“تاريخُ طَومَر” قصيدة شعرية للشاعر معاذ الجنيد
معاذ الجنيد
يا (تُبَّعٌ) يا (مَعْدُ) يا (حِمْيَرُ)
يا (سَيفُ) يا (قحطانُ) يا (شَمَّـرُ)
لقد قَضَينا العُمرَ يا سادتي
ونحنُ في أمجادِكُم نفخرُ
لكِنَّها اليوم تلاشَت فقد
غطَّى على تاريخكُم (طَومَرُ)
(الحِميَرِيُّونَ) اسمُ أجدادنا
و(الطَومَرِيُّونَ) اسمُنا الأجدَرُ
كلُّ البطولاتِ التي سُطِّرَت
ذابَت وغابت خلف مَن سَطَّروا
فلتحترِقْ أمجادُ (طروادةٍ)
وليَنْحَنِ (الإسكندرُ الأكبرُ)
وليغرَقِ (الزِّيرُ) بخيباتِهِ
وليعتَذِر من شِعرهِ (عنتَرُ)
بعد الذي أبلَى (أبو فاضلٍ)
ما عادَ في التاريخ ما يُبهِرُ
* * *
سُبحانك اللهُمَّ من قاهرٍ
وكلُّ من والاكَ لا يُقهَرُ
(هاني) الذي وفَّى كما ينبغي
وكلُّ من فوق الثرى قصَّروا
خاضَ اقتحاماتٍ أُحاديَّةً
في خاطِرِ الأخطارِ لا تخطُـرُ
الحربُ في أعتى احتداماتها
فالأرضُ نارٌ.. والمَدَى صَرصَرُ
رِفاقُ (هاني) حُوصروا، والعِدا
من كُلِّ صوبٍ بالرَّدَى عسكَروا
والإخوةُ الجرحى جراحاتُهم
تُشيرُ نحو الموت إن أُخِّروا
الأرضُ بالأخطارِ محفوفةٌ
والدربُ في إسعافهم أخطرُ
مُهِمَّةٌ تحتاجُ في حسمِها
لمعجزاتٍ حَيَّةٍ تحضُرُ
دهماء لا يقوى عليها سوى
أن يُبعَثَ (الكرَّارُ) أو (شُبَّـرُ)
أو (الحسينُ السِبطُ) أو (حمزةٌ)
(زيدٌ) أو (العباسُ) أو (جعفرُ)
مُهِمَّةٌ تحتاجُ من هؤلا…
وهؤلاءِ القومُ قد شَمَّروا
وثَمَّ أبطالٌ.. ولكنَّهُم
يرونَ أنَّ الجِسْرَ لا يُعبَـرُ
وأنَّ من يسعى لإسعافِهم
سينتهي من قبل أن يُظفَروا
هُنالك الجرحى دَعَوا، فانبَرَى
لُطفٌ من الله اسمُهُ: (طَومَرُ):
أنا لها يا قومُ لا تقلقوا
أنا لها واللهِ فاستبشروا
كأنَّ أمراً جاءَ من ربِّهِ
مُشابِهاً: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ)
مضَى على مُدَرَّعٍ واجهَتْ
من شِدَّةِ النيرانِ ما يُصهِـرُ
فَشَهَّـدَ (الجِنزيرُ) من تحتها
وقال: قُلْ لِيْ كيف أستغفِرُ؟
والناقةُ الخَضراءُ تجري بما
في وسعِها مذعورةً تجأرُ
قالت: أهذا وقعُ نيرانهم؟
أجابَ: كلا إنها تُمطِرُ
وكانت النيرانُ حرَّاثةً
لكُلِّ شبرٍ في الثرى تحفِـرُ
و(فاضِلٌ) يتلو بأعماقهِ:
(إذا لَقِيتُم…) (فاثبُتُوا واذكُروا)
خاضَ المنايا ساقياً مُسعفاً
كأنَّهُ (العباسُ) يا (حيدرُ)
تسعَّرت حربٌ على رأسهِ
رماحُها (الرشَّاشُ) و(الهَوزَرُ)
فهلَّلَ الأصحابُ لما بدا
كأنَّ عاماً مرَّ مُذ أُحصِروا
أقلَّ منهم ثُلَّةً قائلاً
لمن تبقّى: صابِروا واصبروا
لقد مسكتُ الموتَ من حلقِهِ
تحصَّنُوا بي جيّداً واعبُروا
وشَقَّ نفسَ الدربِ مُستبسِلاً
كأنَّهُ بالموت يستهتِرُ
إن عادَ في آلِيَّةٍ أقسَمَت
بأنها للسير لا تقدِرُ
فلا يُبالي يمتطي ما رأى
وطاوَعَتهُ الصافِنُ الأشقرُ
ليشهَدَ التاريخُ من (فاضلٍ)
بُطولةً أخرى هي الأخطرُ
بُطولةً أخرى.. كأنَّ التي
أثارَها للتَوِّ لا تُذكَرُ
بُطولةً أخرى على مركبٍ
في الحرب لا تحمي ولا تستُرُ
لا دِرعَ فيها غير إيمانهِ
وذلك الإيمانُ لا يُكسَـرُ
ومَرَّ كالإعصارِ.. أعداؤهُ
بالضربِ من إقدامِهِ هستَروا
بحرُ المنايا هائجٌ.. والفتى
كالفُلكِ في أمواجهِ يمخُرُ
النارُ من كلَّ اتجاهاتهِ
تهوي، ومن أصحابها تسخرُ
وافَى ووَفَّى عهدَهُ مرَّةً
أخرى.. وأخرى لم يزل يذكُرُ:
(إذا لَقِيتُم فِئَةً فَاثبُتُوا)
(ولَيَنصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنصُرُ…)
كُلُّ الشجاعاتِ هنا تنتهي
ويثبُتُ الإيمانُ فلتنظروا!!
شواهِدُ القُرآنِ في هذهِ
الساحاتِ من أصحابِها تظهَرُ
من موقفٍ يسمو إلى موقفٍ
أسمى فلا يهدا ولا يفتُرُ
وينتهي من آيةٍ ساطِعاً
بآيةٍ من أُختها أكبرُ
مُعزِّزاً ثاني مساراتِهِ
بثالثٍ.. لله كمْ يُؤثِرُ!؟
حتى بدا (مرَّانُ) من بأسِهِ
وحربُهُ (الأولى) لظىً تزفرُ
(زيدٌ) و(عبدالله) لاحَا بِهِ
و(ثابتٌ) والأطهَرُ.. الأطهَرُ
يقفُو خُطَى أصحابهِ باحثاً
والنارُ ضرباً لم تزل تهدُرُ
يروحُ يغدو مُطمَئنّاً كمَن
في دارِهِ بالخوف لا يشعُرُ
يدورُ حول الموت مُستقصِداً
والموتُ من إقدامهُ ينفِـرُ
وحينما الشهداءُ من قومهِ
في جنَّةِ الخُلدِ بهِ استبشروا
ترَجَّلَ الكرارُ عن خيلهِ:
إنّي إليكم قادمٌ (نَصِّروا)
* * *
حكايةٌ تبدو خياليَّةً
يا ربِّ فاكتُب أَجْرَ من صَوَّرُوا
لم تشهدِ الدنيا كإصرارِهِ
ولم تُعاصِر مثلَهُ الأعصُرُ
ثلاثُ جولاتٍ و(هاني) بها
(عمارُ) و(المقدادُ) و(الأشترُ)
فخاضَ (بدراً) بِدءَ جولاتِهِ
وبعد (بدرٍ) سُعِّرتْ (خَيبَرُ)
وأكملَ (الأحزابَ) مُستشهِداً
والقومُ من حيثُ ارتقى زَمجَروا:
تَطَومَرِي يا حربُ من بعدهِ
تَطَومَرَ الأبطالُ كي يثأروا
وكانت الأجواءُ رِبِيَّةً
بتضحياتِ الأولِيَا تزخَرُ
وصارَ (هاني) في مياديننا
ينمو وفي ساحاتِنا يكثُرُ
بنيلِ كِلتا الحُسنَيينِ ارتقى
نصرٌ كبيرٌ.. رِفعَةٌ أكبرُ
فلتحفظوا آثارَ أقدامِهِ
وابنوا عليها.. إنَّها مَشعَرُ
قد صَفَّـرَ التاريخُ عدَّادَهُ
فابدأهُ بسمِ اللهِ يا (طَومَرُ)