لبنان يمضي كسراً للحصار وتحدياً لمشاريع الهيمنة الأمريكية
المسيرة| تقرير| خاص:
لم تمضِ سوى أَيَّـام قلائل على إعلان أمين عام حزب الله، السيد حسن نصرالله عن انطلاق أول سفينة من إيران محملة بالمشتقات النفطية، تليها سفنٌ أُخرى، والذي مثّل خطوةً هجوميةً ثوريةً جريئةً لكسر الحصار الأمريكي المفروض على لبنان منذُ أواخر العام 2019م، وإسقاط أهداف الحرب الاقتصادية التي تشنها الولايات المتحدة ضدّ لبنان في محاولةٍ لإخضاعه وفرض الهيمنة الكاملة عليه ومحاصرة مقاومته ونزع سلاحها وفرض اتّفاق لترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلّة، بما يحقّق أطماع الكيان الصهيوني في الاستيلاء على جزءٍ هامٍّ من ثروات لبنان من الغاز في المياه الإقليمية اللبنانية الخالصة.
ليظهر السيد حسن نصرالله مجدّدًا، في الاحتفال التأبيني في ذكرى أسبوع الشهيد القائد الحاج عباس اليتامي (أبو ميثم) في مجمع سيد الشهداء بمدينة الهرمل، أمس الأول، في خطابٍ رفع فيه سقف التحدي والمواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية لكسر حصارها، معلناً عن انطلاق سفينة إيرانية ثانية محملة بالمحروقات إلى لبنان خلال أَيَّـام، خطابٌ حمل الكثير من الرسائل النارية حمّل فيها أمريكا تداعيات الأزمة التي يعيشها لبنان، لافتاً: “من يدير المعركة في لبنان هي السفارة الأمريكية، لكنهم فشلوا منذ 2005م، وراهنوا في 2006م لسحق المقاومة وفشلوا، وراهنوا في أيار 2008م لصدام مع الجيش وفشلوا أيضاً”.
الإشارة الصريحة لسيد المقاومة عن دور أمريكا التي جعلت من لبنان قاعدة استهداف محور المقاومة بشتى الوسائل والأساليب، ناهيك عن استهدافها، مؤكّـداً أن “السفارة الأمريكية تتدخل في كُـلّ شيء حتى مع شركات البنزين والمازوت وجمعيات المجتمع المدني وبعض البلديات، وامرهم يتجاوز تقليب اللبنانيين على المقاومة ومجتمعها، بل ضرب المجتمع اللبناني ككل”.
المتتبع سيلاحظ أن الأزمة اللبنانية أخذت منحنَيين اثنين.. الأول: الحصار الأمريكي، والثاني: الاحتكار الداخلي من قوى مدعومة أمريكياً، وأن استيراد النفط من إيران ليس تحدّياً من قبل حزب الله ولا مناكفة داخلية أَو دعاية انتخابية، بل بات بمثابة أوكسيجين يوفّر للبنان في لحظةٍ أُريد فيها خنقه نهائياً، على الرغم من أن لبنان يملك خيارات طوارئ كثيرة، كان بإمْكَان السلطة اللجوء إليها للتخفيف من حدّة الانهيار، فيما لو كانت الإدارة والإرادَة السياسية وطنية خالصة، ولعملت على وضع خطة إصلاحية توقِف هذا الانهيار وتُعيد بناء النظام الاقتصادي بطريقة فعّالة، لكن خضوع بعض رموزها لإملاءات السفارة الأمريكية أفقدها الصوابية في التخطيط، بينما المنطق يقول بأن تتسلّح كُـلّ أجهزة الدولة سلطة ومعارضة بقرار المقاومة، وتستند إليه لتفرض خيارات اقتصادية بديلة تسند القدرات المعيشية للسكان، دون التخوّف لردّة فعل واشنطن وسفارتها، والتي تسعى لخلق مواجهة ربما سيُدفّع ثمنها الشعب اللبناني غالياً، إذَا لم يتحرّر القرار السياسي منها.
وهذا ما أراده السيد نصر الله عندما أكّـد جهوزية لبنان للاستغناء عن الشركات الأمريكية بشركات صينية، روسية، إيرانية، وأعلن وهو يعي ماهية هذا الإعلان: “نحن جاهزون لجلب شركة إيرانية عندها خبرة في التفتيش عن النفط والغاز بالمياه اللبنانية”، وبذلك يضع السيد نصرالله أمريكا وكل أدواتها في مأزقٍ حقيقي كبير، فأمريكا التي فرضت الحصار وتستخدم الفيتو دائماً ضد لبنان وقوى المقاومة، تحاول اليوم فتح قنوات أُخرى وتبحث عن بدائلَ لحلولٍ ترقيعية كمقترح الغاز المصري مثلاً، إلا أنها تعيشُ في سباقٍ مع الزمن، قبل وصول السفين الإيرانية؛ لأَنَّها تدرك فيما لو وصلت السفينة الإيرانية ستزيد من شعبيّة حزب الله، وَإذَا ما اعترضت أمريكا تلك السفينة سترفع من موقف السيد نصر الله، وَإذَا قبل خصوم نصرالله بها أحرجوا أنفسهم أمام السفارة الأمريكية، وفيما لو رفضوها سيظهرون أمام الشعب اللبناني كمستفيدٍ من الحصار بل وسبب رئيس في الأزمة اللبنانية، وَإذَا ما رفعت أمريكا العقوبات فَـإنَّ الشعب سيشكر حزب الله، وَإذَا لم ترفعها أحرجت أمريكا حلفاءها في الداخل اللبناني؛ كونهم باتوا مفضوحين، وسيشكر الشعبُ السيد نصر الله وستزداد شعبيّة حزبه، وهو الأمر الذي تسعى أمريكا وأدواتها إلى الحيلولة دون وقوعه، كما أكّـد السيد نصر الله، أن “من يدير المعركة ضد المقاومة في لبنان هي السفارة الأمريكية”، محذراً من أن “الإدارة الأمريكية بصدد إثارة الفوضى في لبنان”، وهذا الأمر أَيْـضاً بات مكشوفاً ولن تجازف الإدارة الأمريكية أَو أيٌّ من حلفائها بالدخول بحربٍ مباشرةٍ مع حزب الله الذي بات اليوم هو من يرسُمُ الخطوط العريضة على طول وعرض مسرح الأحداث وخارطةِ المواقف.