حديثُ حرف وانتصارٌ للوطن!!
دينا الرميمة
وحدَها الكتابةُ عن قضية وطن هي من تُخلَّد، خلافاً عن كُـلّ الكتابات التي تشترى حروفها بالمال لصناعة حدث ما أَو لإشهار شخصية معينة تظهر إعلامياً كثعلبٍ يرتدي ثياب الصالحين وخَاصَّة الشخصيات السياسية وما بينهم من صراعات على المناصب في زمن بات فيه الإعلام سلعة رخيصة وسلطة رابعة!!
بينما الكتابة عن الوطن هي الفعلُ الأسمى والأقدس وذلك؛ لأَنَّها تروي تراجيديا وجع امتزج بمعاناة مدوية لشعوب سجعت إرهاصاتها من وحي التفاصيل المدماة ومن عبق الشوارع التي تنبعث منها روائح الحرب الشروس، ومن مهاوي شعب استنزف دمه عبر سنوات وما زال يحكي انتصاراته وصموده.
ولا أروعَ من حبرٍ سال على ورقٍ شاهداً وشهيداً وهو يسطر حكاية وطن في زمن حرب يتساقط على رأسه آلاف الأطنان من قذائف الموت ولا زال واقفاً على قدميه يُرسل للعالم رسائل لأسمى معاني العزة والكرامة.
فليس ثمة ما ينهك الدول كالحروب التي تتركُها كأرملة تُعيل أيتاماً صغاراً في أرض ماتت فيها واندثرت تحتها الرحمة، كذلك كان اليمن الذي وبالرغم مما تتعرض له من ظلم بالغ القسوة وخذلان يُعد أشد مرارة من الغارات التي لم تتساقط على أية بقعة في العالم كأرضه التي أَيْـضاً طوقها المعتدي بحصار خانق وحرب اقتصادية عصفت بالكثير ظلماً وعدواناً، لكنَّ أبناءه أبوا إلا الدفاع عنه لم يستسلموا أَو يرضخوا؛ لأَنَّهم يؤمنون بعدالة ما يحمله اليمن من قضية وبأحقية شعبه في أرضه والعيش عليها كريماً عزيزاً لا تفرقه حربُ الهُــوِيَّات الطائفية والمناطقية المدبرة من قبل أعدائه.
ولأنه يعي جيِّدًا ما الذي تحمله نوايا المحتلّ ويعرف الفرق بين وطن بيد أبنائه ووطن ينهش لحمه وعظمه محتلٌّ أجنبي، خَاصَّة إن كان هذا المحتلّ هو أمريكا أَو الكيان الصهيوني!!
ولهذا استمات اليمنيون في الدفاع عن أرضهم وعرضهم، وَسطروا ملاحماً لم يشهد لها تاريخُ الحروب مثيلاً، وغيروا كُـلّ القوانين والتكتيكات العسكرية المتعارف عليها في كُـلّ العصور!!
ولم تكن العملية الأخيرة التي بثها الإعلام الحربي من جيزان إلا واحدةً من تلك الملاحم التي يقف العقل أمامها مذهولاً يفخر كُـلّ من ينتمي لليمن بأنه يمني الهوى والهُــوِيَّة.
لا أخفيكم سراً وقت مشاهدتي لتلك الملحمة المسطرة في جيزان ارتفع منسوب السعادة لديَّ حَــدَّ الغرق وأشفقت على قلمي الذي انتشى لحظتها يلملم الكلمات والحروف علَّه يستطيع وصف تلك المعركة لكنه وقف دامعاً عاجزاً عن وصف أي مشهد من تلك المعركة.
مشاهدُ كثيرةٌ فضحت حجم التسليح الكبير للجيش السعوديّ والمرتزِقة الذين دائماً يعللون فشلهم بقلة الدعم من التحالف وضآلة الإمْكَانيات مشبهون وضعهم بجيش العسرة الذي خرج مع النبي (عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام) في غزوة تبوك وشتان ما بين هذا وذاك!!
بَيْدَ أن الواقع كان خلافَ ما ادعوه، فالمقاتلون كُثْرٌ، ولكنهم كغثاء السيل ونحن نراهم يتقافزون؛ خوفاً طمعاً في السلامة من الموت أَو الأَسر إلى موت أبشع.
ولم يرَ إعلام العدوان من مبرّر للهزيمة التي مُني بها جيشه إلا بوصفها أنها مفبركة وهي نغمته التي الفتها مسامعنا مع كُـلّ عملية.
وربما لهم العذر فحجم ما خسروه في تلك العملية ليس بالقليل والهزيمة التي مُني بها جيشهم الجرار ليس بالأمر السهل تقبله، فالأحداث والبطولات التي عرضتها تلك المشاهد تجعل العقل يقف مذهولاً أمامها وتقف الأيدي عاجزة عن الكتابة عنها بشكل يليق بها فثمة أحداث من الصعب التعبير عنها أَو توصيفها.
لكن الشيء الأكيد أننا نؤمن ونثق بمجاهدينا الأبطال الذين تمتعوا بوعي وثقافة قرآنية غرسها فيهم قائدُهم الأول السيد حسين حين دفع دمَه ثمناً لإنقاذ اليمن من الارتهان للأمريكي فأثمر رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه وما عاهدوه عليه من المضي على دربه ليبقى اليمن حراً شامخاً بعيدًا عن أية وصاية.