أكاديميون وإعلاميون ومثقفون لصحيفة “المسيرة”: عاشوراء ليست مجرد مناسبة بل قضية إنسانية أساسية تذكّرنا بانتصار الدم على السيف والحق على الباطل
المسيرة- محمد حتروش- أيمن قائد
شكّلت ثورةُ الإمَـام الحسين –عليه السلام- انعطافةً كبيرةً في تاريخ ومسيرة الأُمَّــة الإسلامية والأمم غير الإسلامية، وأصبحت ذكرى عاشوراء محطة لاستلهام الدروس والعبر، وهي نور ساطع ينير دروب أصحاب الأقلام، وأرباب الفكر، والسياسة، وقادة التغيير؛ لما لها من فضل كبير في تحرير البشرية جمعاء من العبودية والذل.
وثورة الإمَـام الحسين هي الثورة التي نادت بلا “للذل”، ولا “للخنوع”، ولا “للعبودية”، ولا “للظلم”، ولا “للطغاة والجبابرة”، ونادت بنعم “للحرية والمساواة والعدل وتطبيق الشريعة السمحاء”.
ويبقى تحَرّك الإمَـام الحسين –عليه السلام- الثورة الخالدة المتجددة؛ كونها حفظت للإنسان دينه وكرامته وحريته، وصدق الشاعر حين قال “كذب الموت فالحسين مخلد”.
عاقبة الخذلان
يقول الباحث في الشؤون الإسلامية، الدكتور حمود الأهنومي: إن الإمَـامَ الحسينَ –عليه السلام- غادَرَ في رجب 60 هـ من بين أولاد المهاجرين والأنصار في المدينة، ولم يجد منهم معيناً ولا نصيراً، وكانت تراوحه رُسُلُ الأمويين وواليهم على المدينة، وتعاديه ليبايع، وكان الحسين يتلفت هنا وهناك ولا يجدُ من أهل المدينة من ينصره.
ويتابع الأهنومي: “الإمَـام الحسين خرج إلى مكة، ومكث بينهم حتى أَيَّـام الحج أي أكثر من أربعة شهور، ولا يجد منهم أنصاراً، ثم غادر إلى الكوفة في ثلة قليلة من أهل بيته وأصحابه، وحَرَمه، وذريته، والجميع يتفرّجون عليه، ويتركونه يواجهُ الظالمين بمفرده وحيداً، ويقتلونه وأهل بيته وأنصاره على ذلك النحو الوحشي.
ويواصلُ الدكتور الأهنومي حديثَه: “ثم لا يمر إلا حوالي السنتين، أي في سنتَي 63 و64هـ، وَإذَا بجيش يزيد الذي تجرّأ على دم ابن رسول الله، يقتحم حرم رسول الله مكة والمدينة، فيستبيح المدينة ثلاثة أَيَّـام، ويرتكب فيها الفظائع الشديدة”، مُشيراً إلى أن للتفريط أثراً خطيراً، وشراً مستطيراً، وأنه لو ثاروا مع ابن رسول الله، ومن نزل القرآن في فضلِه وأهل بيته، لكان لهم وللأُمَّـة شأنٌ آخر، ولكنهم حينما فرّطوا في نصرة من دعاهم إلى الثورة ضد الظالمين، ابتلوا بذات البلوى”، مؤكّـداً أنه من قتل الحسينَ ابنَ رسول الله، لن يعجزه قتلُ أبناء المهاجرين والأنصار خوفاً وورعاً.
وفي العاشر من محرم، يحيي المسلمون في أنحاء العالم من كُـلّ عام ذكرى استشهاد الإمَـام الحسين -عليه السلام- مستلهمين من هذه الذكرى عظمة التحَرّك في سبيل الله لمقارعة الباطل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ويرى العديد من المسلمين والمفكرين والفلاسفة أن ثورة الإمَـام الحسين -عليه السلام- ضرورة ملحة، حَيثُ جاءت في وقت بلغ الظلام ذروته، لكنها ومع ذلك فتحت أيقونة لمن بعده في الخروج على الظالمين ومقارعتهم.
وَيقول الدكتور يوسف الحاضري: إن ذكرى عاشوراء تعني لأبناء اليمن ولمحبي آل البيت عليهم السلام الكثير والكثير أهمها (الحياة)، وإن الموت الذي عشعش على تلك المنطقة انبعث لنا الحياة من تلك اللحظة حتى يومنا هذا، وما بعد يومنا حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وَدماءُ الأبرار الأطهار التي سالت في تلك الأرض أروت نفوسنا وأرواحنا، فنبتنا أوفياءً بارتباطنا بمنهجية الحسين -عليه السلام- ارتباطاً عمليًّا وفكرياً وحياتياً، ومن تلك الأشلاء التي تمزقت وتناثرت في أرض المعركة تغذت أرواحنا ووعينا وثقافتنا بضرورة وأهميّة الجهاد في سبيل الله، والمستضعفين ضد الباطل وأهله، ومن نفسية سبايا المعركة من نساء وأطفال آل بيت رسول الله الأطهار تعلّمنا الثباتَ والشجاعة والصبر والاحتساب عند الله مهما كانت النتائج العاجلة، فلكل عاجل أجل يشفي صدور قوم مؤمنين، وطالما كان الآجلُ أوسعَ وأكبرَ وأضخمَ وأروع وأعلى وأغلى من العاجل.
ويؤكّـد الحاضري أن كربلاء تعني لنا النتيجة الحتمية لكل من تخاذل وتقهقر وتراجع عن مسئوليته في الحياة الدنيا؛ خوفاً من نتائجها التي صنعها المتخاذل نفسه في نفسيته وأقنعها بهذه النتائج، فجاءت النتائج التي كان يخشاها في حال تحَرّك وقام بالمسئولية، مردفاً “عند التخاذل وعدم القيام بالمسئولية رأينا جميعاً ما حصل لأهل الكوفة ولأهل المدينة ولأهل مكة فبرز لهم الموت الذي كانوا يخشونه إلى مضاجعهم وبرز لهم انتهاك الأعراض التي كانوا يظنون أنهم يحمونها بالتخاذل إلى مضاجعهن، وبرز لهم العبودية والإذلال الذي كانوا يظنون أنهم يهربون منه بالتخاذل إلى داخلهم، ولم يبقَوا في حالة حصانة من كُـلّ ذلك”، مُشيراً إلى أن كُـلّ من تحَرّك وأهاليهم حتى سبايا كربلاء لم يمسهن أدنى أذى رغم ما حصل لهم من مأساة.
ويدعو الناشط الحاضري إلى ضرورة إحياء الذكرى في أن نجعل عيونَ الأعداء لنا اليوم (الأحفاد الفكرية لأعداء الإمَـام الحسين عليه السلام) تبكي دماً ودمعاً، من خلال انتهاج منهجية الإمَـام والتحَرّك تحَرّكه والتمسك بمبادئه وتوجّـهاته وأخلاقه وشجاعته وقوته وبأسه وصبره وثباته وصلاته ونسكه ومحياه ومماته فنجعلها كلها لله لا شريك له وَفي نفس الصراط الحسيني، فنزداد ارتباطاً وحباً وموالاة لأهل البيت أكثرَ، من منطلق أنهم سفينة النجاة الوحيدة، ونزداد بغضاً ومعادَاة لأعداء الله ورسوله وآل بيته الأطهار بغضًا عمليًّا ولفظيًّا وليس فقط نفسيًّا ومشاعر نحملها دون أن نترجمها إلى عمل وثقافة وفكر ومنهجية.
رمزٌ لكل دعاة الحرية
من جهته، يؤكّـد مدير إذاعة صوت الشعب، أحمد المختفي، أن من أهم مقومات ثورة الإمَـام الحسين في عاشوراء هو البُعد الإلهي للثورة، مبينًا أن هذه الثورة هي حركة تغيـيرية في الارتباط المباشر بالله سبحانه وتعالى.
ويقول المختفي إن هذا التغيير والارتباط هو هدف أَسَاسي لكل عمل تغييري في المنظور الإسلامي، إضافة إلى ما يعطيه من بُعدٍ روحي وقداسة في نفوس الثوار.
أما الناشط والكاتب الإعلامي رأي الله الأشول فيرى أن عاشوراءَ ليست مُجَـرّد مناسبة، بل قضيةٌ إنسانيةٌ أَسَاسيةٌ تذكرنا بانتصار الدم على السيف، والحق أمام الباطل والإباء أمام الاستكبار، منوِّهًا إلى أن أنها تمثل إحدى ركائز الحضارة الإنسانية قاطبة؛ لأَنَّ العدل يمثل مرتكز أية أُمَّـة، والإمَـام الحسين -عليه السلام- إنما كان خروجه لأجل مقارعة الجور تغليباً لمبدأ العدل الذي تنادي به كُـلّ التشريعات السماوية والقيم الإنسانية.
ويشير الأشول إلى أن “عاشوراء تعد رمزاً لكل دعاة الحرية على مدار التاريخ، فمنها يستلهم الأحرار حريتهم والأبطال بطولاتهم حتى رجالات الفكر والثقافة فطالما كانت مأساة كربلاء منطلقاً للإبداع، بما تكتنفه من صور أُسطورية وتضحيات خالدة وملاحم خيالية جعلت أرباب القلم يؤلفون ما لا يُحصى من مجلدات تنضح بالإباء والشموخ والانتصار”.
ويقول الأشول: إن عاشوراء تعلمنا أن الصبر والجلد والتضحية بأغلى ما نملك لَهي أفضل وسيلة على طريق الحرية والحق والعدل والسلام، كما إنها تعطي دروساً في مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأَنَّ فيها طلباً للعدل ودفعاً للظلم وصداً للطغيان، متبعاً: إنها تخبرنا أن السكوت عن الحق ومداهنة الطغاة لا يقل بشاعة الطغاة أنفسهم؛ لأَنَّ السكوت يورث السكوت ويولد الذلة والهوان ويبيح للحاكم الجائر استعباد الناس وامتهان كرامتهم، مما يضعضع الأُمَّــة في دينها ودنياها ويهوي بها إلى الخاسرين، مواصلاً حديثه بالقول: كما تعلمنا عاشوراء الآثار الكارثية للتفريط سواء ما يتعلق بالأمر بالمشروع أم بالقادة، وكلاهما يولدان الحسرة والندم، فالذي حدث بعاشوراء إنما لأمر التفريط والخذلان، حَيثُ فرط المسلمون بمشروع رسولهم الكريم، وخذلوا قائدَهم الإمَـام الحسين وتجاهلوا دعوتَه إلى مقارعة أئمة الكفر والضلال، وبعد الذي صار في كربلاء ندم القوم شديد الندم، وخرجوا طلباً للثأر ودخلوا في صراعات دموية لا تنتهي ما كانت لتحدث لولا عامل التفريط الذي صدر منهم.
العدوانُ امتدادٌ أموي
أما الناشط الثقافي مجاهد مهدي فيرى أن مناسبةَ عاشوراء هي المظلومية بحق الأُمَّــة بأكملها وأنها الثورة الحسينية التي واجهت قوى الشرك والضلال والثورة بين الحق والباطل، لافتاً إلى تلك الدماء الزاكية انتصرت للمظلومية بأزكى الدماء على قوى الشرك والإلحاد.
ويشير مهدي “للمسيرة” إلى أن الباطل وأهله مُستمرّون منذ ذاك العصر، وأن من واجهوا الإمَـام الحسين وسفكوا الدماء هم اليوم يسفكون دماءنا، مؤكّـداً أننا في خط الحق نواجه أهل الباطل، ويجب أن نزداد صموداً وصبراً، مُضيفاً بقوله: “نستفيد من تضحيات الحسين وصبره الوقوف ضد أهل الباطل مهما كلف الثمن، وأن يكون الهدف السامي لنا هو إعلاء كلمة الله وهو ما خرج لأجله الإمَـام الحسين”.
ويرى مهدي أن إحياء هذه المناسبة ليس بالبكاء، وَالنواح، أَو اللطم على الوجه، وإنما بالسير على خطى الإمَـام الحسين، عليه السلام، ومواصلة الثورة الحسينية، ومواجهة معاوية ويزيد العصر، والذين يتمثلون اليوم في أمريكا وأدواتها، وبتجسيد روحية التضحية والفداء في مواجهة خطِّ الباطل، وهذا ما كان عليه الإمَـام الحسين، وهذا ما هو عليه شعبنا اليمني العظيم، مُشيراً إلى أن يمن اليوم كربلاء وكل يوم في مواجهة العدوان هو عاشوراء.
من جهته، يقول الناشط اياد الخراشي: عندما نفتش كتب التاريخ المتفق عليها من جميع المذاهب والأديان، سنجد أن الإمَـام الحسين -عليه السلام- تكالبت عليه قِوى كثيرة ومِنهم صحابة وتابعون وغيرهم، إما بتواطؤ، أَو بمساعدة، أَو سكوت، وعدم دفع الباطل عنه ولا جدال في هذه الرواية والأمر، ولا يستطيع أحدٌ أن ينكره، مُشيراً إلى إجرام قتلة الإمَـام الحسين وأهل بيته دون تمييز لطهارتهم ونسبهم وقربهم لرسول الله أَو حتى مخافة من الله أَو استحياء من الناس.
ويقول الخراشي: لا غرابة عندما نجد القليل من المؤمنين المؤيدين لحاملي روحية الإمَـام الحسين، ولا غرابة في الكم الهائل من الفئات التي تصب عداءها صوبهم من أنظمة وكيانات ومذاهب وأشخاص، مؤكّـداً أننا لن نترك حمل راية الحسين ومنهجه ضد المتكالبين عليه، مهما كلّفنا ذلك وسنظل متمسكين بالله وبرسوله وبآل بيته حتى يحق الحق ويزهق الباطل ويغشانا اليقين ونحن ثابتون متقون بإذن الله.
أما الناشط الثقافي صلاح الدين دبش فيؤكّـد أن الإمَـام الحسين -عليه السلام- تحَرّك في مرحلة كان من الواجب عليه أن يتحَرّك فيها حتى وإن بذل نفسه وقدم روحه ونال الشهادة في سبيل الله وهو مستشعر الخطر المحدقَ بأُمَّـة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ويشير إلى أن الإمَـام الحسين –علي السلام- تحَرّك وهو على يقين بأن مصيره الشهادة، متسائلاً: لماذا الإمَـام الحسين تحَرّك وهو يعلم أن مصيره الشهادة؟ فيجيب أنه لو لم يتحَرّك في تلك المرحلة لكانت الأُمَّــة انحرفت، وأصبح الدين كله اسماً دون عمل، موضحًا أن الإمَـام الحسين –عليه السلام- تحَرّك ليرسلَ رسالةً لمن بعده أن الأُمَّــة الإسلامية هناك من يريد لها الذل والهوان وليكشفَ حقائقَ من كانوا يتغنون بالدين، وهم أعداء الله ورسوله، مؤكّـداً أنه لو لم يتحَرّك الإمَـام الحسين ويضحي بنفسه لأصبح الناس اليوم يعظِّمون معاويةَ وابنَه يزيدَ أكثرَ من رسول الله نفسه.
ويضيف دبش أن الإمَـام الحسين –عليه السلام- يدركُ جيِّدًا أنه إن سقط شهيداً انتصر لنفسِه ولأمة جده، فلا يمكن أن يمحوَ التاريخ ما قدمه الحسين، ماله وأولاده وقدم نفسه ومِن أجلِ ماذا؟”.
ويعتقد دبش أن الإنسان لو يريد مالاً، أَو سلطة، يأتي لها بطرق أُخرى، ولا يقدم نفسه وماله، وأولاده وأهل بيته، وأن الإمَـام الحسين -عليه السلام- قدم نموذجاً عظيماً لهذه الأُمَّــة بالصبر والوفاء والفداء والتضحية في سبيل الله، وقدم لنا درساً لا يمحى عن خطورة الحرب الفكرية التي تجعل الإنسان موالياً لأعداء الله ومعادياً لأولياء الله.
ويشير الناشط دبش إلى عظمةِ موقفِ السيدة زينب عليها السلام حين قالت للطاغية يزيد: “كد كيدك، وامكر مكرَك، واسع سعيك، فواللهِ لا تمحو ذكرَنا ولا تميتُ وحيَنا، ولن يسقطَ عنك عارُ ما فعلت، مؤكّـداً أن الإمَـام الحسين –عليه السلام- حيٌّ في قلوب المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، فيما يُلعَنُ معاويةُ وابنُه يزيدُ وبنو أمية حتى تقومَ الساعة.