أبو الفضل العباس وأبو فاضل طومر.. وحدة الموقف والمظلومية والقضية

 

محمد موسى المعافى

حين رأيتُ مشاهدَ تلك العملية البطولية الخالدة للشهيد أبي فاضل هاني محسن الذي بلغ أعلى مراتب الإحسان وضحّى بنفسه وَبذل روحه ودمه؛ إحساناً منه لإخوانه المحاصرين، تذكرتُ ذلك الموقف البطولي للشهيد أبي الفضل العباس بن علي بن أبي طالب عليهما السلام فقد تكرّر الموقف؛ لأَنَّ الصراع ما زال مُستمرّاً وممتداً من كربلاء الطف إلى كربلاء اليمن.

لمّا اشتد العطش بالحسين عليه السلام وَأهل بيته وَأصحابه يوم العاشر من المحرّم وَسمع عويل النساء وَالأطفال يشكون العطش، طلب العباس من أخيه الإمام الحسين السماحَ له بالمغامرة لجلب الماء، فأذن له الحسين عليه السلام، فحمل على القوم فأحاطوا به من كُـلّ جانب فقتل وَجرح عدداً كَبيراً منهم وكشفهم وَهو يقول:

لا أرهَبُ الموتَ إذَا الموتُ رقا

حتى أواري في المصاليت لقى

نفسي لنفس المصطفى الطُّهر وقـا

إنّي أنا العبّاس أغدو بالسقا

وَلا أخاف الشرَّ يوم الملتقى

وَوصل إلى ماء الفرات فملأ القِربة وَعاد، فحمل على القوم وَقتل وَجرح عدداً منهم فكَمِنَ له أحدهم فضربه على يمينه فقطعها فأخذ السيف بشماله فقاتل حتّى ضعف، فكمن له آخر من وراء نخلة فضربه على شماله فقطعها، فأخذ القربة بفمه، وَبينما هو جاهد أن يوصلها إلى المخيّم، إذ صُوّب نحوه سهمان، أحدهما أصاب عينه عليه السلام فسالت ونبت السهم فيها، وأمّا الآخر فقد أصاب القربة فأريق ماؤها، وعندها انقطع أمله عليه السلام من إيصال الماء، فحاول أن يخرج السهم الذي في عينه فضربه ملعونٌ بعمود من حديد على رأسه فقتله.

ولأن القضية ما زالت مُستمرّة، تكرّر موقف العباس الذي تجسد في الشهيد هاني طومر المكنى بأبي فاضل، الذي لم يرضَ أن يرى إخوانه المجاهدين محاصَرين فانطلق بجسد امتلأ إيماناً وإباء وغيرة وحمية من رأسه حتى أخمص قدميه ليصعد على آليته العسكرية واثقاً بالله معتمداً عليه مستعيناً به.

يخترق صفوف الأعداء الذين وجهوا نحوه وابلاً من الذخائر بمختلف أنواعها الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، ولكن حالت الرعاية الإلهية بين كُـلّ تلك الذخائر وبين جسد الشهيد البطل الذي واصل المشوار مخاطباً بلسانِ حاله قطعةَ الحديد التي يقودها (إن الله معنا) فأنزل الله سكينتَه عليه وأيده بجندٍ عملت على تثبيت قلبه حتى وصل لموقع رفاقِه المحاصَرين.

وقف الشهيدُ هاني طومر موقف العباس وقف هاني مناصِراً لحسين العصر في مواجهة عمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وابن زياد ويزيد العصر.

فانتصر دمه على سيف عدوه بعد أن سطّر أقوى وأعظم المواقف في التضحية والبذل والإيثار والوفاء فسلام الله عليه وعلى إيمانه وَوعيه وَوفائه وبذله وعطائه.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com