ثقافيون وتربويون لصحيفة “المسيرة” : ذكرى الهجرة النبوية.. محطةٌ ملحةٌ للارتباط بالنور المحمدي
المسيرة | أيمن قايد
بارك قائدُ الثورة، السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، للأُمَّـة الإسلامية قدومَ العام الهجري الجديد 1443هـ، مُشيراً إلى أهميّة ذكرى الهجرة النبوية في العودة إلى النبي -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- ورسالته لمواجهة التحديات التي تمر بها الأُمَّــة.
وأوضح السيد القائد في كلمته بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية، أمس الأول الاثنين، أن هناك تفريطاً كبيراً في واقع المسلمين لناحية اهتمامهم بالتاريخ الهجري، مطالباً بضرورة إعادة الاعتبار والارتباط بالتاريخ الهجري.
وتحدث قائد الثورة عن حياة الرسول الأكرم في مواجهته المستكبرين والمعرضين عن سبيل الله وحالة المعاناة التي تلقاها من كُفّار قريش، لافتاً إلى مواقفِ قبيلتَي الأوس والخزرج العظيم والمشرف في مناصَرة الرسول والرسالة، بعكس البيئة السلبية في مكة.
ولأهميّة هذا الحدث في التاريخ الإسلامي، والدروس التي يمكن الاستفادة منها في هجرة الرسول محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- يقول الناشط الثقافي عبد الكريم الرازحي: إن الهجرةَ النبويةَ هي ذكرى عظيمة، وتاريخية، ومرحلة مهمة ومفصلية، في تاريخ الإسلام، بل وفي تاريخ البشرية، معتبرًا أنه في الوقت الذي نتذكر فيها سيرة الرسول الأكرم محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو يدافع عن الدين الإسلامي وينشره بالحكمة والموعظة الحسنة، ويتحمل؛ مِن أجلِ الرسالة الإلهية والمسؤولية الكثير من المتاعب، حتى وصل به الحال إلى ما حاولت قريش في ليلة الهجرة اغتياله وقتله، ولكن الرسول الأكرم محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- واجه كُـلَّ تلك التحديات بقوة وإيمان وصبر وعدم يأس أَو تخاذل، لا من قلة الناصر، ولا من سطوة المعتدين وسيطرتهم.
ويوضح الرازحي في تصريح خاص مع “صحيفة المسيرة” أنه وفي ذكرى الهجرة، نستذكر الدروس الكبيرة من صبر الرسول، وإيمانه، وإخلاصه وتفانيه؛ مِن أجلِ الرسالة أن تصلنا وتنتشر بكل ما فيها من خير وسعادة، فيما يشير إلى الدرس الثاني قائلاً: بالنسبة للمجتمع المكي الجاهلي والذي عاد اليوم كنظام سعوديّ، بنفس الأُسلُـوب الجاهلي القديم في منعه للحجاج المسلمين من الحج وصده عن المسجد الحرام، وهو الأمر نفسُه الذي استخدمته قريش ضد المسلمين آنذاك ولكن استبدل الله بذلك المجتمع الذي رفض رسالة السماء بمجتمع الأنصار الذين ضحوا، واستقبلوا الرسالة بكل إيمان وحب وإيثار عجيب، ليصبح أبناء الأنصار اليوم، أبناء الأوس والخزرج هم أقرب الناس والمسلمين في هذا الزمن إلى حمل رسالة الإسلام بكل شمائلها وأخلاقها أمام الجاهلية الأُخرى، جاهلية آل سعود وهي في نفس الوقت رسالة نذكرها آل سعود بأن الدوائر ستدور عليهم، كما دارت على المجتمع المكي.
ويلفت الرازحي إلى تضحية الإمام علي -عليه السلام- عندما نام في فراش النبي، موضحًا أنه في كُـلّ زمن سيكون هناك من يفدون الإسلام ويدافعون عنه ويحمونه وينصرونه، مؤكّـداً أن هذه رسالة أُخرى للمستكبرين، وعلى رأسهم أمريكا وإسرائيل بأن أبناء علي ومحبي علي وشيعة علي الذين فدوا الرسول في الماضي هم اليوم يقدمون الغالي والنفيس دفاعاً عن كُـلّ الأُمَّــة في اليمن ولبنان وفلسطين والعراق وسوريا وبقية الأحرار المستضعفين.
تعلم فنون الصراع
بدوره، يتحدث الناشط الثقافي طلال الغادر عن مناسبة هجرة رسول الله -صلوات الله عليه وآله- أن الأُمَّــة اليوم تعاني وتئن من أعدائها تارةً ومن سلاطين الجَور وعلماء السوء تارةً أُخرى، وكلاهما سبب للعدوان المباشر على بلادنا، وغير المباشر على كُـلّ الأُمَّــة، مُشيراً إلى قول السيد القائد العلم المتمثل في بقاء الملاذ والفلاح وسلامة الدين بالعودة إلى النبي -صلوات الله عليه وآله- في ما يعطيه لنا وهو في موقع القُدوة والقيادة، مؤكّـداً أن هناك دروساً عظيمة نستمدها من هذه المناسبة بما تعطيه لنا ونحن في مواجهة قوى الطاغوت والظلاميين في أمس الحاجة لهذه الدروس العظيمة بعظمة صاحب المناسبة -صلوات الله عليه وعلى آله- من خلال التالي:
أولاً: الإعداد المسبق وأثناء تحَرّكه للهجرة وحتى فور وصوله إلى المدينة -صلوات الله عليه وآله-.
وفيما يتعلق بالأسباب والمنطلقات لدى النبي الأكرم للهجرة، يوضح الثقافي الغادر أن الأنبياء عليهم السلام رغم مكانتهم العظيمة عند الله وصلاحهم العارم عانوا وتعبوا ولاقوا المشاقَّ والمتاعب وهم في موقع القُدوة والقيادة، متبعاً أن النبي -صلوات الله عليه وآله- وهو على الثقة بالله جل وعلا لم يتواكل، بل أخذ بكل الأسباب العملية وهو في ولائه لله جل وعلا القائل تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) كسُنة إلهية لمن يتولاه تعالى، حَيثُ تأتي الرعايةُ الإلهية في كُـلّ الظروف ليقول له تعالى بعد أن طمئن صاحبه المضطرب (لا تحزن إن الله معنا)، ولهذا جاءته رعايةٌ خَاصَّة به وَعامة لكل من يتحقّق التولي العملي في واقعة، فقال عز من قائل: (وأنزل سكينتَه عليه).
ويتابع الغادر حديثه قائلاً إن النبي -صلوات الله عليه وآله- حينما غادر مكةَ ترك مَن هو امتدادٌ له خلَفاً له وهو الإمامُ عليٌّ -عليه السلام- لعدة أمور رغم حَداثة سِنِّه، إلا أن الرصيد التربوي الإيماني يسهل ويذلل كُـلّ الصعاب والمشاق، ونجد في هذا الأمر ما يوضح تعتيم وتضليل وإبعاد كُـلّ شبهة حول الولاية، وفداحة وتناقض من اعترافٍ بعلي -عليه السلام- هنا وإنكاره هناك في الغدير.
ويؤكّـد طلال الغادر أنه في المواقف الصعبة يُبتلَى الإنسان في مقتضى العبودية والولاء وهي سنة إلهية، مستدلاً بقول الله تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ).
ويواصل حديثه بالقول: الإمام علي -عليه السلام- قد أثبت مصداق توليه وعبوديته، فكان أولَ فدائي في الإسلام، وأول من يخوض الصراع مع الباطل، وكان متأهباً بسيفه، وهو على فراش النبي -صلوات الله عليهما- جاهزاً للنزال حتى أنه لو كان وجد المشركون مجالاً لقتلوه.
ويواصل الناشط الثقافي طلال الغادر أننا نستلهم من دروس الهجرة أن سنة الاستبدال تكون للمجتمعات كمجتمعات، والأفراد كأفراد، حَيثُ استبدل الله مجتمع مكة بالمدينة، كما نستلهم أن الأصالة الإيمانية متجذرة في يمن الإيمان في الأوس والخزرج مثلهم مثل قبيلة جرهم.
أما التربوي عدنان القاضي، فيقول: إن الهجرة النبوية تحمل دلالاتٍ مهمة، فيما يتعلق بالنبي -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيِهِ وَعَلَى آلِهِ- وحركته في إقامة رسالة الله في الأرض، فيما يتعلق أَيْـضاً في المجتمع المكي، والكيان الإسلامي والأمة الإسلامية والدولة الإسلامية، مستدلاً بأقوال السيد القائد عبد الملك الحوثي في خطاباته بهذه المناسبة العظيمة.
التاريخ يعيد نفسه
من جهته، يرى التربوي حمود دبوان: إن الهجرة النبوية تعتبر محطةً تاريخية عظيمة، نستفيد منها في وقتنا الحاضر لترسيخ مفاهيمَ هامة في الدين، من خلال التعرف على طبيعة الصراع بين الحق والباطل عبر الأزمان والعصور.
ويضيف دبوان في حديثه لصحيفة “المسيرة” أن الهجرة أكّـدت لنا أن الدين محارب وأننا بحاجة إلى التضحيات وكذا الهجرة والمناصرَة لدين الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، مُشيراً إلى أن مجتمع قريش في تلك المرحلة لم تكن لديه القابلية لاستيعاب الدين ونشره، وإنما محاربته ومواجهته، الأمر الذي أَدَّى إلى الهجرة النبوية، معتبرًا أن المدينةَ وأهلَها هي المحطة الأولى والانطلاقة البدائية لنشر الدين بالطريقة العلنية على كافة الناس.
من جهته، يشيرُ الناشطُ الثقافي عبد الملك الهمداني إلى أهميّة العودةِ للمحطات النبوية التاريخية في مواجهة العدوان والمستكبرين بكل إرادَة وعزم، لافتاً إلى صمودِ وتحمل وصبر النبي محمد -صلوات الله عليه وآله وسلم- ورباطة جأشه في تحمل المسؤولية وفي مواجهة التحديات والمخاطر.