محاولاتٌ لتعكير الأجواء الدبلوماسية في صنعاء: لماذا تثيرُ الزيارةُ العمانية “هستيريا” العدو؟!
الإعلام المعادي يختلقُ “جريمة وهمية” في مأرب ويفشلُ في تسويقها
واشنطن ولندن تكشفان عن انزعـاجهما من جهود السلام والمرتزقة قلقون على “مستقبلهم”
المسيرة | خاص
أزعجت زيارةُ الوفد العُماني للعاصمة صنعاءَ تحالُفَ العدوان ومرتزِقتَه بشكل كبير؛ لما تترجمُه هذه الزيارةُ من كسر للعزلة الدبلوماسية التي حاولوا فرضَها على صنعاء؛ ولما تمثله من دليل واضح على فشل مساعي الابتزاز ومقايضة المِـلَـفِّ الإنساني بالمِـلَـفَّات العسكرية والسياسية التي حاولوا فرضها خلال الفترة الماضية على طاولة المفاوضات، الأمر الذي يقطعُ الطريقَ أمام العدوّ الراغب بإطالة أمد العدوان والحصار، كما يقلق مرتزِقته الذين يقتاتون على تحقيق تلك الرغبة.
ظهر ذلك الانزعَـاجٌ بوضوح في محاولات هستيرية للتشويش على المشهد الدبلوماسي إعلامياً، حَيثُ لجأت وسائلُ إعلام المرتزِقة بسرعة وبشكل مرتبك، عقبَ الإعلان عن وصول الوفد، إلى التشكيكِ في نوايا سلطنة عمان وموقفها تجاه اليمن، متَّكئِين على الخطاب غير الجديد الذي تموله دول العدوان، والذي يتهم السلطنة بأنها تساعدُ صنعاء عسكريًّا وسياسيًّا، على الرغم من أن وزيرَ خارجية المرتزِقة كان قد وصل في اليوم نفسِه إلى مسقط!
وسائلُ الإعلام السعوديّة حاولت هي الأُخرى التعاطيَ مع الأمر وفقاً للسياق نفسه، وحاولت صحيفةُ “الشرق الأوسط” التقليلَ من شأن زيارة الوفد العُماني، بشكلٍ طفولي، من خلال وصفها أنها “غيرُ مجدولة”، محاولةً تحميلَ سلطنة عُمان “وِزْراً” وهمياً لقيامها بهذا الدور، بمقابلِ محاولة إضفاء أهميّةٍ كبيرة على زيارة المرتزِق بن مبارك “المجدولة” إلى مسقط، ووصفها بأنها تأتي ضمنَ الجهود المُستمرّة “لإرغام” صنعاء على القبول بالمقترحات الأمريكية والأممية التي سبق رفضُها!
تطورت تلك المحاولاتُ لاحقاً إلى اختلاق “جريمة” وهمية تم اتّهامُ صنعاء بارتكابها في مأرب، لكنها لم تكن أكثرَ تماسكاً من محاولة التشكيك في النوايا العُمانية، إذ وُلِدَت هذه الدعايةُ مشوهةً منذ البداية وحاملةً دلائلَ زيفها وأهدافها المشبوهة بشكل واضح، فإضافةً إلى جانب الحقيقة المترسخة على الواقع، في أن قواتِ الجيش واللجان الشعبيّة لا تستهدفُ المدنيين، عَجِزَ العدوُّ الذي يمتلكُ عشراتِ القنوات والمراسلين والنشطاء في مأرب، عن تقديمِ أي دليل بسيط يشيرُ إلى وقوع “المجزرة” المزعومة، فضلاً عن إثبات مسؤولية صنعاء عنها.
العدوُّ زعم سقوطَ العديد من الضحايا لكن كُـلّ ما قدمه كان صورةً واحدةً تظهر جَسَداً محترقاً ملفوفاً بكيسٍ أبيضَ، وبعد قُرابةَ 24 ساعة من مطالبات نشطاء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي بتصوير مكان الحادث المزعوم وبقية الضحايا، بثت وسائلُ إعلام العدوّ صورة أُخرى تظهر جسداً محترقاً (مختلف بشكل كامل عن السابق لكنها زعمت أنه لنفس الضحية) إلى جانب جسد أكبر قليلًا، موضوعين في كيسين أبيضين، داخل ما بدا أنه مستشفى، الأمر الذي لا يتضمنُ أَيْـضاً أيَّ دليل مهني على وقوع “الجريمة” المزعومة أَو على طبيعتها أَو حتى على مكانها أَو عدد ضحاياها.
لم يخفِ العدوُّ مسعاه الحقيقيَّ من وراء اختلاق هذه القصة منذ البداية، إذ دفع بمرتزِقته وعلى رأسهم حزب الإصلاح، نحو محاولة توظيف الكذبة لاتّهام صنعاء بأنها “تعرقل جهود السلام” ولخلق “رأي عام” موجِّهٍ للتأثير على موقف سلطنة عمان ووفدها المتواجد في صنعاء لبحث مِـلَـفَّات السلام والمِـلَـفِّ الإنساني.
ونظراً لفشلِ المرتزِقة في الترويج لكذبة “جريمة مأرب” بالشكل المطلوب، دخل العدوّ نفسه على الخط، إذ تبنى كُـلٌّ من السفير البريطاني في اليمن، والقائم بأعمال السفير الأمريكي، الرواية، وتم استصدارُ مجموعة من “الإدانات” من قبل الأطراف الإقليمية المعروفة التي يلجأ إليها النظامُ السعوديّ بشكل متكرّر لهذه المهمة.
وليست هذه المرة الأولى التي يلجأُ العدوُّ فيها إلى هذه الحيلة الرديئة؛ لأَنَّه دأب على استخدامِها كَثيراً طيلة فترة العدوان، ودائماً ما كان مرتزِقةُ “حزب الإصلاح” بالذات هم أدوات بث هذه الشائعات، غير أن الأمرَ لم ينجحْ ولا مرة، وفي بعض الأحيان كان يرتد عكسياً على المرتزِقة، كما حدث مع إشاعة استهدافِ السجن المركزي في تعز، حَيثُ اتضح لاحقاً أن المرتزِقة أنفسهم هم من استهدفوه.
بتوسُّعِ الضجيجِ وتبني رُعاة العدوان في الغرب للكذبة، كانت محاولة التشويش على الأجواء الدبلوماسية وأهدافها قد اتضحت بشكل كامل، وكشفت عن “المأزق” كبير تعيشه مختلف أطراف العدوّ.
بالنسبةِ لرُعاة تحالف العدوان، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، مثّلت زيارةُ الوفد العماني إحراجاً دبلوماسياً؛ كونها جاءت عقب تهديدات رسمية لصنعاءَ بـ”العزلة” إذَا لم توافق على صفقة مقايضة المِـلَـفِّ الإنساني بمكاسبَ عسكرية وسياسية، إضافةً إلى كون هذه الزيارة تزعزع محاولات فرض تلك الصفقة كأمر واقع على صنعاء التي بدت “منتصِرةً” على الابتزاز الأمريكي بعد تمسكها بموقف الرفض القاطع لتلك المقايضة، وتأكيدها على أن معالجة المِـلَـفِّ الإنساني يجب أن تسبق أية مناقشات لوقف إطلاق النار والتسوية السياسية، الأمر الذي تخلق الزيارة العمانية انطباعاً بأنه بات أكثر حضورا على الطاولة من صفقة المقايضة.
وبالتالي لم يكن من المفاجئ أن ترعى واشنطن ولندن حملة التشويش المتزامنة مع زيارة الوفد العُماني؛ مِن أجلِ ضمان استمرارِ محاولةِ خلق ضغوط على صنعاء، وتعكير أي أفق لحلولٍ حقيقيةٍ يراها الغرب “هزيمة” أَو في أقل الاحتمالات، حجّـة إضافية تضيق خياراته وتفضح رغبته في إطالة أمد العدوان والحصار.
وينسحبُ المأزقُ نفسُه على دول تحالف العدوان وعلى رأسها النظام السعوديّ، مع قلقٍ إضافي يبرّر الهستيريا في محاولة التشويش على زيارة الوفد العماني؛ لأَنَّ الرياضَ وصلت في إخفاقها السياسي والعسكري إلى حَــدِّ أن أية نتيجة إيجابية للزيارة العمانية، تمثل خسارةً كبيرةً في نظرها، وهي العاجزة بشكل كامل عن تغيير أية معادلة، والتي تعلم أنها ستتحمل عواقب ثقيلة جِـدًّا إذَا “رفضت” حلولاً جادة وأصرت على استمرار العدوان والحصار، وتعلم أن الدعم الغربي لن يجنبها تلك العواقب.
ويتفاقمُ القلقُ والاضطرابُ نزولاً باتّجاه المرتزِقة الذين لا يمتلكون بالأصل أي وزن في المفاوضات، ولا أي قرار للتأثير عليها، مع علمهم بأن مشغِّليهم لن يتردّدوا لحظة في “التضحية” بهم ضمن أية صفقة محتملة لإنقاذ مصالح السعوديّة أَو واشنطن إذَا لزم الأمر، ناهيك عن الرعب المتعاظم الذي يشكله بالنسبة لهم تزايد ثقل وحضور صنعاء الدبلوماسي والسياسي، في مقابل الوضع المزري الذي يعيشونه هم كعصابات فاقدة للمصداقية ومسلوبة الإرادَة.
إجمالاً، وعلى الرغم من أن نتائجَ الزيارة العمانية لم تظهرْ بعدُ، إلا أنه يمكنُ القولُ إنها قد سُجلت في رصيد صنعاء، كإنجازٍ دبلوماسي، وكـدليل واضح على جديتها في السعي نحو سلام حقيقي، وكمظهر واضح من مظاهر تغلبها على العدوان بما يمثله من مشروع للسيطرة على اليمن وسلب قراره وقوته وإرادته، وبصرف النظر عن نتائج الزيارة، فَـإنَّ “المَسَّ” الذي أصاب تحالُفَ العدوان بسَببِها يؤكّـد على أن الأفق أمام صنعاء أكثر انفتاحاً مما هو عليه أمام دول العدوان ورعاتها.