع وكان هذا القرار التاريخي لردع العدوّ الصهيوني وتعريفه بحجمه الحقيقي، أمام نفسه وأمام العالم.
ومن هنا نستطيع التأكيد أن فلسطين اليوم تشهدُ ثورةً حقيقيةً عربية إسلامية أمام كيان الاحتلال الصهيوني العدوّ الحقيقي والأزلي لله وللمؤمنين، فَـإنَّ الفلسطينيين هم اليوم الشعب العربي الحر الرافض للوصاية والاستعمار والاحتلال ولن تقف هذه الثورة والانتفاضة والمقاومة حتى تحرير كُـلّ فلسطين، فقد طال البقاء للمحتلّ الصهيوني على أطهر بقعة على الأرض وقد حان وقت أن تصحو الشعوب العربية النائمة، لتنتفض أمام حكامها وقاداتها الخونة والعملاء وتعريفهم بأن فلسطين قضية كُـلّ العرب وطرد المحتلّ الصهيوني هو الخيار الوحيد للشعب الفلسطيني وكل الشعوب العربية.
إن ما حقّقته المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة هي الثورة الحقيقية منذ سبعين عاماً وهو النصر الذي لا غبار عليه، فعشرة أَيَّـام أثبتت المقاومة الفلسطينية هُــوِيَّتها الوطنية والسياسية والدينية والعربية، وذلك من خلال ما امتلكته من قوة عسكرية وقدرة وكفاءة في الميدان وردع العدوّ الصهيوني، وجعلت كيان العدوّ محل سخرية واستهزاء وأفقدته قدرته على استيعاب الموقف والحرب وأبعادها السياسية والعسكرية، والاقتصادية، وأن السلاح الاستراتيجي الذي بات سلاحاً في يد المقاومة إنتاجاً وتصنيعاً ومخزوناً وكفاءة، قد أصبح اليوم واقعاً ملموساً وحقيقةً لا يستطيع الكيان الصهيوني إنكارها أَو تجاهلها، ولعل ردع العدوّ الصهيوني في عقر داره والتدمير لأهداف حساسة وهامة شكل إحراجاً للكيان، أمام العالم.
إن استعراض المقاومة الفلسطينية بأسلحتها الرادعة على كُـلّ الجغرافية الفلسطينية المحتلّة والمستوطنات المحمية بكل الوسائل والوسائط الصهيونية وفشلها أمام القدرة العسكرية الفلسطينية، وبذلك فقد أعلنت المقاومة أنها أصبحت قادرة على تغيير المعادلة العسكرية من خلال امتلاكها قوى فلسطينية جديدة فرضت معها قواعد جديدة للاشتباك، وواقعاً جديدًا للحرب ومسرحاً للعمليات العسكرية حسب ما تراه المقاومة مناسباً ومؤثراً على العدوّ الصهيوني.
إن المقاومةَ الفلسطينية اليوم في قطاع غزة هي محور القوة العسكرية للدولة الفلسطينية وهي القوة الرادعة لكل من تسول له نفسه المساس بحق الشعب الفلسطيني، في باحات ومسجد الأقصى وأن هناك خطوطا حمراء يستحيل على الكيان الصهيوني تجاوزوها، ولعل حرب العشرة أَيَّـام كشفت الكثير من الحقائق والأبعاد للدول العربية المطبعة مع كيان الاحتلال من خلال إعلامها المنحاز للعدو، حَيثُ أن إعلامهم أصبح قناة صهيونية يتحدث بلسانهم، وينقل جرائم المقاومة على أهداف صهيونية عسكرية واقتصادية، وفي نفس الوقت ظهرت أنظمة تلك الدول العميلة كأقزام صغيرة في سلم الخيانة والعمالة وأنهم كيانات ضعيفة هزيلة، فهزيمة كيان الاحتلال هو هزيمتهم وذل الكيان هو ذلهم وانعكس هذا الهوان والذل على العدوّ وأصدقائه وشركائه سلباً وخزياً على شعوبها، وانعكس إيجابياً على شعوب محور المقاومة في سوريا واليمن ولبنان والعراق وإيران، وتعالت أصوات النصر والافتخار في شعوبها مؤيداً كُـلّ انتصارات المقاومة الفلسطينية، ولن يكون هناك خطوط منع في المعركة القادمة مع الكيان الصهيوني..
كيان الاحتلال الصهيوني خسر المعركة والرهانَ والتطبيعُ مع دول الخيانة والعمالة لن يزيدَهم إلا ضعفاً وهوناً، ولعل أبعاد التطبيع ظهرت بقوة المقاومة وثباتها وإرادتها، ولعل هذا الخيار سوف يتوسع ويزداد قوة حتى يصبحَ هو خيار كُـلّ الفلسطينيين في كُـلّ الجغرافيا الفلسطينية، وأن وعدَ الله قد حان وأن كيانَ العدوّ هو إلى زوال في القريب العاجل، والكيان نفسه هو اليوم يشعُرُ بالخطر القادم، وأن كُـلّ تقديراتها وحسابتها قد فشلت، وأن العرب والمسلمين هم اليوم في طريق التوحد والمواجهة، وأنه مهما طال وجود المحتلّ الصهيوني فلا بد من زواله ورحيلِه، ووعدُ الله هو الحق.