من وحي الجمال في عاشوراء
خلود الشرفي
الجمال بمفهومه العام هو الحُسن الملموس في كُـلّ ما حولنا..
الجمال هو نعمة إلهية عظيمة تجعل الحياة رائعة ممتعة، غنية بمجالات التفاؤل، مشبعة بنظرات الأمل..
لكن.. موضوعنا اليوم يتعلق بالجمال في عاشوراء كربلاء بالذات..
وبمعنى أكثر وضوحاً فهو بطبيعة الحال يسلط الضوء على الأشياء الجميلة التي ظهرت في عاشوراء الإمَـام الحسين سلام الله عليه وعلى آله وأصحابه..
الجمال في عاشوراء يكمن في الجوانب النيرة من أحداث يوم عاشوراء الأليمة، وهناك يمتزج الألم بالجمال وَالمرُّ بالعسل لتكون صورة نادرة في الوجود..
مشهد قلَّ أن نجد نظيره في كُـلّ أحداث التاريخ..
في الغالب الذين يتحدثون عن الجمال، يتحدثون عن الجمال المادي المحسوس، يتحدثون عن جمال الجسد، والجمال بهذا المعنى عبارة عن: تناسب الأعضاء في الجسد الإنساني، وهؤلاء المهتمون بالجمال أولوا عنايتهم بهذا الجمال المحسوس “جمال الجسد”، وجعلوا له مقاسات تحدّده، ومعايير تضبطه، وأقاموا له مسابقات ومباريات، تنتخب من خلالها ملكات الجمال في العالم، وفق هذه المقاييس المحسوسة للجمال.
في شخصيات عاشوراء، وفي ميدان كربلاء، نجد هذا الجمال الذي يبهر العيون، ويخطف الألباب، فالمؤرخون حين يصفون جمال القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام يقولون: “كان القاسم بن الحسن غلاماً لم يبلغ الحلم، كأن وجهه فلقة قمر طالع”.
وعن جمال علي الأكبر بن الإمَـام الحسين عليه السلام، ينقلون لنا وصفه، وعلى لسان أبيه الحسين سبط رسول الله صلى الله عليه وَآله: “إنه برز إليهم غلام، كان أشبهَ الناس برسول الله، خَلقاً، وخُلقاً، ومنطقاً، وكان إذَا اشتقنا إلى رؤية نبيك نظرنا إليه”، فعلي الأكبر كان على وجهه نور النبوة وبهاؤها.
ولكن جمال عاشوراء، التي هي لوحة جمالية لامثيل لروعتها، لم يقتصر الجمال فيها على جمال الوجوه الطالعة كأنها الأقمار، والمشرقة بالأنوار، بل تجلى في عاشوراء جمال آخر، هو جمال القيم، جمال المكرمات والمناقب، التي جسدها أبطال كربلاء، رجالاً ونساء وأطفالا، والتي افتقدها المعسكر الآخر الذي جسد القبح والرذيلة وكل معاني الشر.
وإلى هذا الجمال أشَارَت السيدة زينب عليها السلام، لما أُدخلت إلى مجلس ابن زياد، حين بادرها عبيد الله بن زياد شامتاً: كيف رأيتِ صنع الله بأخيكِ، والعتاة المردة من أهل بيتكِ؟ قالت (عليها السلام): “ما رأيت إلَّا جميلاً، أُولئك قوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم، فانظر لمن الفلج ثكلتك أمك يا ابن مرجانة؟”.
هذا المقطع من كلام السيدة زينب عليها السلام، فيه إشارة إلى هذه القيم، والمعاني الجمالية، التي تجسدت في عاشوراء..
أشَارَت عليها السلام إلى قيم البطولة والشيم والإباء، والكرامة والنبل، والوفاء والحب..
لو طلبنا من فنان أن يرسم لنا لوحة عاشوراء، وطلبنا منه أن يرينا مواطن الجمال في هذه اللوحة، فَـإنَّه لا يستطيع أن يُريَنا موطناً للجمال في هذه اللوحة؛ لأَنَّه سيرينا دماء تغطي المكان، ورؤوساً مقطوعة، ومرفوعة على أطراف الأسنَّة، وخياماً محروقة وأطفالا مذبوحة من الوريد إلى الوريد، تماماً كما تفعل داعش اليوم، لا نرى في أفعالها جمالاً، بل نرى قبحاً وشناعة وبشاعة.
لماذا لا يرى الفنان جمالاً في هذا المشهد؟؛ لأَنَّ كربلاء كالعملة التي لها وجهان، مشهد كربلاء له وجهان، الوجه الأول: وجه الجريمة، والبشاعة، والقبح، والذي جسّده المعسكر الأموي الذي تعرى من كُـلّ قيمة أخلاقية وإنسانية، والوجه الآخر لهذا المشهد: هو الوجه المشرق الجميل، الذي جسده الإمَـام الحسين عليه السلام، وجه البطولة والكرامة والقيم والمناقب والأخلاق.
والسيدة زينب عليها السلام أشَارَت إلى جمال كربلاء الذي تجلى في وجهها الآخر، وجه الإباء والبطولة، والكرامة والنبل، والقيم، فالشهادة في سبيل الله جمال، والرضا بقضاء الله الذي جسده سيد الشهداء (عليه السلام) بقوله: “إلهي رضا بقضائك”، هو جمال، وبكاؤه على خصومه القتلة، الذين أوقدوا نارَ الحرب عليه، والتي ستودي بهم إلى النار، بكاؤه عليه السلام على هؤلاء الأشقياء، هو تجَلٍّ لجمال الحب في قلبه الذي لم ولن يعرف حقداً.
فكربلاء، هي رسالة حب، إلى الإنسانية كلها، هي رسالة خير وقيم وأخلاق.
السلام عليك يا سيدي يا أبا عبدالله، وعلى أهل بيتك وأصحابك، ومن حمل رايتك، وثبت على خطك، اللهم اجعلنا مع الحسين في الدنيا والآخرة.