مجزرةُ “تنومة”.. العدوانُ السعوديُّ الأولُ على اليمن!
المسيرة- د. يحيى علي السقاف
تحتَ عنوانِ (عدوُّ الأمسِ هو نفسُه عدوُّ اليوم)، بدأ العدوان السعوديّ على اليمن قبلَ مِئة عام في مجزرة تنومَة الوحشية في العام 1923م، عندما أقدم جيش آل سعود بقيادة الأمير خالد بن محمد ابن شقيق الملك عبد العزيز على قتل وذبح أكثر من (3000) آلاف حاج يمني في وادي “تنومَة” في عسير، حَيْـثُ كان الحجاج بلا سلاح وقد أحرموا للحج.
كُـلُّ المؤشرات تدل على أن هذه المجزرة نُفِّذت بدعم من بريطانيا؛ لأبعاد سياسية وعقائدية، وظل العدوان على شعبنا قائماً والجرح ينزف إلى أن بدأ الإعلانُ عن العدوان السعوديّ الأمريكي الإماراتي من السفارة السعوديّة في أمريكا في تاريخ 26/3/2015م والنظام السعوديّ تعمد تغييب المجزرة تاريخيًّا بتواطؤ من السلطات اليمنية السابقة.
والغريب أَيْـضاً في هذه الحادثة أنه لا يعرفها الكثير من هذه الأجيال إلا من عاصروا ذلك العهد، والبعضُ القليلُ ممن عانوا فقدان أقرباءهم من شهداء هذه المجزرة وتم التكتم عليها عبر عدة أجيال من الشعب اليمني، ولم يتم تذكيرهم أَو تعريفهم بعداوة النظام السعوديّ على اليمن منذ “مِئة عام” وظل إعلام السلطات اليمنية متجاهلاً لتلك المجزرة؛ بناءً على توجيهات من الأنظمة السابقة والمتعاقبة على مدى عشرات السنين والتي كانت ترضخ للعمالة وتستلم ثمن سكوتها وتواطؤها.
لقد تفاجأ أغلبية جيل هذا الزمان عندما سمعوا عن مذبحة “تنومَة” بحق آلاف الحجاج اليمنيين وبدون سبب أَو وجود صراعات وحروب بين البلدين وحتى في ظل الحرب، فجميع الأديان والشرائع السماوية تحرّم وتجرّم مثل هذه الأعمال اللا إنسانية واللا أخلاقية وكذلك القوانين والأعراف المحلية والدولية تحرّم القيام بذلك، وإلى جانب التعتيم الإعلامي كان هناك تعتيم وتواطؤ في الإهمال المتعمد في المناهج الدراسية والجامعية من خلال عدم ذكر وقائع الجريمة الوحشية في حق الحجاج في “تنومَة” وما هي أسبابها والأهداف من وراء ارتكابها وبغرض تعريف الشعب اليمني بأعدائه وكذلك لم تتم تسمية أية مصالح أَو منشآت حكومية بهذا الاسم أسوة بأسماء الشهداء، حَيْـثُ كان الهدف الأَسَاسي من كُـلّ هذا هو طمس معالم الجريمة الوحشية التي ارتكبها النظام السعوديّ؛ ولأغراضٍ كثيرة منها تحسينُ سُمعة هذا النظام الإجرامي، وأُخرى من ضمنها التهيئةُ الفكرية والثقافية لنشر الغزو الفكري التضليلي التي دعا له النظام السعوديّ عبر أجندات قام بتنفيذها أتباعهم من المرتزِقة، وكان لسان الحال في تلك العقود السابقة تقديم المكارم من المخصصات المالية لقيادات الدولة وبعض المشايخ والتدخل السافر في الشؤون الداخلية لليمن وقتل القيادات الشريفة والنزيهة التي تسعى لاستقلال وحرية الوطن وَأَيْـضاً المساعدات في بناء بعض المدارس والمساجد والتي كان لها دور في نشر الغزو الفكري الدخيل وطمس الحقائق والهُــوِيَّة الإيمانية.
النفوذُ السعودي حاول طمسَ الجريمة
وتعتبر الذكرى المئويةُ لمجزرة تنومَة محطةً يستلهمُ الشعبُ اليمني منها الدروسَ والعِبَرَ؛ لمعرفة ما يُكنه النظام السعوديّ عليهم من حقد وخبث، وهو ما يستدعي تعزيز التلاحم والاصطفاف الشعبي لمواجهة العدوان الأمريكي السعوديّ الذي يرتكب أبشع الجرائم بحق اليمن أرضاً وإنساناً وكيف أن النظام السعوديّ اتخذ جملة من الأساليب منها استخدام النفوذ السياسي والاقتصادي للتأثير على كتابة التاريخ والضغط على الدول أَو المؤرخين والباحثين والكتاب بعدم التعاطي مع أي موضوع يتعلق بهذا الشأن إلا بما يتوافق مع رغباتهم ومصالحهم.
وهنا يجب التنويه إلى أن السعوديّة أبدت اليوم انزعَـاجاً كَبيراً تجاه الوعي المجتمعي الذي وصل إليه الشعب اليمني بمعرفة مجزرة “تنومَة” وأبعادها وخلفياتها ومدى ما تعرض له شعبنا من ظلم واعتداء تكرّر ارتكابه في سنوات العدوان والحصار والأسباب وراء ارتكاب النظام السعوديّ لتلك المجزرة كثيرة إلى جانب الأسباب السياسية والعقائدية، كما أن هناك أسباباً أُخرى تتمثل في رغبة بني سعود في السيطرة على الجزيرة العربية بدعم بريطاني؛ لضمان إقامة دولة الكيان الصهيوني، حَيْـثُ لم تكن جرائم النظام السعوديّ محصورة في مجزرة تنومَة على الحجاج اليمنيين فقط، وإنما حدثت جرائم أُخرى بحق المسلمين في الشام وسوريا والعراق، وهو ما يستوجب علينا التحَرّك السياسي والقضائي لمقاضاة النظام السعوديّ أمام المحاكم المحلية والدولية جراء ما ارتكبوه في “تنومة” والعمل على توثيق وقائع وأحداث المجزرة بكل الوسائل والطرق الممكنة وتوثيق شهادة الشهود من أحفاد وأقارب الضحايا ومن كان حاضر في ذلك الوقت ممن ما زالوا على قيد الحياة والعمل على دراسة الجوانب القانونية المترتبة على المجازر التي ارتكبها النظام السعوديّ الظالم بحق الشعب اليمني بشكل عام ومجزرة الحجاج بشكل خاص، ابتداءً من مجزرة تنومَة وشن العدوان والحصار الاقتصادي وتحريك الناشطين من الحقوقيين والمحاميين الشرفاء في داخل الوطن وخارجه.
عدوانٌ سافرٌ
وهنا يجبُ على فريقنا الوطني المفاوض طرحُ القضية ضمن الأولويات لأي ملف يتم طرحه في المفاوضات بين الشعب اليمني والنظام السعوديّ؛ كون الجرائم والحقوق لا تسقط بالتقادم.
وأيضاً السعي على إبطال معاهدة الطائف واتّفاقية جدة؛ نظراً لانتهاك السعوديّة لبنودها وتدليسها وخداعها وغِشِّها في اتّفاقية جدة، بالإضافة إلى تفعيل العمل القانوني والحقوقي؛ مِن أجلِ الحصول على اعتراف إقليمي ودولي وإعلامي بالمذبحة بوصفها جريمةً ضد الإنسانية وأنها لا تعني اليمن بشكل خاص بل البشرية بشكل عام، وكذلك العمل على إعادة بناء المناهج التعليمية في جميع أنواع ومراحل التعليم العام وتخليدها في كتب ومواد التاريخ وفق أسس علمية ووطنية ومراجعة كُـلِّ الدراسات التي تناولت حدوثَ هذه الجرائم من النظام السعوديّ وتصحيحها واستكمال النقص فيها وَدعوة المراكز العلمية والأبحاث والدراسات والجامعات المتخصصة إلى إقامة الندوات والفعاليات وورش العمل التي تناقش تفاصيل العلاقات السعوديّة اليمنية والعمل على توضيح الجرائم والمجازر التي تم تغييبها من قبل النظام السعوديّ.
لقد مثلت المجزرة الوحشية التي ارتكبتها السعوديّة في حق أجدادنا عدواناً سافراً وإجراماً مفرطاً بحق الشعب اليمني خالف كُـلَّ القوانين السماوية والوضعية والأعراف الدولية.
ولا غرابة في أن تنفذ هذه الأسرة الدموية تلك الجرائم والمجازر بناءً على ما يملي عليهم مذهبُهم التكفيري والذي فاقم جرائمَهم اليوم في البلاد من قتل وبطش وتعذيب وانتهاكات لا حصر لها، حَيْـثُ وحكام هذا النظام هم أعداء العروبة والإسلام والحضارة والتاريخ وأن قتلهم للحجاج هو كتفجيرهم للمساجد والمقدسات فهم لا يقدرون حرمةَ دين ولا دم، وعدوانهم الذي يرتكبونه اليوم ضدنا ما هو إلا امتداد للعدوان السابق الذي ارتكبوه في حق الحجاج وما زال النظام السعوديّ مُستمرًّا اليوم بقتلنا ويرتكب بحقنا المجازر الوحشية ويسفك الدماء ولا يفرق بين طفل ولا امرأة ولا كبار السن، ولم تسلم منهم المواشي ولا حتى الموتى في المقابر وما يمثله من عدوان سافر على بلادنا ويعمل ينهب ثرواتنا وأموالنا السيادية منذ أكثر من ست سنوات وما زال مُستمرًّا منذ ذلك اليوم وحتى يومنا هذا والعدوان اليوم لم يكن لاستعادة الشرعية ودحر الانقلاب كما يدّعي النظام السعوديّ، فقد قتلت قبل مِئة عام ثلاثة آلاف حاج يمني وهم ليسوا انقلابين.
ومن ناحية أُخرى فَـإنَّ حكوماتنا المتعاقبة لم تتطرق لذكر المجزرة بشيء ولم تدوِّنْها في بطون الكتب، بل ضللتنا وضللت الرأي العام بتهميش المجزرة وعدم ذكرها لتُظهِرَ السعوديّة كأنها حَمَلٌ وديعٌ وجارةٌ طيبةٌ تحمل كُـلَّ الحب والاحترام للشعب اليمني، فقد مرت ثلاثة أجيال يمنية وهي لا تعرفُ شيئاً عن تفاصيل هذه المجزرة، والسبب واضح ومعروفٌ وهو أن الإعلام اليمني منذ قيام الجمهورية وحتى اليوم لم يكن مستقلاً استقلالاً تاماً ولم يكونوا مالكين لقرارهم وسيادتهم الوطنية بل كانوا تابعين وعملاءَ أذلاءً لبني سعود، باستثناء بعض القيادات الشريفة والنزيهة التي عملت السعوديّة على محاربتهم بكل الوسائل الممكنة لديها وقامت بقتلهم عبر عملائها من الداخل، ومن هذه القيادات الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، ولكن حينما ملكنا زمامَ أمورنا وقرارنا وأصبحنا سادات أنفسنا ومستقلين بقرارنا السياسي بدأ الحديثُ عن هذه المجزرة، وهذا بفضل ثورة 21 سبتمبر التي انطلقت في عام 2014م وبفضل القيادة الثورية الحكيمة التي مَنَّ اللهُ بها علينا.