ما كُـلُّ هذا العشق؟
د. خالد القروطي
اتصل بي رفيقُه قائلاً:
هل تعرفون حسين الغذيفي.
قلت له: أتقصد جار جامع الحافة.
قال: نعم.
قلت له: خير ما له؟
قال: استشهد اليوم.
قلت له: أليست يده اليمنى مُصابةً ولا يزال غير قادر على تحريك أصابعها فقد جرحت في الجبهات.
قال: نعم.
ولكنه أصر على العودة معي إلى الجبهات واستشهد.
حينها ويشهد الله.
ورد على خاطري مباشرة هذا التساؤل: لماذا كُـلُّ هذا العشق لدى هؤلاء؟
بينما نحن لا نملك منه شيئاً.
لماذا لا يقدرون على البقاء بيننا؟
لماذا لا يستطيعون العيشَ معنا، بل مع أهلهم على الأقل حتى تتعافى جراحهم؟
لماذا ولماذا ولماذا؟
ما الذي يجعلهم يتسابقون إليه أغلى من زوجاتهم وأولادهم؟
إنه العشق يا إخوتي.
نعم.. لا تستغربوا.
هو والله العشق.. العشق الحقيقي لا الخيالي.
العشق الصادق لا الكاذب.
بينما رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ- يرتّب صفوفَ أصحابه في غزوة بدر قال لهم: (لا يقاتلهم اليوم رجلٌ صابراً محتسباً إلا كان حقًّا على الله أن يدخلَه الجنة)، فقال عمير بن الحمام: بخٍ بخٍ، أي اللهَ اللهَ إعجاباً.
فقال له الرسول -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ-: (يا عمير! ما حملَك على قول ذلك)، قال: رجاءَ أن أكون من أهلها يا رسول الله، قال: (يا عمير! فَـإنَّك من أهلها)، فاخرج عمير تمرات من جيبه ووضعها في يده، ثم قال: واللهِ لحياةٍ أعيشُها حتى آكل هذه التمرات طويلة، ثم رمى بها وقاتل واستشهد.
وتتذكرون معي..
إنه حينما ضرب مولانا عمار بن ياسر، رضي الله تعالى عنه، في صفين، وهو يقاتل وعمره ٩٣ سنة مع الإمام علي عليه السلام، وأحس بالشهادة قال: “اليوم ألقى الأحبة محمدا وصحبه”.
وضحت لهم الطريق فساروا فيها مطمئنين إلى مصيرهم.
تجلت لهم الغاية المقصودة فهبوا مسرعين إليها.
عرفوا الحقيقةَ المطلقةَ فنذروا نفوسهم لها.
حتى إنهم لم يشعروا بألم، لم يبالوا بوجع.
لم يعانوا من غصصٍ.
ألا نزال نسمع جميعاً..
بأن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وحينما ضربه ابن ملجم على رأسه الشريف صاح مستبشراً قائلاً:
(فُـــزْتُ ورَبِّ الكعبة).
هذا تماماً هو الحالة، هو الشعور الذي سعى ويسعى إليه.
كل من عرفناهم، وكانوا معنا وكنا معهم.
ولكن العشق غلبهم.. سيطر عليهم.. تملّكهم.
(وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى).
ذلك الأمر الذي لم يتذوقْه بعدُ الكثيرون منا، ويا للأسف.