الوهَّـابية.. الواقع والمطلوب وقفات.. بين يدي كُـلّ عقلاء الأُمَّــة
محمد أمين عزالدين الحميري*
مجزرةُ تنومة التي ارتكبها نظامُ آل سعود بحق الحجاج اليمنيين في العام ١٩٢٣م، هي إحدى خطيئات الفكر الوهَّـابي، ونتاجٌ طبيعيٌّ له، وهكذا الأمر في كُـلّ جريمة يرتكبها نظام آل سعود في حق الأُمَّــة منذ تأسيسه وحتى اليوم، فوراء كُـلّ سياسة رعناء يسلكُها هذا للنظام، أَو جريمة يرتكبُها.. تصوُّرٌ فكري منحرف، ووعيٌ ديني مزيف.
الوهَّـابيةُ في حقيقتها تقومُ على فكر تدميري ومتطرف، ولم تستهدف في مسيرتها منذ النشأة، من تسميهم المخالفين لها من مذاهبَ وجماعات محسوبة على الصف الإسلامي فقط، بل استهدفت حتى أهل السُّنة والجماعة -كمسمى لطيف كبير داخل الأُمَّــة بمختلف مسمياتهم في أكثر من بلد- وتجعل من هذا المسمى أَيْـضاً لباساً لها، وإليه تنتمي، كما في أدبياتها الأيديولوجية والحركية، التي يؤصّلُ لها كثيرٌ من رموزها في أكثرَ من بلد، وفي المقدمة في المملكة.
والوهَّـابية -كحركة دخيلة على الفكر الإسلامي المعتدل- تعتمدُ في مسيرتها على مراحلَ، بدءًا من مرحلة بناء التصورات المغلوطة للدين على أَسَاس أفكار غير صحيحة، وآثار محل نظر، ومن ثَمَّ مرحلة إصدار أحكام التكفير والتفسيق لغيرها من المسلمين، وبمبرّرات مفضوحة، وانتهاءً بمرحلة سفك الدماء بأشكال وطرق متعددة (تفجيرات، اغتيالات،…).
ولم يُعْهَدْ عن الوهَّـابية، بما يتصل بها من رموز وهيئات إلا أنها كانت ولا تزال حَيْثُ ما فيه تمزيق الأُمَّــة والعمل جنباً إلى جنب مع الحكام الظلمة على إفساد الأُمَّــة وتطويعها للقبول بالمجرمين، والتماشي مع التوجّـه البريطاني سابقًا والأمريكي والإسرائيلي في الوقت الحاضر بشكل بارز، من خلال الشرعنة للأعمال الفاسدة، والتدجين الثقافي والفكري الذي يستهدف كُـلَّ وعي رشيد، وكل صحوة إيجابية، وكل حر يطمح للإصلاح من وضعية الأُمَّــة.
الوهَّـابية وبعد عقود.. تقفزُ من مسارِ التشدّد والغلو والتطرف، إلى مسارِ التمييعِ والانحلالِ، وبخَاصَّةٍ وهَّـابية نجد، بلد النشأة والترعرع، تحت مسمى هيئة الترفيه، والجديدُ هو إفسادُ الأُمَّــة أخلاقياً، ويرافق هذا الشرعنة للتطبيع مع اليهود ومنع الحج كأحد أركان الإسلام المقدسة.
ومن وجهة نظرنا، فالمطلوبُ اليومَ هو التكاتُفُ من كل علماء وعقلاء الأُمَّــة بكل توجّـهاتها، في إبراز الإسلام بجوهره الحقيقي، ومعالمه التي في مجملها تؤسس لأمة قوية وصالحة، أُمَّـة ذات عزة وكرامة، وذات حضارة، مستقلة وذات سيادة، أُمَّـة موحدة ذات منهج قويم وهُــوِيَّة أصيلة، من خلال برامج وأنشطة مشتركة تستنهضُ الأُمَّــة في إطار ما يحقّق لها الخير والريادة.
وليكن أيُّ عمل تصحيحي في هذا الإطار وفق سياسة التدرج، وعدم التصادم، وإدراك الجميع أن الوهَّـابية في الأَسَاس لا علاقةَ لها بمختلفِ المذاهب المعتبَرة داخل الأُمَّــة، بل هي مدرسة جعلت من السلفية ثياباً تتدثرُ به لاستهداف الإسلام وأمةَ الإسلام بعناوينَ براقة وخادعة، وأشكال تنطلي مع الأسف على الكثير من المسلمين.
وفي ذات الوقت فقد استهدفت كُـلّ تنوُّع إيجابي وكل تعايش، والنظام السعوديّ يدعم ويمول، والعدوّ من وراء ذلك يخطط ويقيِّم، بواسطة أجندته المزروعة في وسط ما يسمى بالصحوة الإسلامية، التي مع الأسف نخرتها الوهَّـابية من الداخل في أكثر من بلد، وسواءٌ أكانت تلك الصحوة سياسية أَو دينية، فاستطاعت أن تحقّق أهدافها، في إيجاد الوعي الديني المتماشي مع وضعية الأُمَّــة المنحطة، وَأَيْـضاً إيجاد ما يسمى بالحركات الجهادية كجانب عسكري يخدم المشروع الأمريكي الصهيوني بأساليبَ وأعمالٍ لا حصر لها، إلى جانب حركات العمل السياسي في إطار الأُمَّــة العربية والإسلامية، والتي هي الأُخرى تحولت إلى أدَاةٍ تحَرّكها المخابراتُ الأجنبية بما يخدم مصالحها المتعددة، كُـلُّ مرحلة وبلد بما يناسب من أدوار.
ما يعني في كُـلّ الأحوال، أن يقظةَ الأُمَّــة -بعد كُـلّ ما حدث ويحدث من استهداف للقيم والمبادئ والشعائر والمقدسات، ويظهر من حقائقَ متعددة- أصبحت فريضةً شرعيةً وضرورةً واقعية، والخروج برؤى إصلاحية جامعة وشاملة، تستوعب كُـلّ أبناء الأُمَّــة، بوعي وحكمة، وبعيدًا عن سياسة الإلزام والجنوح إلى التوعية تحت ضغط القوة، ولتكن القوة، هي في قوة الوعي المستنِدِ على ما يجمع الأُمَّــة من قواسمَ مشتركة، وَأَيْـضاً في قوة الأساليب والحُجَّـة الدامغة في توصيل ذلك الوعي والإقناع به.
* كاتب سلفي