مسؤولون وأكاديميون وثقافيون للمسيرة : الإمام علي عليه السلام.. أنموذجٌ متكاملٌ لشخصية القائد المسلم
المسيرة| محمد ناصر حتروش
تطل علينا ذكرى ولاية الإمام علي بن أبي طالب -عليه السلام- في عيد اليمنيين الأكبر” غدير خم”، وهو عيد يقدِّسُه اليمنيون ويعطونه أولويةً كبرى، تجسد مدى الارتباط الوثيق بينهم وبين الإمام علي.
وأضاء الكثير من المسؤولين والثقافيين اليمنيين هذه المناسبة، بمنشورات تحدثت عن أهميّة هذه المناسبة ودلالاتها، وعن مناقب وسيرة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب –عليه السلام- مذكرين المسلمين بهذه الشخصية الفريدة من نوعها والتي يصعب تكرارها عبر التاريخ.
واعتبر هؤلاء أن “يوم الغدير” حمل في طياته سبب بقاء الأُمَّــة وشموخها وامتداد سلطانها وانتشار مُثُلها العليا حتى تصل إلى جميع الدنيا، لتملأها قِسطاً وعدلاً، ولتتواصل مسيرة النور والهدى التي بدأها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- والتي مهّد لها كُـلُّ الأنبياء والرُسل، معتبرين ذكرى الولاية تجسيداً لكفاح هابيل الصفوة وإبراهيم الخليل وموسى الكليم وعيسى الكلمة ومحمد الرحمة -صلوات الله عليهم- وأنها تجسيدٌ لكفاح العظماء والمصلحين الذين ساهموا في وضع أسس الفكر الإنساني ومقومات الحضارة الاجتماعية، وأنها تجسيدٌ لمسؤولية صيانة واستمرارية الدعوة الإسلامية الخالدة، وإتمامٌ لمسيرة من قادوا الإنسانية نحو أهدافها وآمالها، مؤكّـدين أن يوم الغدير سيفٌ صارمٌ للقضاء على كُـلّ وسائل الهدم والانحراف والظلم والجور والفساد على مر العصور والأزمان.
سيرةُ الإمام علي تفرض علينا اتّباعَه
وَيرى الناطق الرسمي لأنصار الله محمد عبد السلام أن من يتولون علياً -عليه السلام- هم أولى الناس بالاقتدَاء بمنهجه في السلوك والممارسة والتزام طريقته في عدله ومساواته بين الناس في الحقوق والواجبات وفي إيمانه الراسخ بالله وجهاده وتضحيته في سبيل الله والمستضعفين، موضحًا أن الاتباع ليس شعاراتٍ وخطاباتٍ فقط وإنما قولاً وفعلاً ومنهجاً وسلوكاً.
ويضيف عبد السلام بقوله: “ليست النصوص الواردة في علي فحسب هي التي تفرض علينا حبه واتباعه، بل حياته وسيرته فعلى مر التاريخ الإسلامي وحتى الإنساني لا يوجد قائد تكاملت فيه صفات القيادة من إيمان وشجاعة وعلم وحكمة وبلاغة وعدل ومساواة وتواضع وصبر وحب لله ولرسوله واتباع للقرآن كما كان علي عليه السلام”، مؤكّـداً أن الإمامَ علياً -عليه السلام- هو الشخصيةُ الاستثنائيةُ التي ربَّاها النبيُّ لقيادة الأُمَّــة في محطات كثيرة، وأنه لم تحدث سرية أَو معركة إلا وعلي قائدها وبطلها، مستذكراً حينما كلّفه النبيُّ بالبقاء في المدينة في غزوة تبوك قال له المصطفى -صلوات الله عليه وآله (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيَّ بعدي).
ويصف متحدث أنصار الله محمد عبد السلام الإمام علي عليه السلام بالشخصية التي قدمت نموذجاً متكاملاً في شخصية القائد المسلم وكانت سيرته منذ الولادة حتى الشهادة عبق من النفائس الإنسانية والعسكرية والأخلاقية والإيمانية تجلت فيه آثار التربية النبوية ويكفي فيه قول المصطفى محمد صلوات الله عليه وآله (علي مع الحق والحق مع علي).
نموذج للقائد المسلم
بدوره، يقول الدكتور أحمد مطهر الشامي: إن الإمام علياً -عليه السلام- نموذجٌ للقائد المسلم صاحب المعايير والمواصفات الإيمانية، لم تُضرب البشرية في تاريخِها كما ضُربت عندما تخلّت عن مبدأ الكمال الأخلاقي والإيماني في اختيار القائد الأعلى وخُدعت بالشكليات التي جاءتها من الشرق والغرب.
ويتيقن بالقول: “الولاية كمفهوم عام مسألةٌ فطريةٌ وقضية جوهرية عند كُـلّ البشر، ولها امتدادات من الماضي والحاضر والمستقبل، مؤكّـداً أن من يُنكِرُها نظرياً لا يستطيع إنكارَها من واقعه العملي وأن النُكران النظري تعبيرٌ عن تناقض ونفاق من حَيثُ يشعر الإنسان أَو لا يشعر.
أما الناشط الثقافي محمد الفرح فيقول: إن القرآن الكريم يؤكّـد أن من لا يؤمن بولاية الله وولاية الرسول وولاية الإمام علي فلن ينتصر في مواجهة اليهود والنصارى؛ لأَنَّه أخل بمعيار أَسَاسي في هذه الآية {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}.
ويؤكّـد الفرح أن أحاديث النبي -صلوات الله عليه وعلى آله عن الإمام علي عليه السلام بشكل عام لم تكن مُجَـرّد مدائح أَو عبارات تشجيعية، وإنما ليعزز له دوره المستقبلي في الأُمَّــة لاعتبارات مهمة وحساسة في مستقبل الأُمَّــة.
ويضيف الفرح: “حينما تختلف الأُمَّــة على القرآن في مفاهيمه وفي دلالاته وَفي تفسيره وفي مضمونه العملي (علي مع القرآن والقرآن مع علي) وحينما تختلف الأُمَّــة على نبيها في توجّـهاته في أفكاره في سيرته في سلوكه من يعبر عنه (أنت مني وأنا منك) يعني هذا امتدادي هو الذي يعبر عني عن أخلاقي عن سلوكي عن سيرتي”، منوِّهًا إلى أن الإمام علياً شخصية عظيمة لا يوجد أية إشكالية بشأنه حتى يرى الإنسان أنه شخص غير مناسب للأُمَّـة.
ويشير الفرح إلى أنه حينما نعود إلى سيرته وإلى ما قدمه وإلى ممارساته إلى سياساته إلى أخلاقه إلى تصرفاته وإلى أدائه حتى في الظروف والتحديات والمشاكل الكبيرة نجد أنه تعاطى معها بكل حكمة وراعى فيها مصلحة الأُمَّــة، لافتاً إلى أن الولاية في مفهومها العام ليست مُجَـرّد فكرة خَاصَّة أَو صناعة مذهبية صنعتها طائفة معينة من أبناء الأُمَّــة، بل هي حالة قائمة في واقع البشرية، وأنه لا يوجد طائفة أَو فئة في هذا العالم من أبناء البشر إلا ولها ارتباط بجهة معينة، ولديها رموز معينون تقتدي بهم وتستلهم منهم تعاليمها وتوجيهاتها.
بدوره، يعتبر الدكتور الباحث في الشؤون الإسلامية، حمود الأهنومي، الاحتفاءَ بيوم الولاية تجديدٌ للولاء للجهة التي يجب أن نتولاها وهي الله؛ باعتبَاره وليَّ المؤمنين، ورسوله، لامتداد ولايته من ولاية الله، والإمام علي كامتداد للرسول.
ويؤكّـد الأهنومي أن الاحتفاءَ بالإمام علي في يوم ولايته هو احتفاء بالمثل العليا والمبادئ العادلة والأخلاق الكريمة التي ناضل وضحى في سبيلها، موضحًا أنه كانت لا تمر برهة من حياة علي -عليه السلام- حتى يرشد ضالاً، أَو يعلم جاهلاً، أَو يقيم أوداً، أَو يصلح خللاً، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله.
ويرى أن الأُمَّــة بحاجة ماسة إلى مبادئ علي ومواقفه؛ للاستهداء بها في هذا المضمار، لتغيير أجواء الاستبداد والقهر والقمع والمحاباة والفساد.
ويعتبر الإمام علي المثل الأعلى للحاكم المسلم العادل الذي أحب لقاء الله ونذر نفسه لله ولشعبه وأمته، كان يصلي بالناس ويهديهم خلاصة تجاربه ويعقد لهم حلقات الذكر، ثم يتفقد المساكين ويعظمهم ويعطيهم، ويوزع العطاء ولا يبقي شيئاً، ويمر في الأسواق ليعظ البائعين بأن لا يحلفوا ولا يمحقوا بركاتهم.
من جانبه، يرى الناشط الثقافي أبو إبراهيم الخليل أن الإمام علي عليه السلام ضبَطَ مسارَ الانحراف الذي حصل بعد رسول الله إلى الولايةِ الحقيقيةِ التي أرادها اللهُ، وأنه عرّف الأُمَّــة الإسلامية مَن الذي ولايته تمثل امتداداً لولاية الله ورسوله.
ويؤكّـد الخليل أن ولايةَ الإمام علي حصانةً لنا من ولاية الطغاة والظالمين والمستكبرين وأنه إذَا عطل هذا المبدأ العظيم فكأن الدين لا وجودَ له والبديل هم الطغاة.