خارطة البحث العلمي.. الطريق إلى التنمية المستدامة!
المسيرة- أحمد داوود
بدأت الهيئةُ العليا للعلوم والتكنولوجيا والابتكار طرق موضوع البحث العلمي بإقامة ورشة عمل، الاثنين، 5 يوليو 2021، خَاصَّة بالخارطة البحثية للأعوام (2021- 2025) في خطوة تعد هي الأولى منذ أن غيبت الحكومات السابقة البحث العلمي وأصابته في مقتل.
ويأتي إقامة هذه الورشة –بحسب المنظمين للورشة- في إطار اهتمام القيادة السياسية بالبحث العلمي، لما لذلك من أثر إيجابي للارتقاء باليمن على كافة المستويات العلمية والمعرفية، كما يأتي ضمن الأولويات للرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة.
وشارك في الورشة التي كانت تحت شعار: “الخارطة البحثية.. أولوية وطنية لتحقيق الشراكة والتنمية المستدامة” مئات الباحثين والأكاديميين ورؤساء الجامعات من مختلف المحافظات اليمنية، وقد تم تناول هذا المشروع بمشاركة الجميع والاستماع إلى المداخلات وكلمات الحضور من الجانب الرسمي وغيرهم، حَيثُ كان في مقدمة الحاضرين الدكتور ياسر الحوري، أمين سر المجلس السياسي الأعلى بصنعاء، ووزير الصناعة والتجارة، عبد الوهَّـاب الدرة، ووزير التعليم العالي، الشيخ حسين حازب.
وتعمل الهيئة العليا للعلوم والتكنولوجيا والابتكار وبشكل حثيث على مشروع إعداد الخارطة البحثية وفقاً للألويات الوطنية في مختلف المجالات (الصناعية، الزراعية، التقنية، الطبية، وغيرها)، بناء على الاحتياجات ذات الأولوية الوطنية وتوجيه البحوث والدراسات في المؤسّسات العلمية ومراكز البحوث لوضع حلول علمية للمشكلات التي تواجه الوحدات الاقتصادية والإنتاجية وتحقيق التكامل والترابط بين المؤسّسات العلمية والبحثية من جهة والوحدات الاقتصادية والإنتاجية من جهة أُخرى.
ويتركز الهدف العام للهيئة حول اتجاه الأبحاث في حَـلّ المشكلات التنموية المختلفة تحقيقاً للرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة وذلك وفقاً لقرار رئيس المجلس السياسي الأعلى رقم 27 لسنة 2020 بإنشاء الهيئة العليا للعلوم والتكنولوجيا والابتكار والذي أسند إلى الهيئة مهمة إعداد خطة لتحديد المجالات البحثية ذات الألوية الوطنية.
وأقيمت هذه الورشة؛ بهَدفِ تعريف الجهات الرسمية وغيرها بأهميّة البحث العلمي ودوره المحورية في التنمية الشاملة، والتعريف بخطط واستراتيجيات الهيئة المتعلقة بالبحث العلمي، إضافة إلى إطلاع الجهات الرسمية والمؤسّسات والمراكز البحثية والقطاع الخاص والأكاديميين والباحثين على الخطة التنفيذية لإعداد الخارطة البحثية.
وخلال إقامة الورشة كان اللافت هو رضا الحضور من أكاديميين وإعلاميين وناشطين وباحثين ووزراء كوزير الاتصالات مسفر النمير ووزير الكهرباء أحمد العليي ووزير المياه المهندس عبد الرقيب الشرماني وغيرها، حَيثُ وصف الحاضرون هذه الخطوة “بالجيدة” وأنها تفتح الطريق نحو مستقبل أفضل؛ باعتبَار أن الكثير من الدول لم تتقدم وتصل إلى النهضة الكبرى إلا بعد تقديم الدعم السخي للبحوث.
وتطرق رئيس الهيئة العليا للعلوم والتكنولوجيا والابتكار الدكتور منير عبد الرحمن القاضي، إلى أهميّة وضع خارطة البحث العلمي لتحقيق التنمية، مستعرضاً الإشكاليات التي واجهت البحث العلمي خلال السنوات الماضية، لعدم الاهتمام بالبحث العلمي والافتقار للسياسة الخَاصَّة بالبحث العلمي.
ولفت القاضي إلى أولويات الهيئة في مجال البحث العلمي وطبيعة عملها في دعم وتطوير البحث العلمي والباحثين والمبدعين، مبينًا أن من مهام الهيئة الإشراف على دعم البحوث ووضع آليات لرعاية المبدعين ووضع خطط وآليات لتعزيز العلاقة بين المؤسّسات العلمية والبحثية والوحدات الاقتصادية في القطاعين العام والخاص.
من جهته، دعا مديرُ اتّحاد الغرف التجارية الصناعية، محمد قفلة، القطاعين العام والخاص إلى دعم جهود الهيئة العليا للعلوم والتكنولوجيا والابتكار في تطوير البحث العلمي، بما يلبي متطلبات التنمية.
واستعرض عضو الهيئة الدكتور ناصر القدمي، الخطة التنفيذية لإعداد الخارطة البحثية والأهميّة التي تمثلها خلال السنوات الخمس المقبلة.
وعود بالدعم السخي
وأكّـد أمين عام سر المجلس السياسي الأعلى بصنعاء الدكتور ياسر الحوري أن المجلس على استعداد لتغطية ما يلزم من تكاليف للبحث العلمي، وأنه يدعم بكل قوة الجهود التي تقوم بها الهيئة والجامعات، متمنياً لها النجاح في هذا الجانب.
وإذا كانت السلطة العليا في البلد هي الداعم الأبرز للبحث العلمي فَـإنَّ هذا يعطي الفرصة لمختلف الباحثين والأكاديميين للعمل بجدية للنهوض بالبحث العلمي، على الرغم من الظروف القاسية التي يمر بها الوطن، وفي هذا يؤكّـد الدكتور الحوري أن بلادنا تمتلك الكثير من القدرات، وأن هناك مواهبَ مغمورةً وتحتاجُ إلى جهود للعثور عليها، آملاً أن تقوم الهيئة بالدور الكبير في هذا الجانب.
ودعا الحوري الجميع أن يعملوا يداً بيد، لتطوير البحث العلمي، منوِّهًا إلى أن البحث العلمي لن يكون مثمراً إذَا لم يكن له واقع، ولهذا فَـإنَّ الألوية – بنظر الحوري- هي الاهتمام بالزراعة والصناعة والاقتصاد والكهرباء وغيرها، وأن يتم الاتّجاه إليها بقوة ليتم تسخير الكثير من المعارف لمصلحة المجتمع وخدمته، وَإذَا لم تكن المعرفة مركزة في هذا الجانب فلا معنى لها، كما يقول الدكتور ياسر الحوري.
وسلط الدكتور الحوري الضوء على الانتصارات العسكري التي تحقّقت لبلادنا في ظل هذا الظرف الحساس والتكالب الدولي على بلادنا، ويؤمن بأن الشعب اليمني مثلما انتصر عسكريًّا سينتصر في بقية المجالات وُصُـولاً إلى الدولة المدنية العادلة.
وزير التعليم العالي الشيخ حسين حازب من جهته تطرق في كلمة له بالورشة عن أهميّة البحث العلمي، والاهتمام به من قبل الدولة، مؤكّـداً أنه شخصيًّا رحب بتأسيس الهيئة العليا للعلو والتكنولوجيا والابتكار، داعياً الجميع للعمل في بوتقة واحدة في سبيل الارتقاء بالبحث العلمي، على أن يتم تجاوز كُـلّ العقبات التي تقف حائلاً أمام ذلك ومنها غياب التمويل.
ويرى حازب أن الانطلاقة نحو البحث العلمي تتطلب تحديد أبرز متطلبات البحث، مبدياً استعداد وزارته لتذليل كافة الصعوبات، ومؤكّـداً على ضرورة العمل لتعزيز الشراكة الحقيقية مع شركاء التنمية لتطوير البحث.
وأوصى وزير التعليم العالمي بضرورة الخروج من حالة الركود التي يعيشها البحث العلمي، وأن تتوجّـه الأبحاث وفقاً للاحتياجات الوطنية للبلد.
ويعتبر وزير التجارة والصناعة عبد الوهَّـاب الدرة أن الحديث عن الاهتمام بالبحث العلمي هو الطريق الصحيح للعمل في المجال العلمي والابتكاري لمعرفة احتياج المجتمع والبحث عن حلول للمشاكل التي تواجهنا في هذا المسلك.
ويستشهد وزير الصناعة بما تمر به البلاد من عدوان أمريكي سعوديّ غاشم، لافتاً إلى أن الحاجة هي أم الاختراع، وأن اليمن الذي يتعرض لأسوأ حربٍ كونية، استطاع عبرَ بعض مهندسيه ابتكار قطع غيار لبعض المصانع التي دمّـرتها غارات العدوان بعد أن منعت الكثير من الدول المهندسين للقدوم إلى بلادنا نتيجة العدوان المفروض علينا، وأن بلادنا ليست مكتوفة الأيدي ولديها القدرة على النهوض بفعل مفكريها وعلمائها إذَا ما أتيحت لهم الفرصة وحصلوا على الدعم الكافي، وشارك في ذلك القطاع العام والخاص، وتم الاهتمام بتخصيص مبالغ مالية للبحث العلمي.
ويقول الوزير الدرة إن رقي المجتمعات ونجاحها كان بفعل البحث العلمي والدعم الكبير، ضارباً مثلاً في ذلك عند زيارته لألمانيا قبل العدوان والتقائه بالبروفيسور أيوب الحمادي، حَيثُ وجه للحمادي سؤالاً عن حجم المبالغ المالية التي تقدمها الحكومة الألمانية لدعم البحث العلمي، فأجاب بأنها لا تقدم شيئاً، ما أثار استغرابَ الزوار، غير أن الحمادي أكّـد لهم أن هناك شركاتٍ تتولى تقديمَ الدعم للبحث العلمي وتدعم المراكز البحثية في الجامعات.
ويخلص الوزير الدرة إلى أن الطريق إلى البحث العلمي يحتاج إلى مزيد من دعم الباحثين والمبتكرين وأن تكون هناك جدية من قبل الجميع لخوض غمار هذه المنافسة حتى يتحقّق حلم البلد.
الاتّجاه نحو المستقبل
وأثريت الورشة بمداخلات للعديد من الباحثين والأكاديميين من مختلف الجامعات اليمنية، الذين عبروا عن تفاؤلهم بمستقبل أفضل لليمن طالما والقيادة العليا بدأت تتحدث عن البحث العلمي وتوصي بالاهتمام به.
وأكّـد نائب وزير التعليم العالي علي شرف الدين أن النهوض بالبحث العلمي يحتاج إلى اهتمام كبير من قبل الجميع، مركزاً على مسألة الالتفات إلى العقول المهاجرة، وأنها لو عادت إلى اليمن فَـإنَّها ستشكل نهضة كبيرة، وخَاصَّة إذَا ما تم استقطاب أصحاب الخبرات والعقول النيرة التي تعيش في أُورُوبا، وهاجرت من اليمن منذ سنوات؛ بسَببِ التهميش من قبل الحكومات السابقة، مؤكّـداً أنه لو عاد هؤلاء فَـإنَّ بلادنا ستتحول إلى دولة عظمى.
ويركز شرف الدين كذلك على ضرورة إنتاج المواد الخام، مشدّدًا على ضرورة إدخَالها ضمن أولويات البحث العلمي.
ويعتبر الدكتورُ عبد الرحمن العلفي، رئيس مركز منارات للدراسات والأبحاث، أن هذه الورشة هي بمثابة لقاء علمي يجسد الحرص للاتّجاه نحو المستقبل، مؤكّـداً أن الهيئة العليا للعلوم والتكنولوجيا والابتكار هي مكسَبٌ عظيم إذَا ما عملت في الإطار الوطني، مُشيراً إلى أن البلد بحاجة إلى نقلة نوعية، وخَاصَّةً أننا في أدنى مستوى في التصنيف العالمي.
وبالحديث عن واقع البحث العلمي في السنوات الماضية وحتى يومنا هذا، يشير الدكتور العلفي إلى أن هناك معوقاتٍ كثيرةً تواجهُ البحثَ العلمي، من بينها عدمُ وجود موازنة للبحث العلمي، داعياً إلى أن يتم تخصيصُ نسبة معينة من الموازنة لدعم البحث العلمي.
وأعطى عددٌ من الباحثين والأكاديميين المشاركين في الورشة جُملةً من التوصيات، من بينها ضرورة التوثيق وإنشاء مجلة علمية توثِّقُ الأبحاث التي تشرف عليها الهيئة، وتوفير الرواتب والتسهيلات ورعاية العقول وإلغاء الخلفيات السياسية والفكرية لأي باحث.
ومن ضمن التوصيات كذلك ضرورةُ الاهتمام بالبحوث وعدم رميها في الأدراج، وأن تكون هناك إحصائيات مركَزية يستفيد منها الباحثون، وضرورة تهيئة الأجواء المناسبة للباحثين والأكاديميين للعمل بمهنية في إطار النهوض بالبحث العلمي.