في الخلق أرَى الخالق
منتصر الجلي
العجلةُ تدورُ، الحركةُ مُستمرّةٌ، انظُرْ من حولك جيِّدًا تجدِ الشكلَ، البيئةَ، الغرضَ، الوظيفة، تجد الانفراد والوحدة، القوة والضعف، التفكير والفكرة، الوهم والحقيقة، تجد الشعور والحدس والصمت، الحزن والفرحة والابتسامة وعوامل بقائها أَو ذهابها.
نعم أنت.. أنت أيها الإنسان بعد قرون خلت وأمم مضت وأقوام رمت، أنت أيها الإنسان في غيبوبة البشرية تاهت الطرق تشتت الشعوب وفي كُـلّ شعب إنسان ومجتمع وأسرة وفرد وأم وأب وطفل تعد له والدته متى يكبر لتراه كما تحب.
حقيقة يعيشها الجميع ونرى بصمات الخالق على خلقه والفطرة والمكنون والمسؤولية والعمل.
يأخذ منَّا هذا الذي نحاسبه حياتنا وندفع ثمن مجيئه “الوقت” كُـلّ يوم لحظة وثانية شهيق وزفير، يأخذ ذلك العقرب الذي تدور حركته بسهولة دون صداع يصيبه أَو مشكلة تعتريه.
التفت للخلق لا تندهش! هو كون الله وهذا خلقه وخليقته وأنت عبدٌ له، تلك الشجرة تتابع عليها الفصول السنوية، تلك الحيوانات تلاحقها ظروف البقاء، ذلك النهر فهو بين ما تهبه السماء التي تغذيه بمزنها لكي يظل قوياً شاباً يسير ويجري يقطع المسافات الطوال دون عائق أَو توقف، غير أنه غير ضامن للحارس الكوني “الوقت” أن يسلبه قوته.
تلك الطير بين صغارها، ها هي تكبر وتغادرها وربما افترست أَو ماتت سقماً أَو داءً، تلك الماشية هي في طريقها إلى المرعى على تلك الجبال لتقتات ما يسد رمق جوعها، وهناك الجبال تنتظر ما يمكن أن تهبه لها السماء من غيث لتنبت بالزرع للآكلين.
هناك بل هناك كُـلّ شيء أيها الإنسان في كف الله ورحمته وصنعه وحكمته وتسخيره، هناك الإنسان بمسببات وأسباب بقائه، وهناك عدة مخلوقات على كوكبنا الأزرق ولا ننسَ الماء الذي له عائلاته المختلفة وسُبل شتى وأعظمها تسخيراً للبشرية البحر العاتي والمحيط العظيم والأطلس الواسع، كُـلٌّ له قدره وحجمه ومكانه ووظيفته وحيويته الداخلية وعجائبه الكامنة ووظيفته الظاهرة.
وعلى طريق الأمم فقد وجدت وشاخت وهلكت ثم ذهبت بأمر الله فمنها ما ذهبت بالذنب والعصيان ومنها ما أكلتها الأرض ومنها الريح والطوفان والصاعقة وغيرها، لا تستغرب فما بين الكاف والنون “الله” وهو على كُـلّ شيء قدير.
لا مقارنة للوجود أَو مجاملة لمن هو باقٍ، الجميع في دائرة الذهاب والسفر مع قطار تقوده الشمس ولباسه القمر وسائقه الوقت الذي لا يمكن أن يتوقف إلا محطة النهاية، حَيثُ أمره الخالق يوم خلقه.
هي مشكلة، بل هي حقيقة، بل مسرحية بل هي العظمة، هي الحكمة، لا أعتقد ربما هي الوظيفة، لا لا بل السلطة.. وهكذا وبين هذه الاحتمالات نظل نتزلف غير آبهين أنه “الله”.
هو التسخير بين بعضها لبعض فمنها الزينة ومنها الجمال ومنها الكمال ومنها الدواء ومنها الداء ومنها المنفعة ومنها وإليها.. وهي الحكمة في النهاية لمدبر حكيم.
تصارع، حروب، تقوم هناك الدول تحكم الحكومات، تظهر النظريات، تطرح الشرائع قانونية بشرية أَو إلهية ربانية، يخطئ الإنسانُ، يرتكب الجرم يعاقب العاصي، فقير الأمس هو غنيُّ اليوم وضعيف الأمس قوي اليوم والعكس، مترف اليوم متسول الغد وفي كُـلّ شيء حكمة وفصل.
ولكن تبقى المشيئة العليا فوق كُـلّ مشيئة، وهي محكمة الكتاب يوم خلقت السماوات والأرض.. وهناك في الطريق الآخر الجزاء فنعيم دائم أَو شقاء دائم، والعياذُ بالله.