التنميةُ من خارج الصندوق
محمد صالح حاتم
اعتادَت المجتمعاتُ أن تتكفَّلَ الدولةُ بعملية التنمية، من دراسات وتخطيط وتمويل وتنفيذ وصيانة وتأهيل وغيرها من المراحل، والتي تسيرُ وفقَ لوائح وأنظمة وقوانين وإجراءات طويلة وغيرها والتي تعد بعضها عوائقَ تقف في وجه تحقيق تنمية شاملة ومستدامة تخدم المجتمع.
ولكن التنمية بهذا المفهوم ووفق ذلك المسار تعد تنمية ناقصة ولا تعد تنمية مستدامة؛ لأَنَّها تهملُ جزءًا كبيراً ممن لهم أدوار في عملية البناء والتنمية وهم أبناء المجتمع، الذين يمتلكون الخبرات والمهارات والإمْكَانيات والأفكار والإبداعات، والتنمية هنا لا تقتصر فقط على المشاريع الإنشائية الكبيرة التي تتكفل بها الدولة أَو المشاريع الاستراتيجية، بل هنا تنمية يستطيع المجتمع القيام بها سواء تنمية شخصية أَو مجتمعية.
إن التنمية الحقيقية هي التي يشترك فيها كُـلُّ فئات وشرائح المجتمع والتي تتمثل في التفكير والتمويل من خارج الصندوق، بعيدًا عن البيروقراطية والإجراءات الطويلة هي التنمية التي نحن بحاجتها وعلينا التوجه نحوها الآن، خَاصَّةً في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها بلادنا جراء الحرب والعدوان والحصار، وانعدام الموارد والتي كانت معظمها من عوائد مبيعات النفط والغاز والمنح والقروض والمساعدات الدولية.
فاليوم نحن بحاجة إلى الانطلاقة نحو التنمية وفقَ هدى الله، وهذه التنمية تقوم على أسس إشراك كُـلّ أبناء المجتمع في عملية التخطيط والتمويل والتنفيذ، بحيث يكون المجتمع مساهماً فيها بشكلٍ كبير، والبداية الحقيقية تتطلب خلق وعي مجتمعي بأهميّة اشتراك أبناء المجتمع على العمل في إحداث تنمية مستدامة شاملة تخدم المجتمع، ونحن وَلله الحمد دينُنا وتاريخنا وحضارتنا وأسلافنا وأعرافنا وتقاليدنا فيها الكثير من أنواع التنمية المجتمعية التي يشترك فيها الجميعُ والتي لا تعتبر توفرَ السيولة المالية من عدمها عائقاً أَو من صعوبات عدم قيام تنمية، ولنا في قصة ذو القرنين في القرآن الكريم خيرُ دليل وشاهد عندما طلبوا أن يبني لهم سداً يحميهم من هجمات يأجوج ومأجوج والتي ورد ذكرها في سورة الكهف، وقد عرضوا على ذي القرنين أن يعطوه جزءاً من خراج أموالهم ولكنه طلب منهم أن يعينوه بقوة، لم يأخذ المال بل أراد أن يشتركوا معه في عملية بناء السد وأن يستند على قدراتهم، وكذلك القرآن الكريم أمرنا بالتعاون، والتفكير والتحَرّك، وتاريخنا كذلك مليء بالشواهد الكثيرة التي تحث المجتمع على التعاون والتكاتف والاشتراك في البناء والتنمية، وفي أعرافنا وأسلافنا وعاداتنا الكثير من الشواهد التي تؤكّـد اشتراك الجميع وتعاونهم ما يسمى بالغرم والجايش، وغيرها.
ومن هذه المنطلقات والأسس فَـإنَّ علينا التحَرُّكَ نحو التنمية من خارج الصندوق والذي لم يعد يوجد لدينا في الوضع الحالي شيء اسمه صندوق، رغم عدم جدوى وجوده، فهل نبقى ننتظر أن يعود الصندوق ونقول على الدولة وعلى الحكومة أن تبني وتنفذ وليس على أبناء المجتمع أي شيء، بل يتوجب التحَرُّكُ والتعاون نحو البناء والتنمية التي يستفيد منها المجتمع بشكلٍ عام، وأن لا نظلَّ ننتظرُ المساعداتِ والمعوناتِ من المنظمات الدولية.
فالأوطانُ لا تبنى إلَّا بسواعد أبنائها المخلصين والوطنيين والشرفاء الأحرار.