المقاومة الفلسطينية.. بين سندان التفاوض والوسطاء ومطرقة الأعداء
المسيرة / عبدالقوي السباعي
ليست التداعياتُ التي تفرِضُها “مسيرةُ الأعلام” الصهيونية اليوم، هي المعطياتِ الرئيسيةَ لاشتعال فتيل المواجهة، إذ لا تزال أسبابُ الاشتباك الجوهرية التي حركة المياه الراكدة داخل البيت الفلسطيني المقاوم قبل بدء معركة “سيف القدس” قائمة، في القدس والضفة المحتلّتين حتى اللحظة، بل زادت بعد انتهاء المعركة، خَاصَّة الأُسلُـوب القمعي للتظاهرات وتدنيس الأقصى المبارك، وتزايد وتيرة الاعتقالات والقتل في الفترة الأخيرة، والضغط الصهيوني أَيْـضاً على سكان قطاع غزة وفرض مزيدٍ من إجراءات الحصار المشدّد، برعايةٍ مصرية؛ بذريعةِ الدواعي الأمنية، وحفاظاً على عدم خرق الهدنة التي ترعاها وتفاوض بها الطرف الآخر.
وعلى ما يبدو أن هناك حالةً من الإحباط لدى شرائحَ كبيرةٍ من الفلسطينيين والقيادات الوسطى والصُّغرى للقوى والفصائل، وخَاصَّة في غزة؛ لعدم تحريكِ مِلفات إعادة الاعمار وتشديد الحصار، مما يضعهم أمام سيناريوهات معقدة قد تجرهم إلى التصعيد التدريجي، في ظل استمرار الاعتداء والقتل المتعمد للفلسطينيين على الحواجز العسكرية في مدن الضفة الغربية والقدس المحتلّة كما حدث في جنين وقلنديا وبيتا، إذَن فهناك جملة من المعطيات التي تتجه بالمقاومة إلى جولةٍ ثانية، واشتعال المواجهة مرة أُخرى، والتي باتت من الضرورة بمكان إشعال المنطقة بأكملها.
إن الحديثَ عن حكومةٍ صهيونيةٍ جديدةٍ هَشَّةٍ وضعيفة، وغير متماسكة، يقود ائتلافها المتطرف الصهيوني “بينيت” خلفاً عن المتطرف “نتنياهو”، أَو أن الجبهة الداخلية للكيان تعيش اليوم في أسوأ أوضاعها، هو حديث خاطئ؛ لأَنَّ الحاكمية الدينية والعسكرية هي من ترسم الخطوط العريضة التي تسير عليها الحكومات المتعاقبة وفق برامجَ عملية يبدأها الخَلَفُ من حيث انتهت فيها الحكومة السلف، إذ لا يمكن لحكومةٍ يروج عنها مثل هكذا توصيف وفي ظل جبهة منقسمة، أن تقوم في الوقت نفسه بالسماح بتنظيم وتسيير “مسيرة الأعلام” التي سيكون لتداعياتها تهديدٌ حقيقيٌّ لوجودها، ما لم تكن قد رتبت أوضاعها خلال فترة الهُدنة.
تنظيم المسيرة الاستفزازية رغم التحذيرات من المقاومة، والتعمد قبل ذلك في إحكام الحصار البري والبحري لقطاع غزة، وما رافقه من إغلاق المعابر التجارية، ومؤامرة غلاء الحديد بقيمة الضعف، ومؤامرة وضع العراقيل أمام أموال المساعدات القطرية التي كانت قبل العدوان على غزة تصرف بشكل طبيعي، وبرزت إلى السطح تصارع الحركات في من يمتلك الحق في استلامها، وفشل بعض المسارات في حوارات الفصائل في القاهرة؛ بسَببِ تباين الرؤى والمطالب، وما نتج عنه من قذائف إعلامية بعد انتهاء العدوان، والتي جاءت عكس المأمول والمتأمل، كما روج لها الإعلام الرسمي المصري، الذي جمد اليوم مع نظامه الملف الفلسطيني للتفرغ للملف الإثيوبي المستجد، كُـلّ هذه المعطيات تشير إلى أن هناك ترتيباتٍ قد تم إعدادها بعناية فائقة من قبل الاحتلال وأصدقائه العرب، إن جاز التعبير.
ولعل استئناف الفصائل الفلسطينية، أمس، إطلاق البالونات الحارقة جاءت كرسالةٍ من تحت الركام أن المعركة لا زالت مستمرة، وأن نشوة المقاومة الفلسطينية بالنصر ما زالت حاضرة، مع تعاظم الحاضنة الداخلية والدعم العربي والإسلامي، والوحدة الوطنية هي بوصلة المواجهة القادمة بعيدًا عن الحسابات السياسية والمادية، لذا أصبحت المقاومة اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى مطالبة بواحدية القضية والتوجّـه والسلاح؛ لأَنَّ وراء الأكمة ما وراءها.