هنية في بيروت ولابيد في الإمارات: مشهدان عاصفان
أ. د. عبد العزيز صالح بن حبتور*
نحن أمام مشهدَين عاصفين: المشهد الأول، يرفعُ هامَةَ الأُمَّــة بل وهَامَات جميع أحرار العالم، أمَّا المشهد الآخر فهو مُخزٍ وعار أسود.
هؤلاء المُطبِّعون نسوا أنَّهم مُلزمون أخلاقياً ودينياً وعروبياً وإنسانياً بأنْ يَصطفّوا مع أهلنا في فلسطين وقضيتهم العادلة.
هؤلاء المُطبِّعون نسوا أنَّهم مُلزمون أخلاقياً ودينياً وعروبياً وإنسانياً بأنْ يَصطفّوا مع أهلنا في فلسطين وقضيتهم العادلة.
شاهد العالم أجمع في الأسبوع الأخير من شهر حزيران/ يونيو 2021م مشهدين لافتين في وسائل الإعلام العربية والإسلامية والأجنبية. تتوقف العقول الراجحة وغيرها أمام هاتين الصورتين المؤثرتين اللتين ستتركان أثرهما لعقودٍ من الزمان في وِجدان الشعوب العربية والإسلامية، ولدى أحرار العالم؛ لأَنَّ تِلك الصورة من الصعب على الأحداث، مهما صغُرت أَو كبُرت، أنْ تمحوها أَو تتجاوزها، لمُجَـرّد التغاضي عنها؛ بهَدفِ إراحة الضمائر المنهكة بكل الأحداث الكبيرة التي مرَّت على عالمنا العربي الإسلامي.
ترتبطُ أهميّةُ الصورتين بأهمِّ حَدَثٍ وقع في القرن العشرين، وبأهم وأعز قضيةٍ صادفها عالمنا العربي-الإسلامي، واعْتُبرت لعقودٍ من الزمان قضية العرب المركزية، بل قضية الأحرار في العالم كله؛ إنَّها قضية فلسطين والشعب الفلسطيني الحر.
يعني الأمر في ما يعنيه أنَّ فلسطينَ جغرافياً وتاريخيًّا هي جوهر ومعنى الصراع الذي يُحدّد بوصلة تفكير ومنهج الأفراد والتنظيمات، وحتى الشعوب في عالم اليوم، كيف لا! ومطابخ الغرب السياسي الرأسمالي الجشع تبحث عن حلول ومخارج لمشاكلها وتحدياتها الفردية الأُحادية والجماعية لبلدانها، على حساب شعوب البلدان الفقيرة والنامية والمقهورة!
يتذكر المثقفون والمؤرخون جميعاً كيف تَمَّ البحث عن حَـلّ اللُّغز التاريخي لـ”شعب الله المختار”، بعد أنْ مزَّقت أشلاءهم الماكينةُ الرأسمالية النازية والفاشية الأُورُوبية الغربية. حينها، فكَّر فلاسفة الرأسمالية الغربية الأُورُوبية- الأمريكية ومُنظِروها، ليقرّروا لنا الحل الاستراتيجي لـ “الـيهود المضطهدين” في العالم وتحديد وطن لهم، واستقروا بعد مداولاتٍ عدَّة بأنَّ جغرافيا أرض فلسطين وموقعها هو المكان الملائم ليهود العالم ليجمعوا شتاتهم تحت شعارٍ صهيونيٍ كاذب “الأرض الموعودة لبني إسرائيل”.
وفي غفلةٍ من التاريخ، وفي زمن هيمنة الاستعمار الأُورُوبي، تَمَّ إعلان ما سُمِّي بوعد المدعو آرثر جيمس بلفور المشؤوم، والمعلن في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 1917م، وكذلك اتّفاقية “سايكس بيكو” الموقّعة في العام 1916م. في ذلك التاريخ، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، تّمَّ تحقيق الحلم الصهيوني الذي روَّجوا له منذ المؤتمر الصهيوني الأول تحت قيادة الصهيوني تيودور هرتزل، في المؤتمر التأسيسي للحركة الصهيونية في مدينة بازل في سويسرا في العام1897م.
كُلُّ هذا التاريخ المأساوي المؤلم محفور في ذاكرة وجدان طلاب المراحل الدراسية في المدارس الثانوية، وكذا في ذاكرة خريجي الجامعات في عالمنا العربي والإسلامي والبلدان الأجنبية، ويدرسه المثقفون والإعلاميون والدُعاة والخُطباء الإسلاميون في أصغر مسجدٍ في أصغر قريةٍ في عالمنا الإسلامي كله، وُصُـولاً إلى المسجد الأقصى الشريف، وفي أرض الحرمين الشريفين الطاهرين في كُـلّ من مكة المكرمة والمدينة المنورة.
هكذا لهَج ويلْهج الجميعُ بأنَّ فلسطين عربية إسلامية مسيحية، وأنَّ “الدولة” الصهيونية اليهودية دخيلة على هذه الأرض الطاهرة المقدسة. وفجأةً، ولمصالح مادية رخيصة، ولِوهْم الحفاظ على العروش والملكوت والجاه والسلطان، أقدم عدد من الأنظمة العربية والإسلامية على سياسة التطبيع مع العدوّ الإسرائيلي الصهيوني، وحتى من دون فائدة سياسية واقتصادية واقعية تُذكر، وهرول عددٌ من “القادة العرب” وكأنَّهم يريدون الحفاظَ على أملاكهم فحسب.
هؤلاء الساسة المُطبِّعون نسوا أنَّهم مُلزمون أخلاقياً ودينياً وعروبياً وإنسانياً بأنْ يَصطفّوا مع أهلنا في فلسطين وقضيتهم العادلة، وليس العكس.
وإليكم لمحة عن المشهدين اللذين عُرِضا في وسائل الإعلام، ومقالنا ينصبُّ عليهما:
المشهد الأول:
لقاء سيد المقاومة اللبنانية المجاهد السيد حسن نصر الله مع قائد المقاومة الإسلامية المجاهد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”. جاء هذا اللقاء الأخوي الكفاحي المقاوم للعدو الصهيوني وغطرسته الفجَّة ضدَّ أهلنا في كُـلّ المناطق العربية المحتلّة ناجحاً بامتيَاز.
نودُّ تذكير هؤلاء المُطبِّعين من “النُّظُم العربية” بأنَّ نشأة حركة المقاومة اللبنانية جاءت؛ بسَببِ احتلال العدوّ الصهيوني الإسرائيلي الأراضي اللبنانية في العام 1982م، وعجز الأنظمة العربية التام في الوقوف لِصَد احتلال الصهاينة لأرض لبنان الحُرة.
ولمزيدٍ من التذكير، فَـإنَّ حركة المقاومة الإسلامية – “حماس”، وغيرها العديد من المنظمات الفلسطينية المقاومة (الفدائية)، نهضت من بين الواقع الفلسطيني- العربي الذي بدأ بالاستسلام المُرْ للكيان الصهيوني، وتحت ضغط الإدارات الأميركية المتصهينة المتعاقبة، وكذلك من قِبَل الدُول الغربية السائرة في مدار الفلك الأميركي عُمُـومًا.
المشهد الثاني:
زيارة المدعو يائير لابيد، وزير خارجية الكيان الصهيوني الإسرائيلي، إلى أبو ظبي ودبي في الإمارات العربية المتحدة ولقاؤه عدداً من الأمراء والشيوخ، واشتراكهم معاً في افتتاح السفارة الصهيونية الأولى في الجزيرة العربية. هذه الخُطوة لن تكن لتَمُرَّ بسلامٍ لو كان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حياً يرزق، لمعرفتنا المُسبقة بمواقفه العروبية الصادقة تجاه فلسطين وشعبها البطل ودعمه النضال التحرّري للفدائيين والأحرار الفلسطينيين.
الخُلاصة:
نحن أمام مشهدين عاصفين: المشهد الأول، من خلال سَماعه ورُؤيته، يرفع هامَة الأُمَّــة العربية والإسلامية، بل وهَامَات جميع أحرار العالم. أمَّا المشهد الآخر فهو مُخزٍ وعارٌ أسودُ في الأُمَّــة الإسلامية كلها، من جاكرتا شرقاً وحتى مراكش غرباً، وسيبقى العار عالقاً في جبين الجميع حتى تتم إزالةُ أسبابه من الجذور.
{وفوق كُـلّ ذي علمٍ عَلِم}
* رئيس مجلس الوزراء