العالم الرباني بدر الدين الحوثي.. فقيهُ القرآن والمعلّم الأول للشهيد القائد
المسيرة- محمد ناصر حتروش
يحتفي اليمنيون هذه الأيّام بالذكرى السنوية لرحيل العلامة المجاهد الرباني السيد بدر الدين أمير الدين الحوثي، والذي كان منارةً للعلم والصحوة العلمية الحقيقية البعيدة عن أية انحرافات، وكان رجل العلم والحكمة، والداعي إلى الوحدة بين أبناء الأُمَّــة.
أطلق عليه الكثيرون لقب بـ “فقيه القرآن”، حَيثُ عُرِفَ بين الجميع بالعلم والتقوى والخشية من الله، واستشعاره للمسؤولية، في حين كانت شجاعته لا مثيل لها في قول الحق، ومواجهة الأفكار الضالة التي كانت تحرص السعودية على زرعها في المجتمع اليمني منذ سنوات كثيرة، كما امتاز –سلام الله عليه- بالورع والتقوى وممارسة الأعمال الصالحة، وكان كثير الاهتمام بإرشاد الناس وإصلاحهم وتعليمهم أمور دينهم ودنيــاهم وحل جميع مشاكلـــهم، وكان يولي الفقراء والمحتــاجين اهتماماً خاصاً، فكان بيتــه عـامراً بطلاب العلـم وأصحاب الحاجات وحل المشــاكل وقضــاء الحوائـج، كما كان يستخــدم مـنبر الجمعة، والمنـاسبات الدينية لتربية الناس وتوعيتهم وتوجيههم.
ويروي الباحث في الشؤون الإسلامية، الدكتور حمود الأهنومي، حكايةً تخُصُّ السيد العلامة بدر الدين الحوثي فيقول: “سمعتُ سيدي القائد يحفظه الله ذات مرة يقول: إنه حينما كان صغيراً سمع والدَه الكريم، وقد لقيه صبي أثناء عودته من المسجد، فسأله الصبي قائلا: يا سيدي بدر.. متى ندخل الجنة؟
فاستوى سيدي بدر الدين على عصاه واتكأ عليها وانتصب بقامته، وقال له: حينما يفتح الله لنا بابَ الجهاد يا ولدي”.
ويرى الدكتور الأهنومي أن “فقيه القرآن” السيد العلامة المجاهد بدر الدين الحوثي تميز برغبته العارمة في الجهاد ومقارعة الظالمين منذ وقت مبكر، وأن تلك الروحية انعكست في ولديه العلمين وأولاده ومحبيه المجاهدين، وأنه سلام الله عليه حياً وميتاً خير مثال جمع بين العلم والجهاد.
منهجٌ عميق
ويتحدث الناشط السياسي أُستاذ القانون الدولي، حبيب الرميمة، عن السيد بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- فيقول إنه استنهض الأُمَّــة من خلال استشعاره المسؤولية وفقاً لأوامر الله سبحانه وتعالى، وأنه بدأ بأسرته، حَيثُ رباهم تربية صالحة على منهج الثقافة القرآنية، كما جعل من ذريته أسباطاً يحملون رايةَ علمه ومنهجه، وهذا يدُلُّ على عمق وتأثير منهجه.
ويشير الرميمة إلى أنه من الملاحَظِ في كثيرٍ ممن يدعون أنهم “علماء” لا تجد تأثير علمهم حتى على أفراد أسرتهم، وهذا بعكس السيد بدر الدين الحوثي-سلام الله عليه- فقد انطلق لينشر علمه بين الناس، مواجهاً كُـلّ التحديات، سواء من الناحية الجغرافية، أَو من ناحية ارتهان قرار السلطة آنذاك للتبعية الخارجية ممثلاً بأمريكا وبريطانيا وأدواتها مملكة آل سعود، والتي لا تكاد تفصله عنها إلا بضع كيلو مترات، وأنه واجه كُـلّ تلك الضغوطات، مسترشداً بهدي القرآن الكريم.
ويوضح الرميمة أن السيد بدر الدين حرّك القرآن الكريم عمليًّا في الواقع، وذلك من خلال التحَرّك الدائم في تثقيف الناس، بتواضع وكرم، قل له نظير، مبينًا تضحية العالم الرباني في سبيل الله محتسباً صابراً واثقاً بنصره ووعده، وأن تلك التضحيات أثمرت في أُمَّـة يشار لها بالبنان، وتهز عروش الظالمين والمستكبرين في المنطقة والعالم.
بدوره، يقول الناشط الإعلامي عبد العزيز أبو طالب: “تمر علينا ذكرى رحيل العالم الرباني “فقيه القرآن” والمدافع الشجاع عن حياض الدين في زمن التراجع وانتشار التضليل والانحراف الذي تمثل في الفكر الوهَّـابي المدعوم بأموال النفط”، مُضيفاً أن السيد العلامة بدر الدين الحوثي عاصر فترة انتشار الوهَّـابية في المنطقة العربية والإسلامية كأحد أدوات الاستعمار في بث الفرقة والخلاف بين أبناء الأُمَّــة، وفيما كان الكثير من العلماء قد استمرأوا حياةَ الخنوع والقبول بما يفرض عليهم، انبرى السيدُ المجاهد والعالم الرباني لمواجهة الهجمة الفكرية والعقائد الباطلة في أوساط الأُمَّــة، فكانت غارتُه السريعةُ في الرد على الطليعة وكتابه الفذ في أُسلُـوبه ومحتواه المسمى تحرير الأفكار والذي تضمن الردود على شبه الوهَّـابية والجواب عليها بالأُسلُـوب العلمي الراقي والطريقة المهذبة المنصفة البينة، السلسة التي تميز بها المؤلف”.
ويشير أبو طالب إلى أن للسيد بدر الدين الحوثي دوراً بارزاً ومحورياً في الحفاظ على وحدة الأُمَّــة، والتحذير من الفرقة في كتابه الذي يحمل الاسم والمعنى (التحذير من الفرقة)، مؤكّـداً إسهاماته الفكرية في تفسير القرآن الكريم، والذي أتم تفسيرَه بعنوان “التيسير في التفسير”، وأنه جاهد لإتمامه رغم ملاحقة السلطات الظالمة له في الفيافي والقفار، ورغم المرض وكبر السن والحروب التي شنت عليه ظلماً وعدواناً إلا أن كُـلّ ذلك لم يمنعه من إتمام التفسير لخدمة الدين والأمة، منوِّهًا إلى أنه عُرِفَ عن العلامة الراحل شجاعتُه في مقارعة الظالمين، حَيثُ تعرض لمحاولة اغتيال مطلع التسعينيات بتدبير من السلطات الظالمة حينها، ولكن الله تعالى نجاه منهم، ما اضطره للخروج من البلد؛ خوفاً على حياته والعودة مجدّدًا، ليكمل مسيرته الجهادية والتوعوية والنصح للأُمَّـة.
وعند انطلاق المسيرة القرآنية، يفيد أبو طالب أن العالم الكبير والشيخ المجرب كان يسلّم لولدِه السيد الشهيد القائد بكل تواضُعٍ اعترافاً منه للفكر والمشروع الذي قدمه الشهيد القائد، فلم يكن عمله الوافر وكبر سنه ومكانته من ولده عائقاً أمام التسليم للحق وتأييد المشروع القرآني الذي قدمه الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي –رحمه الله- كيف وهو “فقيه القرآن” والمعلم الأول للشهيد القائد الذي استقى منه العلمَ والعملَ والحركة والجهاد وعدم الخوف من مقارعة الظالمين.
ويتابع أبو طالب قائلاً: وبعد شن السلطات للحروب الست، شارك السيد العلامة بدر الدين الحوثي في مواجهة الظلم والطغيان وتحمل المعاناة والتشريد واللجوء في القفار والفيافي والجبال في قسوة العيش والخوف من الظالمين، متمثلاً بقول الإمام القاسم بن إبراهيم:
منخرقُ الخفَّين يشكو الوجا… تنكبه أطرافُ مرو حداد
شرّده الخوفُ وَأزرى به… كذاك من يكره حرَّ الجلاد
قد كان في الموت له راحةٌ… والموتُ حتمٌ في رقابِ العباد
مؤمنٌ مرتبطٌ باليقين
ويكتب الناشط السياسي، عدنان قفلة، بإعجاب عن سر تحَرّك العالم الرباني بدر الدين الحوثي، فيقول: “اللَّهُ أَعْلَمُ أيَّ صبرٍ ذاك الذي جعلك تواجه الظالمين والمجرمين، وتتحمل التشرد والغياب مع ما تعانيه من أمراض إنه صبر الإيمان نفسه الذي جعلك توصي بالصبر على الجهاد، واللَّهُ أَعْلَمُ أيَّ إيمانٍ ذاك الذي جعلك تتعلق بالله وحده، فتعادي كُـلّ أعدائه، وتوالي كُـلّ أوليائه، ولا تخشى في الله لومة لائم، ولكنه الإيمان المرتبط باليقين، وَاللَّهُ أَعْلَمُ أيَّ يقين ذاك الذي جعلك تثق بنصر الله رغم كثرة الأعداء وقوتهم، وخذلان الأقربين، وقلّة الناصر والمعين، ولكنه يقين المجاهد”.
ويواصلُ قفلة قائلاً: “وَاللَّهُ أَعْلَمُ أيَّ جهاد ذاك الذي جعلك تكابِدُ الآلام والأسقام، مع كبر سنك، وانعدام المؤنة، ولكنه جهاد العالِم، وَاللَّهُ أَعْلَمُ أي علمٍ ذاك الذي يتفجر منك لتثريَ المكتبة الإسلامية بعشرات الرسائل والمؤلفات بالرغم من تشردك وجهادك ومرضك ويخرج منك علماء، بل وأعلامٌ للهدى سائرون على نهجك ومنهاجك الذي هو منهاج أولياء الله ورسله”، مختتماً حديثه بالقول” اللَّهُ وحدَه أَعْلَمُ (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ).
وَيؤكّـد الناشط السياسي، زيد البعوة، أن العالمَ الرباني الراحل السيد بدر الدين الحوثي جمع بين العلم والعمل والوعي والبصيرة والصدق والإخلاص والتأليف والدعوة إلى الله.
ويشير إلى أن السيد جاهد في الله حق الجهاد بلسانه ويده وقلمه وكتبه وبندقيته وتصدى للأفكار الوهَّـابية الضالة وجسد الحديث النبوي الذي يقول: “خيركم من تعلم القرآن وعمل به وعلمه”، لافتاً إلى أنه وعلى يدي السيد بدر الدين الحوثي –رحمه الله- تم تأسيس المداميك الأولى لهذه المسيرة القرآنية، ومن صلبه كانت قيادتها ومن بصيرته وعلمه وإخلاصه بزغ فجر الثقافة القرآنية لتبدد عتمة ظلمات العقائد الباطلة والثقافات المغلوطة التي كانت تخيم على مجتمعنا”.
ويجزم البعوة أن السيد بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- عانى وضحّى وجاهد وقدَّم الكثيرَ من المواقف والأعمال العظيمة للدين والإسلام وكان هَمُّه أن ينصر الله ودينه وأن يصنع الوعي في نفوس الناس.
ويختم حديثَه بالقول: في ذكرى رحيلك لا تزال ثمارُ عطائك وعلمك وجهادك حاضرةً في واقعنا وبقوة فأنت من الذين قال الله تعالى عنهم: (ونكتب ما قدموا وآثارهم).