التصعيدُ الأمريكي في البيضاء يرتدُّ عكسياً: صنعاءُ تجني مكاسبَ جديدةً و “واشنطن” في ورطة
المسيرة | خاص
أطاحت قواتُ الجيش واللجان الشعبيّة بمخطّطِ تحالف العدوان للتصعيد في محافظة البيضاء، والذي تولت جماعاتُ “القاعدة” و”داعش” تنفيذَه بإسناد من قوات المرتزِقة وبرعاية معلَنة من الإدارة الأمريكية التي أظهرت من خلف دعايات وشعارات “السلام” المزيَّفة، حرصاً فاضحاً على التمسُّك بالخيار العسكري لاستعادة الوصايةِ الكاملة على البلاد، الأمر الذي جعل مأزقَها في اليمن أكثرَ سوءاً؛ لأَنَّ سحابةَ التصعيد انقشعت سريعاً، لتكشفَ عن انتصارٍ جديدٍ ومُهِمٍّ اكتسبت من خلاله صنعاءَ نقاطاً إضافيةً على الميدان، كما تمكّنت من تعرية “البيت الأبيض” بشكل يجعلُ أُفُقَ الخداع والتضليل السياسي أمامه أكثرَ انسداداً من أي وقت مضى، وبالتالي يجعل شروط صنعاء على الطاولة أكثرَ حضوراً.
هزيمةٌ مضاعَفةٌ للعدو
التصعيدُ الذي خطط العدوان لتنفيذه تضمَّنَ شَنَّ عمليات زحف مكثّـفة للتكفيريين والمرتزِقة على مركَز مديرية الزاهر، وبعض المواقع في الصومعة، وقد رافق ذلك حملة إعلامية واسعة حاولت من خلالها دولُ العدوان والولاياتُ المتحدة صُنْعَ “صورة” انتصار عسكري كبير، من خلال التقاط بعض الصور من داخل بعض المناطق التي تم استدراجُ العدوّ إليها.
خلال يوم واحد فقط، تحولت تلك المناطق إلى مصائد قاتلة، تلقى فيها المرتزِقةُ والتكفيريون ضرباتٍ قاسيةً وموجعة، حصدت أكثرَ من 100 صريع وجريح من عناصرهم وقياداتهم، وعدداً من آلياتهم، ولم يكن أمام البقية خيارٌ آخر سوى الفرار.
وجاء هذا ضمن عملية هجومية معاكسة نفّذها أبطالُ الجيش واللجان ومقاتلو القبائل من أربعة مسارات لمطارَدةِ القوات التكفيرية والمرتزِقة في مركز مديرية الزاهر وفي الصومعة والضحاكي، حَيثُ امتد الهجومُ إلى مواقعَ جديدةٍ كانت تحت سيطرة تلك القوات منذ سنوات، وتم تحريرُها وتأمينُها لأول مرة خلال هذه العملية، لتتضاعفَ بذلك خسارةُ العدوّ ويتحولَ تصعيدُه إلى انتكاسة لم تكُنْ بحُسبانِه.
الإعلامُ الحربي رافق قواتِ الجيش واللجان الشعبيّة ورجال القبائل خلال العملية وبث، أمس الجمعة، مشاهدَ جديدةً وثّقت مطاردةَ واستهدافَ تجمعات وآليات التكفيريين والمرتزِقة في مركز مديرية الزاهر، كما عرضت المشاهد جانباً من الكمائن النوعية التي أعدتها لهم وحداتُ الهندسة في الصومعة، والتي حوَّلت الأرضَ إلى جحيم متفجر تحت أقدامِهم الباحثةِ عن طريقٍ آمنٍ للهرب.
هكذا انتهت، وخلال أَيَّـام قليلة، المعركةُ التي أطلق عليها العدوُّ اسمَ “النجم الثاقب” وقدَّمها كمعركة حاسمةٍ لا للسيطرة على البيضاء فحسب، بل أَيْـضاً للتقدم نحو محافظات أُخرى، ولعرقلة تقدُّم قوات الجيش واللجان في مأرب، الأمر الذي أغرى الولاياتِ المتحدةَ بترك خِطاب “السلام” المزيَّف جانباً، والإعلان بصراحة عن تبنِّي هذا التصعيد العسكري، من خلال قرارِ مضاعفة دعمها لقوات حكومة المرتزِقة (التي باتت جماعاتُ داعش والقاعدة ضمنَ تشكيلاتها العسكرية).
ومن خلال تبني هذا التصعيد ودعمه، كشفت الولاياتُ المتحدة بوضوحٍ أن كُـلَّ تصريحاتها و”عروضها” ومبادراتها التي قدمتها خلال الفترة الماضية تحت عنوان “السلام” لم تكن سوى مراوغاتٍ لكسب الوقت والبحث عن مسارات بديلة لاستمرار العدوان والحصار، وهو ما يثبت أن موقف صنعاء الرافض لتلك الخُدَعِ كان صائباً على الدوام؛ لأَنَّ الولايات المتحدة لا يمكن أن تكونَ “راعيةَ” السلام في اليمن وقائدةَ العدوان في آن واحد.
عبد السلام: أمريكا فضحت موقفَها الحقيقيَّ بتبنِّي التصعيد في البيضاء
وعلى ضوء ما كشفته معركةُ البيضاء بخصوص الموقف الأمريكي، كتب رئيسُ الوفد الوطني وناطقُ أنصار الله، محمد عبد السلام: “في لحظةٍ فارقةٍ غيَّرت أمريكا خطابَها التكتيكي المخادع السابق، وكشفت عن موقفها الاستراتيجي الثابت، عندما أعلنت مساندةَ الاعتداء الأخير على بعض مديريات محافظة البيضاء، والوقوف إلى جانب من وصفتهم بمقاتلي (الحكومة الشرعية)، بالرغم من أن أُولئك المقاتلين هم من عناصر القاعدة وداعش، وذلك بعد أن كانت قبل أَيَّـام قليلة قالت إنها سئمت من دعوتنا للسلام والاستجابة للحل السياسي!”.
وأضاف: “الآنَ وبعد الهزيمة ستغيِّرُ أمريكا في خطابها، وستسمعون خلال الأيّام القليلة القادمة كيف ستعودُ لحالتِها السابقة، وستطالبُنا بالاستجابة للسلام وتطلُبُ وقفاً لإطلاق النار وتقول إننا من يعرقل السلام في اليمن!”.
قراءةُ عبد السلام للموقف الأمريكي كانت دقيقةً للغاية، فلم تمضِ ساعاتٌ على إعلان تطهير مركز مديرية الزاهر حتى كان عادت الولاياتُ المتحدة وعلى لسان سفاراتها في اليمن، إلى الحديثِ عن “ضرورة موافقة (الحوثيين) على وقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات”، متجاهلةً بكل وقاحة الإعلانَ الأمريكي الصريحَ قبل أَيَّـام عن دعمِ قوات المرتزِقة للمضي في الخيار العسكري.
وحول ذلك، قال عبد السلام: إن “السياسة الأمريكية المخادعة تنكشفُ أمام أيِّ تحول ميداني فتظهر على حقيقتها حين يسيرُ الأمرُ في صالحها، وعندما يتراجع عناصرُها وعملاؤها تسارِعُ لتغيير الخطاب ليس استجابةً لواقع حقيقي وإنما للخداع لترتيبِ أوراق أُخرى”.
ورداً على التساؤل المخادع والمنسجِم مع الرواية الأمريكية (لماذا لا تستجيبُ صنعاءُ لدعوات السلام؟)، أجاب عبد السلام: “لو أن أمريكا صادقةٌ في دعواها لأوقفت الحربَ والحصارَ في غضون يوم واحد، ولكنها غيرُ جادة، وإنما تستخدمُ تكتيكاتٍ في مسار استمرارية العدوان والحصار ليستمرَّ بطرق مختلفة، مثل ترتيب اعتداء جديد ولملمة صفوف مرتزِقة وتجهيزات لممارسة عدوان آخر”.
وَأَضَـافَ في رسالة واضحة تلخص موقف صنعاء الثابت حاضراً ومستقبلاً: “ما لم تصل أمريكا إلى قناعة تامة بوقف العدوان على اليمن وفك الحصار على شعبه العظيم فلن يتوقفْ شعبُنا عن مواجهة المعتدين من الغزاة والمحتلّين وأذيالهم من الخونة والمرتزِقة مستعيناً بالله ومتوكلاً عليه جل شأنُه”.
العزي: أعددنا مفاجآتٍ “مرعبةً” للعدو
حديثُ رئيس الوفد الوطني جاء كتلخيص مدعومٍ بالأدلة (أحداث البيضاء وانقلاب الخطاب الأمريكي على نفسه) لموقف البيت الأبيض، واستراتيجيته الرئيسية في التعامل مع مِلف اليمن حاضراً ومستقبلاً، وهو تلخيصٌ نتيجتُه أن الولايات المتحدة لم تضعْ في حساباتها حتى الآن موضوع وقفَ العدوان ورفع الحصار، وأن “التغيير” الذي تحاولُ إدارةُ بايدن إظهارَه، ليس في حقيقته سوى تجديدٍ لأساليب دعم استمرار العدوان والحصار، بما يوفر غطاءً “دعائياً” يخلِّصُ الولاياتِ المتحدةَ من المسؤوليات والضغوط المترتبة على هذا المسار، وقد لا يبدو هذا الاستنتاجُ جديدًا بالكامل، لكن تأكيدَه الآن وبعد معركة البيضاء الأخيرة، يأتي بمثابةِ إنذارٍ للولايات المتحدة بأن “تمثيليتها” الرديئة وصلت إلى نهايتها.
هذا ما ألمح إليه نائبُ وزير الخارجية في حكومةِ الإنقاذ، حسين العزي، والذي كتب على حسابه في تويتر: “أعددنا موجةَ مفاجآت إضافية مرعبة، فقط لنثبتَ للعدو أنه دائماً يخطئ الحساب.. فترقبوا”، وهو ما يعني أن صنعاءَ قد تنتقل قريباً إلى مرحلةِ “إجبار” تحالُفِ العدوان والولايات المتحدة على التوجُّـهِ نحو تغييرٍ حقيقي في موقفهم، وهو أمرٌ منطقي بعد كُـلِّ ما حدث.
أمَّا طبيعةُ هذه “المفاجآت”، فتقودُ إلى احتمالات تكشفُ تنوُّعاً مدهشاً في الخيارات التي تمتلكها صنعاء، وهو أمرٌ “مرعِبٌ” بالفعل للعدو الذي يبدو الآنَ أسوأ حالاً، وقد جَدَّدَ التأكيد عمليًّا على عجزه الكامل عن إحراز أي مكسب.