وفد صنعاء يجسّد مكاسبَ الصمود أمام العالم: اليمن المقاوِم
المسيرة | خاص
سلّطت زيارةُ الوفد اليمني الأخيرةُ لإيران المزيدَ من الضوء على نجاحِ صنعاءَ في كسر العُزلةِ السياسية والدبلوماسية التي حاول تحالُفُ العدوان فرضَها، كما أوضحت ملامحَ الدور الاستراتيجي والمؤثِّر الذي يلعبُه اليمنُ اليوم، وسيلعبُه مستقبلاً، على مستوى المنطقة، وفي محور المقاومة، وهو دورٌ مستحَقٌّ كسبته صنعاء بنضالها الاستثنائي في مواجهة العدوان، وتمسكها بمشروع المناهضة العملية والمبدأية للاستكبار العالمي، وما يتضمَّنُه ذلك المشروعُ من دعمٍ كاملٍ للقضية الفلسطينية، واصطفافٍ صادقٍ مع كُـلّ حركات التحرّر والمقاومة في المنطقة.
الوفدُ الذي ترأسُه ناطقُ أنصار الله، محمد عبد السلام، كممثلٍ عن الرئيس مهدي المشَّاط، زار الجمهوريةَ الإسلاميةَ للمشاركة في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني المنتخَب، السيد إبراهيم رئيسي، وحظي بترحيب كبير، حَيثُ خَصَّه “رئيسي” بأول لقاءٍ له مع وفدٍ رسمي، من بين وفود 75 دولة، الأمر الذي أثار اهتمامَ العديد من المراقبين والمتابعين.
فمن جهة، عبر ذلك الترحيب بوضوح، عن النجاحِ المتصاعُدِ الذي تحقّقه صنعاء في كسر العزلة المفروضة من قبل تحالف العدوان، فبالرغم من أن الأخيرَ حَرِصَ وبشدة على أن تواجهَ صنعاءُ قطيعةً دبلوماسيةً تامةً من قبل العالم، إلا أنها استطاعت أن تشُقَّ طريقاً دبلوماسياً مهماً خارج شبكة “العلاقات العامة” التي تتحكم بها الولايات المتحدة والمال الخليجي في العالم والمنطقة، وهو طريقٌ علاقاتُه أكثرُ تماسكاً وفاعلية؛ لأَنَّها مبنيةٌ على أُسُسٍ أخوية جامعة وقضايا مصيرية مشتركة، وبعيدةٌ كُـلُّ البُعد عن الاستغلال والارتهان والتبعية، الأمر الذي يجعل هذا النجاحَ على الرغم من أنه ما زال في بدايته، مقلقاً للغاية بالنسبة للعدو.
وقد برزت الطبيعةُ الوديةُ والأخوية لهذه العلاقة اليمنية الإيرانية بشكل واضح في كُـلّ محطاتها، وُصُـولاً إلى اللقاء الأخير بين الوفد اليمني و”رئيسي” والذي دفع الكثير، وبشكل تلقائي، إلى استذكار مشاهد ومحطات العلاقة المهينة والفاضحة لمسؤولي وممثلي حكومة المرتزِقة، بما فيهم الفارّ هادي، مع المسؤولين السعوديّين والإماراتيين، حَيثُ تبرز فوارقُ شاسعةٌ بين “الندية” والاحترام بين صنعاء وطهران، وبين الامتهان والتبعية التي تتميز بها علاقة المرتزِقة بمشغليهم، مع أن صنعاءَ لا تحتاجُ لهذه المقارنة.
هذا أَيْـضاً ما عبّر عنه الرئيسُ الإيراني بوضوح خلال لقائه الوفد اليمني، حَيثُ أكّـد على أن “الشعب اليمني هو الذي يجبُ أن يقرّرَ مصيرَ بلاده، ولا يحق لأحد من خارج اليمن أن يتخذَ القرار”.
من جهة أُخرى، أعاد الترحيبُ الخاصُّ الذي حظي به الوفدُ اليمنيُّ في إيران، تسليطَ الضوء على الدور الاستراتيجي والمؤثّر لليمن “المقاوِم” في المنطقة وضمن “المحور”، كدولةٍ مناهضة للهيمنة الغربية، ومُتبنِّية لمشروع التحرّر الكبير، وهذا الدور كانت العديد من ملامحه قد برزت تباعاً خلال الفترات الماضية، وفي أكثر من محطة، بينها محطة “معركة سيف القدس” التي تجاوز فيها اليمنُ موقفَ التضامن والتعاطف إلى موقف المشاركة، من خلال دعم المقاومة الفلسطينية وإعلان الجهوزية لخوضِ “حرب إقليمية” ضد الكيان الصهيوني، ضمن محور المقاومة.
الرئيسُ الإيراني أشار إلى هذا الدور خلال لقائه الوفد اليمني، حَيثُ أكّـد على أن “اليمن أصبح مثالاً للصمود والمقاومة بوجه الاستكبار العالمي والفخر للعالم الإسلامي والعربي”، كما استحوذ على الاهتمام مشهدُ لقاء عبد السلام بقائدِ قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني، العميد إسماعيل قآني، أثناء مراسم التنصيب، حَيثُ بدا الرجلان أقربَ إلى رفيقي درب، أَو هذه على الأقل “الرسالة” التي رجَّح مراقبون أنها وصلت إلى القوى المعادية من خلال ذلك المشهد، الذي كان “عبد السلام” و”قآني” فيه يمثلان قوتين فاعلتين تجمعهما معركةٌ مصيريةٌ واحدةٌ ومشروعٌ تحرّريٌّ لا يخفي العدوُّ قلقَه الشديدَ منه ومن مستقبله، ويسعى بوضوح لقتلِه بكل الوسائل.
ورأى بعض المراقبين أن الاهتمامَ الخاصَّ الذي حظي به الوفد اليمني في إيران، يعكسُ ملامحَ تطورات ستشهدُها السياسةُ الخارجيةُ لإيران في عهد “رئيسي” الذي أبدى الغربُ قلقًا واضحًا من صعوده إلى الحكم منذ البداية، حَيثُ يرجح المراقبون أن يتجه الرجل نحو تعزيز العلاقات مع دول المنطقة بشكل أكبر، وهو أمرٌ يعاكسُ المخطّطاتِ الغربيةَ والإسرائيلية الرامية لتحشيد المنطقة ضد الجمهورية الإسلامية.
وسائلُ الإعلام السعوديّة والإماراتية أبدت انزعَـاجاً كَبيراً من الاهتمام الذي أثاره الوفدُ اليمني في إيران، وحاولت شنَّ حملةِ تشويهٍ ضد شخص رئيس الوفد، محمد عبد السلام، الذي لفت الانتباهَ بحضورِه مرتدياً الزيَّ اليمني و”الجنبية”، وهو ما مَثَّلَ إحراجًا خاصًّا للمرتزِقة الذين يتشدقون كَثيراً باسم “الهُــوِيَّة اليمنية” في الوقت الذي يضطرون فيه حتى إلى نزع “المظهَر” اليمني عند لقائهم بالمسؤولين السعوديّين والإماراتيين.
ذلك الانزعَـاج ترجم بوضوح وصولَ الرسائل والدلالات التي حملتها زيارةُ الوفد اليمني، والتي يمكن إجمالُها في أن صنعاء قد استطاعت بالفعل التغلُّبَ على تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي في كُـلّ ميادين المواجهة، وأنها ماضيةٌ بخُطًى ثابتةٍ نحو تحقيقِ الانتصار النهائي عليه، وتقدمها المُستمرّ على هذا الطريق، يجعلها أكثرَ قوةً وأكثر تأثيراً، بحيث تسهمُ بشكل مباشر في توجّـه المنطقة نحو انتصار أوسع يتمثل في التخلص من الهيمنة الأمريكية الصهيونية.