تفاصيلُ المرحلة الثانية من “النصر المبين”: اقترابُ تحرير “البيضاء” بالكامل
المسيرة| خاص:
كشفت القواتُ المسلحة، السبت، تفاصيلَ المرحلة الثانية من عملية “النصر المبين” العسكرية في محافظة البيضاء، والتي تمكّن أبطالُ الجيش واللجان الشعبيّة فيها من تحرير مديريتَي ناطع ونعمان، لتصل بذلك المساحةُ المحرَّرةُ خلال العملية بمرحلتَيها إلى 500 كيلو متر مربع، تكبد فيها العدوّ وأدواتُه من المرتزِقة ومسلحي “القاعدة” و”داعش” خسائرَ كبيرةً، وانهارت أوكارُهم في فترة قياسية على الرغم من الدعم الكبير الذي قدمته لهم دول العدوان، والجغرافيا الوعرة التي كانوا يتحصّنون فيها، الأمر الذي يؤكّـد مجدّدًا على الجاهزيةِ القتالية العالية لدى قوات الجيش واللجان، والاحتراف في وضع الخطط وتنفيذها، وهو أَيْـضاً ما ظهر بوضوح من خلال المشاهد المصوَّرة التي وثقت تفاصيل المواجهة.
متحدثُ القوات المسلحة، العميد يحيى سريع، أوضح أن المرحلة الثانية من عملية “النصر المبين” بدأ تنفيذُها في الـ20 من يوليو، أي بعد أقل من أسبوع من الإعلان عن المرحلة الأولى التي تم فيها تحرير الصومعة والزاهر، وعلى غرار المرحلة الأولى، استغرقت الثانية أياماً قليلة قبل أن تحقّق هدفَها المحدّد، وهو ما يعتبر إنجازاً كَبيراً ومهماً بالنظر إلى مساحة مسرح المواجهات المقدر بأكثر من 390 كيلو متراً مربعاً، إضافة إلى صعوبة تضاريس معظم مناطق هذه المساحة، وكثافة مليشيات العدوّ المتمركزة فيها، والتي تمتلك تسليحًا جيِّدًا وإسنادًا مباشرًا من طيران العدوان.
وكشف سريع أنه تم تنفيذُ 13 ضربة بصواريخ بدر وسعير البالستية، و19 عملية (استطلاعية وهجومية) نفذها سلاح الجو المسيّر، خلال المعركة، الأمر الذي يترجمُ جاهزيةً قتاليةً عالية المستوى، وتنسيقاً دقيقاً بين الوحدات القتالية المختلفة، وهو ما يعبر بدوره عن تطور كبير في التكتيك ووضع الخطط الحربية، بحيث تغطي مساحاتٍ واسعةً وتتضمن مهاماً متنوعةً في إطار تكاملي فعال، وفي زمن قياسي، والأهم من ذلك القدرة الكاملة على التنفيذ وتجاوز كُـلّ التحديات على الميدان.
أرقام خسائر العدوّ ترجمت هذا التفوق القتالي والتكتيكي، إذ سقط أكثرُ من 360 قتيلاً وجريحاً في صفوف المرتزِقة والتكفيريين، وتم تدمير العشرات من آلياتهم ومدرعاتهم، كما تم أسرُ العشرات منهم، واغتنام كميات متنوعة من عتادهم العسكري.
وأكملت مشاهد الإعلام الحربي الصورة، بتوثيق متميز كالعادة لمجريات المواجهة ومن الخطوط الأمامية، حَيثُ أظهرت المشاهد كثافة النيران المتوسطة والثقيلة التي أطلقها أبطال الجيش واللجان الشعبيّة على قوات العدوّ، أثناء اقتحام مواقعها وتحصيناتها، وبشجاعة منقطعة النظير، لم تجد مجاميعُ المرتزِقة والتكفيريين أمامها سوى الفرار على الأقدام وعلى متن المدرعات والأطقم العسكرية.
مَن وقعوا في الأسر والجرحى الذين لم يستطيعوا الفرار، تلقَّوا معاملةً إنسانيةً من قبل القوات الجيش واللجان، حَيثُ تمت معالجة إصاباتهم بشكل عاجل، وتم تزويدهم بالطعام والشراب، وهو سلوك غير غريب، أَو “مصطنع” من قبل المجاهدين، على عكس قوات العدوّ التي باتت معروفة بجرائمها وانتهاكاتها الوحشية بحق الأسرى والجرحى.
ووثّقت المشاهد أَيْـضاً قيام طيران العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي بشن العديد من الغارات (بلغ عددُها 67 غارة) على بعض المواقع، في محاولات فاشلة منه لإعاقة تقدم قوات الجيش واللجان، وفي دليل جديد على العلاقةِ المباشرة والفاضحة بين دول العدوان وجماعات “القاعدة” و”داعش”، وهو ما يضافُ إلى أدلةٍ أُخرى، منها الأسلحةُ والمعداتُ التي تم تزويدُ التكفيريين بها، والتبنّي الرسمي الواضح لتحَرُّكاتِهم.
وبتحرير مديريتَي نعمان وناطع، تمتد المساحة المحرّرة خلال عملية “النصر المبين” إلى قرابة 500 كيلو متر مربع، وترتفع الخسائر البشرية للمرتزِقة والتكفيريين إلى 510 قتلى و760 جريحاً، وهذه الأرقام تمثل صفعةً موجعةً للغاية تلقاها العدوّ خلال أقل من شهر.
لكن أبعادَ هذه الصفعة تتجاوز هذه الأرقام، فبالنظر إلى الخريطة التفصيلية للمعركة الأخيرة، والتي نشرتها القوات المسلحة، يمكن ملاحظةُ البوابة الجنوبية الجديدة التي فتحها أبطالُ الجيش واللجان إلى محافظة مأرب، والتي تبدو قابلةً للتوسع بتحرير بقايا جيوب المرتزِقة والتكفيريين في المناطق الحدودية بين مأرب والبيضاء، الأمر الذي سيضيّقُ الخناقَ أكثرَ على المرتزِقة في مديرية العبدية بمأرب.
إلى جانب ذلك، يمكن أَيْـضاً ملاحظةُ وصول قوات الجيش واللجان إلى مشارف “بيحان” في شبوة، وهي إطلالة استراتيجية، لا يخفي حتى المرتزِقةُ أهميتَها وتأثيرَها على مستقبل المواجهات.
وتظهر الخريطةُ أَيْـضاً خسارةَ العدوّ الطريقَ الرئيسي القادمَ من شبوة والذي كان العدوّ يستخدمه لإمدَاد المرتزِقة في ناطع ونعمان، وذلك بعد خسارته، سابقًا، الطريقَ الرئيسي القادمَ من مأرب، وهو ما يغلق البابَ أمام فرص القيام بأي تصعيد داخل المحافظة التي بات معظمُها محرّراً، كما يزيد عزلة المرتزِقة والتكفيريين في ما تبقى لهم من الجيوب والمناطق، ليسهل تطهيرُها مستقبلاً (وهو الأمر الذي أعلنت القوات المسلحة التوجّـه نحوه)، ليتم استكمال تحرير المحافظة بالكامل.
وبذلك يصبح العدوّ أمام مأزقٍ مضاعفٍ وسيءٍ للغاية، فالتغيير الذي أحدثه أبطالُ الجيش واللجان الشعبيّة في خريطة السيطرة، من خلال عملية “النصر المبين” بمرحلتيها، يجبر دول العدوان ورُعاتَها على إعادة النظر وبقلق كبير في العديد من الحسابات الرئيسية للمواجهة بشكل عام، وأبرزها تلك الحسابات المتعلقة بمعركة مأرب والتي لم يخفِ العدوُّ رعبَه الشديد من مجرياتها.
لقد جاء التصعيدُ الذي تبناه العدوُّ رسميًّا في البيضاء (بدايةً من الزاهر والصومعة) ضمن خطة مكشوفة لتخفيفِ الضغط الذي يتعرض له مرتزِقتُه في مأرب، ولخلط الأوراق ميدانيًّا للخروج من المأزق المتمثل بالعجز عن وقف تقدم قوات الجيش واللجان، والعجز عن تحقيق مكاسبَ بالابتزاز السياسي، لكن هذه الخطة تبخرت الآن تماماً، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فخياراتُ “المراوغة” بعد عملية “النصر المبين” باتت أضيقَ مما كانت عليه قبلها؛ لأَنَّ قوات الجيش واللجان قد حقّقت مكاسبَ استراتيجيةً جديدةً ومهمة يمكن توظيفُها واستغلالُها لتحقيق مكاسبَ أكبر، وذلك يقابله خسارةُ العدوّ لما كان يظن أنها “مخارجُ” محتملةٌ من المأزق، إضافة إلى انكشاف حقيقة موقفه من “السلام”.
بعبارة أُخرى: إن أيةَ خطط ما زال العدوّ يعتمد فيها على فرضية “التصعيد” تحتَ غطاء “السلام” المزيَّف ستكون لها نتائجُ عكسيةٌ صادمةٌ مؤكّـدةٌ، وهذه النتائجُ العكسيةُ ستتضمنُ تعجيلَ وقوع الكثير من المخاطر الكبرى التي يريد العدوُّ تأجيلَها، أَو الالتفافَ عليها، وهذا سيعيدُه دائماً إلى الوقوف أمام “ضرورة” التعاطي الجدي مع شروط السلام كطريق وحيد للخروج من المأزق.