جنودُ صنعاء المجهولون في قلب معسكرات العدو
المسيرة | خاص
كشفت القواتُ المسلحة، الخميس، عن الوصولِ إلى مستوىً متقدمٍ جِـدًّا من الاختراق الاستخباراتي لصفوف العدوّ، حَيْثُ عرض الإعلامُ الحربي مشاهدَ حيةً ودقيقةً التُقطت من داخل معسكر “الوديعة” التابع للجيش السعوديّ ومرتزِقته، والذي تم استهدافُه قبل أَيَّـام بـ10 طائرات مسيرة من نوع “قاصف 2k”، وقد وثقت المشاهد لحظات وصول بعض هذه الطائرات إلى أهدافها المحدّدة داخل المعسكر، في مفاجأةٍ من العيار الثقيل، توجّـه رسائلَ صادمةً للعدو، كما تؤكّـد على التطور الكبير في القدرات العسكرية اليمنية.
المشاهدُ تضمنت صوراً بالأقمار الصناعية تُظهِرُ بدقة موقعَ المعسكر الواقع في منطقة “الوديعة” الحدودية، والذي يستخدمه العدوّ السعوديّ لتدريب مرتزِقته، وقد أظهرت الصورُ المناطقَ التي يُكدِّسُ فيها العدوُّ مرتزِقتَه داخل المعسكر، في مشهد اعتبره محللون دليلاً إضافياً على عدم مبالاته بهم، إضافةً إلى كونه رسالةً واضحةً بأن جميع تحَرّكات العدوّ في كُـلّ المناطق مرصودة بشكل دقيق للغاية من قبل القوات المسلحة، وبسرعة.
لكن المفاجأة الكبرى للعرض كانت هي اللقطات الحية التي التقطت من داخل المعسكر، لحظةَ وصول طائرة من نوع “قاصف 2k” بدقةٍ متناهيةٍ إلى مناطق تجمع المرتزِقة داخل المعسكر وانفجارها فوق رؤوسهم (هذه الطائرات مصممة للانفجار فوق الهدف بعدة أمتار لتنتشرَ شظاياها القاتلة في دائرة قطرها 80 متراً على الأرض).
وقد وثقت المشاهد هلع وارتباك المرتزِقة الذين هرعوا بأعداد كبيرة للابتعاد عن المنطقة في الوقت الذي وصلت فيه طائرة أُخرى مستهدفةً بدقة منطقةً مجاورةً من مناطق تجمعهم.
تلك اللقطاتُ استحوذت على اهتمام جميع المراقبين والمحللين، فهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها بَثُّ مقاطعَ حيةٍ ودقيقة من داخل معسكر للعدو لحظة استهدافه، الأمر الذي حمل جملةَ رسائل ودلالات، أبرزها أن ذراع الاستخبارات العسكرية لقوات الجيش واللجان الشعبيّة قد وصلت إلى نقطة متقدمة جِـدًّا في قلب حصون وأوكار العدوّ العسكرية.
في هذه النقطة المتقدمة تتجاوز المعلومات التي تحصل عليها قوات الجيش واللجان الشعبيّة من داخل صفوف العدوّ، مستوى “الإبلاغ” التقليدي عن التحَرّكات والخطط والتجمعات ليتم ضربُها، لتصلَ إلى مستوى التوثيق المباشر لتفاصيل كُـلّ ما يدور، بما في ذلك الضربات، وقد بدا واضحًا أن الكاميرا المستخدَمة في التوثيق ليست كاميرا هاتف، بل كاميرا دقيقة وأنها كانت تنتظرُ وقوعَ الضربة لتوثقها، ولم يكن الأمر مُجَـرّد التقاطةٍ عفوية تم تسريبها.
هذا الأمرُ فتح تساؤلاتٍ مثيرةً حول طبيعة التواجد الاستخباراتي لصنعاء داخل معسكرات العدوّ، وكان للمراقبين والنشطاء (بما في ذلك نشطاء العدوّ نفسه) عدةُ تصورات حول هذا الأمر، أبرزها أن العناصر البشرية الاستخباراتية تتمتع بحرية كبيرة في التحَرّك والقيام بمهامها داخل معسكرات العدوّ، وبناءً على ذلك رجّح بعضُهم أن هذا العناصر تمتلكُ “صلاحيات” عاليةً تتيح لها فعل ذلك، في إشارة إلى احتمال وجود “قيادات” ضمن هذه العناصر.
ونشر المتحدث باسم القوات المسلحة العميد يحيى سريع، مساء أمس، مقطعَ فيديو جديداً لعملية استطلاع ميداني نُفِّذت من داخل المعسكر قبل استهدافه، حيث تجوّلت الكاميرا بين مناطق تجمعات المرتزقة، ووثّقت حشودهم الكبيرة التي تم تجميعها هناك قبل أن يتم استهدافُها.
وقد أوضح الإعلام الحربي أن ما تم عرضُه هو “جانبٌ” مما تم الحصول عليه من مشاهد وصول الطائرات إلى أهدافها المحدّدة داخل المعسكر، الأمر الذي يعني أن هناك المزيدَ لم يتم الكشف عنه، ويؤكّـد بالتالي على أن التواجد الاستخباراتي لصنعاء في المعسكر كبير وعلى مستوى متقدم، وبالتالي فَـإنَّه يوسع خيارات الجيش واللجان الشعبيّة، ويفتح احتمالات جديدة مرعبة بالنسبة للعدو.
وفي هذا السياق، فَـإنَّ المشاهد قد أعادت التذكيرَ بما صرّح به نائبُ وزير الخارجية في حكومة الإنقاذ، حسين العزي، في فبراير الماضي حول “سلسلة من المفاجآت ستحدث داخل معسكرات المرتزِقة وفي عقر دارهم من ثوار كرام يتطلعون لخدمة وطنهم وشعبهم” وحديثه قبل ذلك عن وجود أعداد كبيرة من الجنود والضباط في صفوف قوات المرتزِقة ينتظرون “الإشارة” للقيام بواجبهم.
لكن اللقطات المصورة من داخل معسكر “الوديعة” لا توجّـه الصفعةَ الاستخباراتية للمرتزِقة فحسب، بل للعدو السعوديّ مباشرة؛ لأَنَّ القوات السعوديّة تتواجد داخل المعسكر وتقوم بإداراته، وقد لقي عددٌ من الضباط السعوديّين مصرعهم جراء الهجوم بالطائرات المسيرة، الأمر الذي يجعل الرسالة أشد وقعاً وأوسع تأثيراً.
تطور القدرات الحربية وتنوع الخيارات
الاختراقُ الاستخباراتي الاستثنائي لصفوف العدوّ كان هو الموضوعَ الأبرزَ الذي أثارته المَشاهِدُ المصورة من داخل معسكر “الوديعة” لكنه لم يكن الوحيد، فالمشاهد أثبتت أَيْـضاً وبشكل قاطع، عجز العدوّ عن مواجهة أَو اعتراض الطائرات المسيرة اليمنية، وأنها تتمتع بدقة عالية في الوصول إلى أهدافها المحدّدة، الأمر الذي يعتبر صفعة إضافية للعدو السعوديّ والذي كان يمتلك في المعسكر منظومات دفاع جوي وأجهزة تشويش لحمايته، لكنها عجزت، وأمام أنظار العالم كله.
وبهذا الخصوص أَيْـضاً فَـإنَّ المشاهد تُسقط تضليلات العدوّ الإعلامية التي تزعُمُ أن صواريخَ وطائراتِ الجيش واللجان الشعبيّة تسقُطُ على مناطق المدنيين، إذ تؤكّـدُ هذه المشاهد أن هناك دقةً عاليةً في إصابة الأهداف العسكرية على بُعد مسافات طويلة.
وفي سياق متصل، تضمنت المشاهدُ التي عرضها الإعلام الحربي لقطاتٍ عرضت، لأول مرة، انطلاقَ طائرات “قاصف 2k” المسيرة من قواعد إطلاقها التي تم “تمويهها”، في تَـحَـــدٍّ جديد للعدو الذي باتت هذه الطائرات تشكل كابوساً ثقيلاً عليه، وقد بدا واضحًا من خلال المشاهد أن قوات المسلحة تستطيعُ إطلاقَ هذه الطائرات من أي مكان، باستخدام ما يبدو أنه منصات متنقلة.
واعتبر مراقبون أن كشفَ هذه التفاصيل بخصوص طائرات “قاصف 2k” لأول مرة، يوجهُ رسالةً بأن قدرات وإمْكَانيات القوات المسلحة وسلاح الجو المسيّر على وجه التحديد قد وصلت الآن إلى مستويات عالية قد لا تكون بحُسبان العدوّ، وهو أمرٌ ينسجمُ مع سلوك القوات المسلحة المعروف، حَيْثُ لا يتم الكشفُ عن تفاصيل أي سلاح إلا وقد بات هناك أسلحة أكثر تطوراً منه بمراحل.
وإضافةً إلى هذه الرسائل والدلالات الهامة، فَـإنَّ الكشفَ عن تفاصيل عملية استهداف معسكر “الوديعة”، وما تضمنه من مفاجآت، يأتي في توقيت مهم عسكريًّا وسياسيًّا، خُصُوصاً وأنه يتعلق بمعركة مأرب التي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية والرياض لإيقافها، من خلال ابتزاز صنعاء بالملف الإنساني.
وقد جاءت العمليةُ نفسُها في إطار سلسلة عمليات صاروخية وجوية نوعية أعلنت القواتُ المسلحة تنفيذَها خلال الأيّام الماضية في العُمق السعوديّ وفي مأرب، الأمر الذي يجدد توجيهَ رسائل المضي في خيارات الردع وتحرير الأرض واستحالة القبول بـ”الابتزاز” الأمريكي السعوديّ، كما يوجه رسائلَ جديدةً بشأن توسع وتنوع هذه الخيارات، خُصُوصاً وأن هاجسَ “الاختراق” كان يؤرق العدوَّ ومرتزِقتَه بشدة طيلة الفترة الماضية، في مأرب، إلى الحد الذي دفعهم نحوَ اعتقال المئات من المدنيين والنازحين بوصفهم “خلايا نائمة”، بل وصل الأمرُ إلى اعتقالِ ضباطٍ وجنودٍ في صفوفهم ورفع إحداثيات مجاميعَ عسكرية تابعة لهم لطيران العدوان بمبرّر “نوايا الخيانة”.