الرغبة الأمريكية للسلام في اليمن.. طريق منحدر وزلق!
المسيرة: محمد الكامل
يحاول النظامُ السعوديُّ البائس، اختراقَ أية جبهة سياسية أَو اقتصادية، أَو اجتماعية، أَو ثقافية بعد فشله الذريع في المواجهة العسكرية، وخسارته معظمَ الجولات السياسية، تزامناً مع مواصلته الرفض لأية مبادرة حقيقية للسلام الحقيقي والمنشود في اليمن، كان آخرها المبادرة التي قُدمت للوفد العماني الذي زار صنعاء في يونيو الماضي.
ويتشدق الأمريكيون في الحديث عن السلام في اليمن، في حين تستمر غاراتهم الحاقدة في استهداف كُـلّ شيء حي على هذه الأرض، مع تشديد الحصار الشامل؛ بهَدفِ خلق أسوأ أزمة إنسانية في العالم للعام السابع على التوالي، لكن الكثيرين يعتبرون هذه الهرطقات التي يطلقها الأمريكيون دون مشروع حقيقي لإيقاف هذا العدوان بشكل كامل وقبل أية محادثات ما هي سوى تأكيد على استمرار الأمريكيين والبريطانيين وأدواتهم في عدوانهم على الشعب اليمني وتجاهلهم كُـلّ المبادرات المنصفة لتحقيق السلام الفعلي.
زيف الادِّعاءات
ويؤكّـد الكاتب والصحفي صقر أبو حسن أن القوى الخارجية بقيادة أمريكا تريد سلاماً على مزاجها وبما يضمن استمرار مصالحها التدميرية في اليمن، وبهدف الحفاظ على عملائها وأدواتها، لتزيد اليمن من بقائها في القعر، وفي المزيد من المشاكل والاحتقان.
ويشير أبو حسن في تصريح خاص “للمسيرة” إلى أن كُـلّ المبادرات التي تقدَّم من أمريكا أَو السعوديّة هي لتضليل الرأي العام، وفي بنودها اتّفاق استسلام للقوى الوطنية الحرة، مؤكّـداً أن كُـلّ المبادرات التي لا تضمنُ العيش الكريم للمواطن اليمني، ووقف العدوان بشكل نهائي، وإيقاف الحصار، وانهاءَه هي مُجَـرّد لعب بالألفاظ وزيادة من التحشيد للأموال الخليجية إلى الخزانة الأمريكية.
ويزيد أبو حسن بالقول: المبادرات التي قُدمت مراراً عبر مبعوثين أمريكيين، أَو حتى مبعوثين أمميين لم تكن السقف الأدنى لآمال اليمنيين الذين طالهم الدمار، ووصل الوجع إلى مستقبلهم وقوت أطفالهم، ووصلت إليهم الأزمات لتزيد من البؤس الذي أحاط بهم منذ سبع سنوات، فلم تكن تلبي أدنى مشاعر لكبرياء الإنسان اليمني الذي صمد طوال سبع سنوات ولا يزال في وجه أعتى آلة تدميرية في العالم، منوِّهًا إلى أن الأيّام كشفت زيف ادِّعاء الغرب للمثل الديمقراطية، والحرية، بينما يمارسونها على شكل قنابلَ عنقودية، ودعم عسكري وسياسي وحتى إعلامي لقوى عدوانية ضد شعب لم يمتلك غير قراره السيادي وكبريائه وصموده.
ويواصل أبو حسن حديثه: لذا كان موقف القيادَة الثورية والسياسية واضحا منذ البداية، فوقف العدوان وإنهاء الحصار بداية حقيقية للدخول في مفاوضات قد تفضي إلى حَـلّ سياسي، لكن كُـلّ تلك المبادرات والتصريحات لم تفض إلى شيء، ولم توقف حتى ليلة واحدة قصف الطائرات، ولم تستطع إدخَال السفن النفطية للحد من الأزمات ضد الشعب اليمني، ولهذا فقد عرفنا مدى التضليل الذي يمارَس ضدنا وضد العالم من قوى ترى بقاءها لن يدوم إلا بموت الآخرين جوعاً.
ويرى أبو حسن أنه عندما جاءت الوساطة العمانية، وهي تحمل مبادرة سلام، كان الشعب اليمني يثق بصدق نوايا الإخوة العمانيين، لكن مع تكرار التزييف الأمريكي والسعوديّ ومن خلفه الإسرائيلي، فقد وصلت القيادة العمانية إلى قناعة بأن حديث قوى العدوان عن السلام ليس سوى حديث عن استمرار الحرب، وحتماً لا حرب بدون ثمن، وقد دفعت قوى العدوان أثمانا باهضة في استمرارها في قتل اليمني ونهب ثرواتهم والتضييق عليها سبيل العيش، مؤكّـداً أن رضوخ السعوديّة ومن خلفها أمريكا سيكون قريباً بعد أن فوض الشعب اليميني سلاح الجو المسير والقوة الصاروخية للتفاوض على طاولة المصالح العسكرية والاقتصادية على مستقبل الحرب على اليمن.
سلام مغشوش
من جانبه، يقول المتحدث الإعلامي لتكتل الأحزاب السياسية المناهضة للعدوان، الدكتور عارف العامري: إن قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي بدر الدين الحوثي –حفظه الله- قد وضّح حقيقة المبادرة العمانية، والرؤية الأمريكية للسلام، على أنها لم تتقدم بجديد حول السلام المنشود في بلادنا.
ويؤكّـد العامري في تصريح لصحيفة ” المسيرة” أن ما تضمنه خطاب السيد القائد وكذلك توضيح عبد السلام تالياً بتفاصيلَ أكبر، يعد إدانة للجانب الأمريكي في عدم جديته لإيجاد سلام عادل وشامل، بل على العكس من ذلك فَـإنَّ الإدارة الأمريكية تشن حملةً على كافة الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ضد الشعب اليمني، وهذا الإيضاح من قائد الثورة يعتبر أَيْـضاً مكاشفةً للرأي العام المحلي والدولي، بحقيقة المواقف دون تضليل أمريكي، وفضح النظام الأمريكي في محاولاته الترويج إعلامياً بأنه راعي سلام مغشوش.
ويتابع العامري بالقول: “وبالتالي فَـإنَّنا نواجه نظامَ حرب، ويجب علينا أن نكون مبادرين في العمل على البناء، وبناء دفاع أقوى مع العمل المشترك مع دول المحور ودول المعادلة”، مؤكّـداً أنه يجب أن تتوحد جهودنا المحورية عالميًّا في المناهضة لأمريكا، ومشاريعها التدميرية في اليمن والمنطقة، مُشيراً إلى أن عدم التقليل من الدور العماني المُستمرّ للتباحث مع الأطراف لإيجاد حَـلّ سياسي عادل وشامل، ولكن في المقابل فَـإنَّ كافةَ بنود المبادرة اليمنية منطقية ومستحقة وعملية وتقود إلى سلام دائم وشامل ليس فيه انتقاص لأي طرف.
ويوضح العامري أن المبادرة اليمنية تتوافق مع مفهوم السلام الحقيقي المنشود الذي تحرص أمريكا وأدواتها على تزييف مفهومه بما يتوافق مع أجندتها الاستعمارية، ويبقي على مشروعها في إطالة أمد الحرب، وبالتالي بقاء القوات الأجنبية لمدة زمنية تتيح لها استنزاف الموارد والثروات الطبيعية بموافقة من مُنتهِي الولاية وحكومة فنادق الرياض وتحميل الشعب اليمني ديون إضافية.
ويشير العامري إلى أن يجب أن نعلم بأن النظام السعوديّ ليس من مصلحته نجاح المبادرة العمانية، ويأبى الاعتراف بالهزيمة والخطأ الجسيم في عدوانه على اليمن، غير أن الشعب اليمني ومنذ سبع سنوات من العدوان والحصار قد تجاوز كُـلّ المفاهيم المغلوطة والمضللة، بصموده ومناهضته للتواجد والتدخل الأجنبي في اليمن وقراراته السيادية، وهو لن يفرط بخياراته التي عمّدها بالدم، وبذلك يكون الخيار المتاح لليمنيين لفرض السلام الشامل العادل هو الخيار الذي من خلاله استطاع أن يلقّن جيوشَ ومرتزِقة تحالف العدوان دروساً لا تنسى وببسالة أبطال الجيش واللجان الشعبيّة تفرض معادلة الحل السياسي.
المبادرة اليمنية وموقف أمريكا
وخلال الأيّام السابقة، تحدث قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطاب له بمناسبة العام الهجري الجديد 1443هـ عن الرؤية الأمريكية للسلام والتي وصفها بالاستسلام، لافتاً إلى أنه تم تسليم الوفد العماني مبادرة لإيقاف المواجهات في مأرب، وبعدها تم توضيح تفاصيل المبادرة عن طريق رئيس الوفد الوطني المفاوض محمد عبد السلام.
وعلى أضواء ذلك يتساءل رئيس المركز القانوني للحقوق والتنمية، طه حسين أبو طالب عمَّن يملك قرار الحرب والسلم بالنسبة لدول العدوان على اليمن؟ وَما هي الأهداف الحقيقية وراء شن العدوان على اليمن؟ وهل حقّقت دول العدوان أهدافها سواء تلك التي أعلنتها، أَو تلك الأهداف التي أظهرتها الأحداث والوقائع خلال سنوات العدوان السبع؟ وكذلك هل هناك نية حقيقية للسلام لدى الطرف صاحب القرار المتلقي للمبادرة؟
ويؤكّـد أبو طالب في حديثه لصحيفة “المسيرة” أنه ومن البديهيات أن معرفة مدى نجاح أية مبادرة للسلام بين طرفين متحاربين تتوقف على معرفة توجّـهات ووضع صاحب القرار المتلقي للمبادرة في قبولها أَو رفضها، مُشيراً إلى أن الوقائع قد أثبتت حقيقة أن صاحب القرار الرئيس في شن العدوان على اليمن هي أمريكا التي أُعلن قرار شن عملية عاصفة الحزم من عاصمتها واشنطن قبل سبع سنوات على لسان وزير الخارجية السعوديّ، وقد أصبح معظم العالم يدرك هذه الحقيقة حتى في أوساط النظام الأمريكي ذاته، وأكّـدته التصريحات الصادرة عن عدد من أعضاء الكونغرس الأمريكي، وعدد من رجال السياسة الأمريكيين.
ويوضح أبو طالب أنه وتبعاً لهذه الحقيقة، فلا شك أن بقية الأطراف المشاركة بالعدوان ليست سوى أدوات منفذة وليس لمواقفها، أَو قراراتها من حَيثُ قبول المبادرة العمانية، أَو رفضها أية قيمة؛ ولأن أمريكا هي بالتأكيد هي صاحبة القرار كما أسلفنا، فَـإنَّ الإجَابَة عن حقيقة رغبتها في تحقيق السلام في اليمن سيترتب عليه توقع مشهد السلام مستقبلاً في اليمن بناء على المبادرة العمانية أَو غيرها من المبادرات والحلول، وأي متابع لمجريات وأبعاد العدوان على اليمن يعرف أن أمريكا بعقليتها الرأسمالية الجشعة تتوقف قراراتها على تأثر مصالحها سلباً أَو إيجاباً، والعدوان على اليمن بلا شك يمثل مصلحة كبيرة لأمريكا؛ وذلك لما تحقّقه من جني مئات المليارات الطائلة عبر بيعها السلاح لدول الخليج المشاركة في العدوان ومقابل تقديمها الخدمات اللوجستية والسياسية.
ويؤكّـد أبو طالب أن الأمر ينطبق كذلك على مواقفها تلك المدافعة عن جرائم تحالف العدوان باليمن أمام مختلف المحافل الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان والتي بلا شك تقبض مقابل هذه المواقف مليارات من أموال النفط الخليجي، وبالتالي فَـإنَّ وقف العدوان على اليمن سيحرم أمريكا من هذه المليارات، والتي هي في أشد الحاجة إليها خلال الوضع الراهن نتيجة للأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تعصف بها.
ويزيد أبو طالب قائلاً: كما لا يمكن التغافل عن حقيقة ربط أمريكا ملف العدوان على اليمن بملف التفاوض حول الملف النووي الإيراني، لا سِـيَّـما بعد إدراكها واحدية محور المقاومة في المنطقة وقضيتهم ومصيرهم، بحسب ما أكّـدته تصريحات قادة محور المقاومة من دول وحركات وجماعات، إضافة إلى ذلك ربطها العدوان على اليمن بمسألة التطبيع مع إسرائيل المحتلّة والقضية الفلسطينية، موضحًا أن كُـلّ هذا يجعلنا على يقين بأن أمريكا ليس لديها في الوقت الراهن أية نية حقيقية للسلام في اليمن ووقف العدوان عليه حتى ولو قدمت إليها مبادرات تحمل في طياتها مظاهر الاستسلام والخضوع لرغباتها وأهدافها المعلنة، فلن توقف العدوان على اليمن، والحقيقة التي يؤكّـدها لنا الواقع أن ما سيجعل أمريكا تنصاع للسلام هو في حال تيقنت أن مصالحها في منطقة الشرق الأوسط والعالم ستتأثر وتتضرر وتخسر بذلك أكثر مما تجنيه من دفعها باستمرار العدوان على اليمن.
ويؤكّـد أبو طالب أن قائد الثورة السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي يدرك أكثر من الجميع حقيقة هذا الأمر، وما إطلاقه لمبادرات السلام المنصفة والعادلة كالمبادرة العُمانية ليست إلَّا من باب إقامة الحجّـة وفضح زيف ادِّعاءات أمريكا وأذيالها بتصريحاتهم المعلنة حول رغبتهم في توقف الحرب وتحقيق السلام في اليمن، وكشف حقيقة دموعهم الكاذبة على المعاناة الإنسانية الكبيرة التي حلت بملايين المواطنين من الشعب اليمني جراء عدوانهم الغاشم والمُستمرّ وحربهم الاقتصادية وحصارهم الخانق المفروض منذ سبع سنوات.
ويضيف: إن آفاق مستقبل السلام في اليمن على الأقل خلال المرحلة القادمة لن تتغير عما هي عليه الآن إلا إذَا فرضت مجريات المعركة وقائعَ على الأرض من شأنها أن تؤثر بشكل كبير على دول العدوان، وهذا ما يسعى إليه أحرار اليمن وسيحقّقونه بإذن الله ومعونته؛ لأَنَّ سنن الله الثابتة، وما أخبرنا عنه التاريخ بأن صبر المستضعفين والمظلومين المتمسكين بمنهج الله ستكون عاقبته نصراً وعزة ويلحق بأعدائهم الذلة والمهانة والخسران.
استسلام وليس سلاماً
من جانبه، يتفق الخبير والمحلل العسكري، العقيد مجيب شمسان، والذي يشير إلى أن ما قاله السيد القائد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي في خطابه المتلفز مؤخّراً عن الرؤية الأمريكية للسلام والتي لا تعني سوى الاستسلام، وما تم تقديمه من مبادرة يمنية للوفد العماني وعدم تلقي أي رد عليها لا سلباً ولا إيجاباً.
ويؤكّـد العقيد شمسان في حديثه لصحيفة “المسيرة” أن الأمريكي والبريطاني وأدواتهم مُستمرّون في عدوانهم على الشعب اليمني، ولعل القرارات التي أقدمت عليها ما تسمى حكومة المرتزِقة برفع تسعيرة الريال الجمركي والتي هي بالأَسَاس قرار أمريكي، بالإضافة إلى طباعة المزيد من العملة المزورة ما هي إلَّا خير دليل على نوايا الأمريكيين في مواصلة العدوان على الشعب اليمني، واللجوء إلى الحرب الاقتصادية بعد أن فشلوا عسكريًّا.
ويضيف: لذلك لا يمكن أن يتحقّق السلام لليمنيين، إلَّا بمواصلة الصمود والثبات في مواجهة العدوان، موضحًا أن ما قدمه اليمنيون من تنازلات ومبادرات كانت كفيلةً بإعلان المعتدي وقفَ عدوانه على الشعب اليمني ورفع الحصار إذَا كانت لديه نوايا حقيقية للسلام، لا سِـيَّـما بعد فشله عسكريًّا طيلة السنوات السابقة وعجزه عن تحقيق أي انتصار يُذكر.