روحيةُ الجهاد والاستشهاد.. في فكر الشهيد القائد (ج1)
المسيرة| عبد الرحمن حميد الدين:
إنّ الأُمَّــة التي لها أعداءٌ يكيدون لها، ويستهدفون هُــوِيَّتها، ووجودها، تكون أحوج إلى أن تعيشَ في واقعها [روحية الجهاد والاستشهاد] بما تحمله من مفاهيم إيمانية واعية تتمثل في الثقة بالله، والتضحية، والبذل، والعطاء، حتى تتمكّنَ من الحفاظ على هُــوِيَّتها الدينية والحضارية في كُـلّ المجالات، وعلى كُـلّ المستويات، ولتتمكّن من تقديم الشهادة على عظمة الله، وعلى كماله المطلق، وعلى أن الإسلام لا يقبل الهزيمة.
وعندما غابت هذه الروحية عن واقع الأُمَّــة الإسلامية تحولت إلى لقمة سائغة، يفعل بها أعداؤها من اليهود والنصارى ما يشاؤون، فتلقت ضربتين في واقعها: ضربة من الله -وهي الأشد-؛ بسَببِ تفريطها في مسؤولياتها، وضربة من أعدائها الذين استغلوا الثغرات التي طفت على واقعها، وذلك من خلال خاصرتها الرخوة التي تمثلت في مجموعة من العوامل أَدَّت إلى تشتتها، وانهزامها، وضعفها، واحتلال بلدانها، ونهب خيراتها، والتحكم في مضايقها البحرية، وغير ذلك من مظاهر الضعف، والشتات، والذل، والانكسار، ومن أهم تلك العوامل التي أَدَّت إلى هذا الواقع هو: [أزمة الثقة بالله]، والثقافات المغلوطة التي جاءت من خارج الثقلين [القرآن الكريم والعترة]..
كما لعب اللوبي الصهيوني دوراً قذراً بأوراقه الشيطانية منذ وقت مبكر، وعبر أياديه الخفية، تمثل ذلك الدور مبدئياً في السيطرة على اقتصاد العالم، واحتكار التصنيع العسكري، والسيطرة على رؤوس الأموال تحت عناوين جذابة، وعبر وسائل متعددة.
فكان لهذا اللوبي منذ القرن السابع عشر الميلادي – على أقل تقدير- الدور المباشر أَيْـضاً في إشعال فتيل الحروب في القارة الأُورُوبية، ودعم الأطراف المتنازعة بشكل خفي، وكل ذلك لتحقيق السيطرة العالم، ومن يتمعن فيما نقله التاريخ عن الحربين العالميتين الأولى والثانية، سيجد أن [الأيادي اليهودية] هي المتورط الأول في إشعال تلك الحروب.
ولم تقتصر أيادي اللوبي اليهودي على القارة الأُورُوبية، أَو القارة البيضاء فحسب، بل امتدت أياديه ليعزّز من حضوره القومي في أوساط يهود الأشكيناز وليعزَّز من موقعه المالي في تلك القارتين، ومن ثَمَّ توجّـه هذا اللوبي إلى رسم المخطّطات للسيطرة على المنطقة العربية.
كما أثبتت الكثير من الشواهد في الماضي والحاضر أن الأُمَّــة عندما غابت الروحية الجهادية عن واقعها، غزاها المغول، والتتار، واستهدفتها الحملات الصليبية، والفرنسية في عقر دارها، ولم يقف الأمر عند هذا الغزو الذي كان من المفترض أن تكون الأُمَّــة قد استلهمت منه الكثير من العبر والدروس حتى لا تتكر المأساة، ولكن غياب روحية الجهاد هو ما عزّز من حضور الاستعمار الغربي مجدّدًا، وفتح شهيته لالتهام خيرات هذه الأُمَّــة، فقامت كُـلّ دولة من دول الاستعمار بالسيطرة على رقعة من المنطقة العربية، وظلت هذه الأُمَّــة قابعة تحت ردح الاستعمار لعشرات السنين، ولم تغادر الدول المستعمرة المنطقة إلا بعد أن قسمتها إلى كنتونات، وبعد أن جمعت شتات اليهود من جميع أنحاء العالم، لزرعهم في قلب المنطقة العربية وإنشاء دولة يهودية فيها.
كذلك ما تحقّق في لبنان وقطاع غزة من تحرير على يد مَن حملوا هذه الروحية، وحوّلوا صراعهم مع الاحتلال الصهيوني إلى [صراع ديني] عبر استنهاض الروحية الجهادية في أوساط الشعب الفلسطيني المقهور والجنوب اللبناني.
وكذلك ما يحصل اليوم من حرب كونية على اليمن من قبل العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي، المدعوم من إسرائيل، ومن بعض دول الاستكبار، هذا العدوان الذي استخدم فيه مثلث الشر [أمريكا وإسرائيل والسعوديّة] كُـلّ أنواع الأسلحة الفتاكة، والحديثة، والمحرمة دوليًّا، وحشدت فيه تلك الطغمة الكافرة كُـلّ مرتزِقة وعصابات العالم: من بلاك ووتر، وجنجويد، وتكفيريين، وغيرهم..، ولولا فضل الله، وعنايته، ولولا الروحية الجهادية التي حملها المجاهدون من أبناء الجيش اليمني، واللجان الشعبيّة، والتي بذر بذرتها الأولى الشهيدُ القائد السيد حسين بدر اللدين الحوثي (رضوان الله عليه)، لأصبح وضع اليمن أرضا وشعبا في أكفِّ الأمريكان والصهاينة.. ولتحوّل الوضع إلى كارثة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وعلى كُـلّ المستويات: الأمنية، والاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية..
لذلك تحَرّك السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) في أوساط الأُمَّــة مذكِّراً بأهميّة ترسيخ الروحية الجهادية وثقافة الشهادة، وربط الأُمَّــة بهذه المفهوم القرآني المهم، حتى تكون بمستوى المواجهة. وسنحاول تقديم بعض المعالم عن هذا الجانب من خلال محاضرات السيد الشهيد (رضوان الله عليه).
أهميّةُ التوعية الجهادية كتربيةٍ قرآنية:
يتحدث السيد (رضوان الله عليه) عن الروح الجهادية؛ باعتبَارها تربية قرآنية دائمة، وحاضرة في وجدان الأُمَّــة، وواقعها، وفي أي وضعية كانت عليها، وليست مرتبطة بظرف معين، أَو بوقت محدّد، فمتى غابت هذه الثقافة فَـإنَّ الأُمَّــة ستكون ضحية للأعداء الذين يتربصون بها، ومما قاله في ذلك:
((فيما يتعلق بالتوعية الجهادية، فيما يتعلق بتوجيه الإنسان على أَسَاس القرآن، أن يكون لديه روح جهادية، ليست قضية جديدة، أَو قضية غريبة أَو قضية فقط ترتبط بوقت من الأوقات، إنها تربية قرآنية دائمة يجب أن يكون المسلمون عليها دائماً، دائماً في أية وضعية كانوا، وفي ظل أية دولة كانوا، في ظل دولة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، يجب أن تكون عندك روح جهادية عالية، في ظل دولة الإمام علي، في ظل أية وضعية كانت، أنها روحٌ دائماً يجب أن تكونَ موجودةً لدى كُـلّ فرد في الأُمَّــة؛ لأَنَّ الأُمَّــة هذه لها أعداء، والأعداء الله أخبر عنهم هكذا {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} (البقرة: من الآية217).
أعني: هو يلامس القضية الخطيرة لديك، هو؛ مِن أجلِ أن ترتدّ عن دينك، لم يبق أمامك إلا أن تكون مستعداً دائماً.. دائماً، ولديك روح جهادية عالية دائماً، وإلا قد تؤدي النتيجة في الأخير إلى أنه يتغلب عليك العدوّ، وقد يذلّك، ويقهرك، ويردك عن دينك فعلاً، أَو يرد آخرين عن دينهم؛ بسَببِ تخاذلك أنت)). (دروس رمضان – الدرس العاشر)
دورُ اليهود في تغييب كلمة (الجهاد) من أوساط المسلمين:
وقد كان لليهود – ولا يزال – دورٌ مهمٌّ في تغييب كلمة الجهاد، وإماتة الروحية الجهادية بين المسلمين، وخَاصَّةً بعد ظهور [المجتمع الدولي] كمرجعية حاكمة على معظم دول العالم، بما فيها العالم العربي والإسلامي، كما ساعدت بعض العوامل الأُخرى على ترسيخ المفاهيم التي يُراد فرضها ضمن [سياسة العولمة] ولو من خلال قنوات دينية وإسلامية، وهذا ما تحقّق من خلال مواثيق ما يسمى [منظمة المؤتمر الإسلامي] التي تخرج في معظم اجتماعاتها بقرارات تضرب المسلمين في ثقافتهم، وواقعهم، بما يخدم أعدائهم، ومن ذلك ما حدث كبادرة خطيرة لم تخدم سوى أعداء الأُمَّــة من اليهود والنصارى، والتي تمثلت في إلغاء كلمة [الجهاد] من مواثيق تلك المنظمة التي تدعي الإسلام!! ومما قاله السيد (رضوان الله عليه) في ذلك:
((أنت تعرف عدوك وماذا يعمل، أنت تعرف عدوك ماذا يريد منك، يريد أن يلغي روح الجهاد من داخلك، يريد أن يمسح روح الجهاد من أوساط أمتك، وهذا الذي حصل بالنسبة لليهود، ألم تحصل من جانبهم أن ألغيت كلمة [الجهاد] في مواثيق [منظمة المؤتمر الإسلامي]؟ أي مجموعة الدول الإسلامية التي وصلت إلى قرار عدم التحدث عن الجهاد واستخدام كلمة [جهاد]، قالوا: نظهر مسالمين للغرب، ونكشف أنفسنا أُمَّـة يمكن أن تعيش مع الأمم الأُخرى في سلم، واحترام متبادل!.
أُلْغِيت كلمة [الجهاد]، فحل محلها [مناضل، مقاوم، حركة مقاومة، مناضلين، انتفاضة]، ومن هذا النوع، ألم تغب كلمة[الجهاد] من أوساط المسلمين؟ على يد من غابت؟ على يد اليهود هم الذين يفهمون كيف تترك المصطلحات القرآنية أثرها في النفوس فيعملون على إلغائها، يعملون على نسفها من التداول في أوساط المسلمين)). (سورة آل عمران – الدرس الثاني).