مشاهدُ الإعلام الحربي وعينُ الوعي والبصيرة
بنت الحسن
إن ما تنقُلُه عدساتُ الإعلام الحربي من مشاهد أشبهُ ما يكونُ بالأُسطورة، تلتقطه عدسات عيوننا بوعيٍ وبصيرة وتنقله إلى شاشات قلوبنا دروساً وعِبَراً، فتبث تفاصيله في مديات أرواحنا بهجةً واعتزازاً، وتترجم مشاعر الفخر والسعادة التي تغمرنا، سجدات الشكر التي نبادر بها، وتمتمات التسبيح والذكر، وتعبر عن مدى ارتياحنا حروفنا الخجولة والمتواضعة، التي لبست شجاعتها من سندس إقدامهم، واستقت عزتها من سلسبيل ثباتهم، وعزفت ألحانها من أنغام معابرهم، وسطّرت معانيَ نجاحاتها من قاني تضحياتهم، ونسجت كلماتها من مغزل بطولاتهم ولونتها من معين تفانيهم التي أغرق العالم بمشاهد الإعجاز، الذي أصابته بالدهشة والذهول؛ لما ينظرون من مشاهد تأييد الله لأوليائه، في مختلف ميادين الإباء والعزة.
إن ما نشاهده من بطولات لرجال الرجال في مختلف مواقع العزة والنزال، وعلى رأسها جبهات الحدود ومشاهد جيزان، أقرب من نسج الخيال، لِما نرى فيها من بطولات يعجز عن وصفها الحرف والبيان، حَيثُ أن المجاهدين جعلوا من ميادين المواجهة عبارةً عن ساحة محشر وزلزلة وقيامة، فقد أحاطوها بالجحيم والعذاب الأليم، فَـإنَّ ما يصاب به الأعداء من الوان الرعب والخوف والهلع والفزع، للحد الذي يجعلهم يتقافزون ويلقون بأنفسهم من اعالي قمم الحيود؛ خوفاً من ملاقات الأبطال الأسود، ويموتون من الخوف، ويهربون ويولون الدبر، وكأن الله عجل بقيامتهم في مشهد مصغر لذهول الخلائق في المحشر.
وذَلك على يد أوليائه وأنصاره.
فلما لا تكون هذه من إنجازاتهم، وهم الرجال المستضعَفون الذين يتحَرّكون التحَرُّكَ الواعي، التحَرّك الواثق بنصر الله، تحَرّك من صَغُرَت الدنيا أمام ناظرَيه، وعَظُمَ في قلبه حُبُّ الله، التحَرّك الصادق الذي لا يشوبه رياء.
لذلك تتجلى عظمة البارئ عز وجل في هذا التأييد الكبير لهم في ميادين الجهاد، بالنصر الذي وعدهم به في كتابه، رغم قلة الإمْكَانيات مقارنةً بما يمتلكه خصومهم في الميدان، فعلى ايدي الأبطال الرجال في ميادين التفاني والقتال، تحقّقت وعود رب العزة والجلال، مصاديق نصر القاهر المتعال، في معرض الحق الزلال، قال تعالى: ((إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)). محمد
وقال: _ جل وعلا _ ((وإن جندنا لهم الغالبون)). الصافات
وقال تعالى: ((فَـإنَّ حزب الله هم الغالبون)). المائدة
وقال تعالى: ((وكان حقاً علينا نصر المؤمنين)). الروم
وقال تعالى: ((والذين إذَا مسهم البغي هم ينتصرون)). الشورى
وقال تعالى: ((ونريد أن نمُنَّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)). القصص
فبعد كُـلِّ هذه الوعود التي قطعها الله في كتابه لأوليائه المجاهدين، أليس حرياً بهم أن يصنعوا تلك الملاحم من المعجزات الربانية؟!
وهم هم من استجابوا له ولبوا نداه!!
إن المتأمل بعين الوعي والمتفكر بلُبِّ البصيرة، يؤمن إيْمَـاناً قطعياً بالتدخل الإلهي الذي يرافق مسيرة جهادهم، ويدرك عظيم ارتباطهم وتوكّلهم على الله، ويلحظ معيةَ الله في كُـلّ تحَرّكاتهم ويشاهد ألطفَه في كُـلّ ما يصنعون.
إن النصر يسجد في محراب بطولاتهم، وينحني المجد لهيبة مقامهم، ويتوارى الشموخ خجلاً من شجاعتهم، فعندما يرسون فوق هامات الجبروت بأقدامهم الحافية، كأنهم لعذاب الأعداء زبانية ويقضون ببنادقهم المتموضعة على أُسطورة السلاح، ويرسمون العزة والنجاح لكل مستضعَف في هذه الأرض، ويؤذنون بصرخاتهم لإقامة العدل وفناء الطغيان في هذه الفانية، ندرك أنهم هم الرجال الواثقون تمام الثقة بالله وهو مولاهم أينما كانوا.