جئتَ من صلاة العاشقين.. أبا فاضل

 

منتصر الجلي

من أين جئت؟ وكيف أنت؟ ومن أنت حتى تلوح كبارقٍ يخطفُ أبصارَ ومشاعرَ الناظرين؟

أأنت من حسابات الأرض؟ أم كتاب قدسي شاهدٍ كرجل سوي جئت تقدِّمُ درساً للعالمين.

نجمُك لاح على الإنسانية وأخذت وسامَ الشرف العالي الذي لا يقيّد بوسم أَو يزن له ميزان يكفيه وموازين المادة أمامك هباءً منثوراً.

يا فاضلَ العارفين ويا أُمَّـةً في رجل واحد، وقلباً من حقيقة، وسجوداً من صلاة، وصلواتٍ من عاشقين وسلاماً على مر السنين.

خرجت يوم خرجت رجلاً ماجداً في غمار الشبل الصعدي الحالم بالنصر المناصر للقضية خرجت مجاهداً في سبيل الله، لم تُرِدْ منصباً أَو مسؤولية ومسؤوليتك الكبرى وجدتها حين وجدت نفسَك أمام إخوانك الجرحى منقذهم الوحيد وملهم حياتهم.

أيها البطل شاهدناك وشاهدَك كُـلُّ حِسٍّ وبنان وكيان، شاهدناك حضرةَ الشهيد فشخصت أبصارُنا ونحن أمامك مكبلون ذهولاً وتساؤلاً: أيُّ قديس تعانقُه السماءُ وتقربه الأرض ويحفظُه كُـلُّ شبر فيها؟!.

طومر أنقِفُ عند ملاحمِك الأولى وأنت ضمنَ الأُسْدِ في عمليات النصر الكبرى من البنيان المرصوص وأمكن منهم ونصر من الله؟ أم نقفُ على صهوة الميدان وسط هجير كالحلسين يوم الطف والعباس أمام النهر، بل نقفُ على أسدٍ هصور ومجاهد ثائر ومغامر صادق وإنسان مؤمن توكل على الله وسلّم الدرب لقائد الدرب الأعلى؟!.

رجلٌ من القرآن وقائدِ هدى القرآن، ورثت الشجاعةَ والكياسةَ من أسرة حالمة مؤمنة بالله قدَّمَت فلذاتِ أكبادها قبلك ثلاثة هم إخوانك وأقرانك، فلم توهن أَو تضعف ولم تلِن أَو تتراجع عن مواصلة درب الجهاد والاستشهاد، منتقماً من المعتدين، منكلاً بأعداء الله أشدَّ تنكيلٍ.

ولقد رأوا شهامتَك وصبرَك ورجولتك التي ربّاها الإيمان وبناها الميدانُ حتى فِقت أقرانَك وأترابك من المؤمنين، فكسرت الأُسطورة وقدمت ملحمةَ السماء عبر سِفر الذهاب والإياب والصبر والتحدي الذي كان ألفَ رجل في رجل وألفَ مقاتل أمام شرذمة باعت دينَها وتنكرت لمبادئها وهم مسوخ أهل الأرض.

أبا فاضل العجزُ يحوكُ خيطَ وجوده أمامنا ونحن نسطّر حروفَك العظيمة وقد سقم الحرفُ وشاخ الوقتُ وهرمت دقائقه وذابت ثوانيه.

أيا طومر لم نستطع طَولاً أن نرسُمَ الأرضَ وما عليها من جسد طاهر ومقاتل عظيم ومن أكف قبّلتها الأرض قبل قُبَل الصحب والرفاق، وقد سقطت إلى السماء وبراقُك ثلاثة من الآليات التي حمتك وساندتك وفي الأخير ابتسمت لتقول: اعذرني يا رفيقي، هنا تنتهي مهمتي، وقد كتبت لي النهاية، لتحيا ولسوف يعطيك ربك فترضى، وستنقلك رِكابٌ أُخرى هي قادمة لقد طلبتك السماء.

وهنا ترجّلت عن جيادِك، ونزلت تطوفُ الأرض عزاً وشموخاً، نظرت أقصى الظالمين فاهتزت عروشُهم، ونظرت يمنةً ويسرةً حتى اشرأبت لك جبالُ المحيط وما لها وما فيها… وما إن قرّرت المغادرةَ تشبث بك كُـلُّ عظيم وصادق ونزلت تفتِّشُ على الأرض جمالَها كعريس يوم اللقاء.

فيا صحيفةً من المجد، ويا ثابتاً لم يزل، ويا جبلاً من الصمود.. وهبناك السلامَ ووهبناك الحياةَ.. السلامُ عليك حين غادرت لتكونَ –بعون الله وفضله وتأييده- فاتحةَ كُـلِّ نصر على محيط كُـلّ تلك الأرض والجبال التي عاينَت عروجَك.. لتكونَ مدرسةَ إيمان فتحت على يديك قلوب الجهاد وفتحت الأرض وجاءهم بأسُ الله وأحيطت بهم خمسُ مسارات من بأس المؤمنين، فانتصرت وإن رحلت، وانتصر لك كُـلُّ سلاح حضر المعركة تطوِّفُها بنادقُ المجاهدين عبر مساحاتها الواسعة وانتصروا، فقد كنت الشعلةَ التي أشعلت بركانَ الغضب على الظالمين المعتدين.. فطُرِدوا منها ملعونين قتلى وأسرى وجرحى، وكان أمر الله مفعولاً.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com