استعمارُ الفكر العربي وراء مأساة الأُمَّــة

 

أمة الملك قوارة

من وجع اليمن إلى أنين سوريا، ومن ألم العراق ولبنان إلى حزن ليبيا، ومن استباحة فلسطين إلى التنكيل بالمسلمين في الدول الإسلامية كالبوسنة والهرسك، إلى تجاهل كُـلّ تلك الأحداث بين طوائف ومجتمعات عربية أُخرى وكأن كُـلّ تلك المآسي ليست في جسد العروبة ولا تطعن في قلب العرب، في ظل نمو أفكار تُجرد أية أهميّة لذلك، ليصبح الواقع غير مكترث به من قِبل من لم تصل إلى قدميه النار، هنا يكمن الأنين والوجع، وتكتمل اللوحة المأساوية المتجددة للأُمَّـة في كُـلّ يوم.

حدثت الكثير من التغيرات السلبية واستبد الظلم في أوطان عربية، في ظل رضى دول عربية تمتلك السلطة والمقومات المادية الكاملة التي بإمْكَانها تغيير مسار الأمور والتدخل بقوة، لكنها تحولت إلى الأيد التي استخدمت لتمزيق أوصال الجسد العربي الإسلامي، حَيثُ ارتضت أَن تكونَ أدَاةً في يد القوى العالمية المؤسّسة للصراع العربي، والهادفة للاستعمار والهيمنة العالمية، لتبدأ تلك الدول طريق انحلالها عندما استجابت للضرب الفكري، وعمدت إلى تأسيس الفكر المنحل من الثقافة العربية الإسلامية.

قامت حكومات عربية متعمدة بتسويق فكر دخيل في أروع صوره إعلامياً وثقافيًّا في جذوة شعوبها، ولتمزج ذلك بتصرفات عملية على أرضها في تشجيع واضح لعامة شعوبها للتجرد من الفكر والثقافة الإسلامية والأعراف العربية، حَيثُ نرى كُـلّ ما يخالف الذوق العام الإسلامي بل الإنساني واضح في الشعوب العربية من شوارعها إلى منتجعاتها في صورة يرث لها، لتثبت تلك الحكومات نفسها كُـلّ أيد تخدُمُ دولاً عظمى، لتنجح بعدها تلك الدول في استغلال تلك الحكومات تحت ظل صمت شعوبها، الذي أرضت نزواتهم وهدّمت أفكارهم، ثم بواسطة تلك الحكومات وتحت صمت شعوبها تضرب الوطن العربي عسكريًّا وفكريا وثقافيًّا وتمزقه سياسيًّا وطائفياً.

إن الدول العربية المتجردة من مسؤوليتها تجاه قضاياها، تتجه الآن لمعارضة قرارات دول عربية وإسلامية هادفة نحو قضايا الأُمَّــة بل تتجاوز الحد إلى الاعتداء على سيادتهما، ثم ها هي تسير نحو الانحلال الكامل من كُـلّ ما يمد للدين والعروبة بصلة، ولتثبت بفعلها مأساة الأحداث المُستمرّة في عمق الساحة العربية، ولقد عمدت القوى الأجنبية استخدام العرب أنفسهم كَوسيلة لها، لتنفيذ أهدافها في الأراضي العربية بأيدٍ عربية أُخرى، وهذا ما يسهل تنفيذ كُـلّ أهدافها من خلال منظومة “الغزو الفكري” وسياسة “فرّقْ تسُدْ”، حَيثُ جندت الكثير من القادة العرب فكرياً تحت عناوين معاصرة للتعاون والتبادل الثقافي فيما بينها، لتستجيب بعدها الكثير من الدل العربية لهذه العناوين وتندرج تلقائياً تحت عباءة هذه الأفكار المخّيطة بحروف الحداثة والعصرنة.

أصبحت أغلبية الدول العربية ذات المقومات المادية الوفيرة، مجمدة فكريا أَو منومة مغناطسياً تحت منظومة من الأفكار الغربية والتي واقعها يظهر فيه كُـلّ تشويه لا يعم عن الإبصار، وباطنها استغلال لا متناه وهيمنة واستعمار، لتصبح تلك الدول مستعمرة بأرقى أنواع الاستعمار “الاستعمار الثقافي” وها هي الآن تتحَرّك آلياً وتوجيهياً بطريقة مباشرة أَو غير مباشرة، لتخدم أهداف دول عظمى، فلا تمتلك أي قرار أَو سلطة داخلية أَو خارجية، وعندما أتكلم عن تلك الدول أتحدث بدرجة أَسَاسية عن حكامها الذين تجردوا من مسؤوليتهم نحو سيادة الفكر والقرار فأصبحوا كالدُّمى متجردين حتى من سيادة أنفسهم.

إن النتيجة مؤلمة، حَيثُ أصبحت غالبية الشعوب العربية راضية بالفشل الذريع الذي تتمثلُه حكوماتها، وهي تسير في مسار حدّد لها لا يخدم تلك الشعوب ولا يخدم أية قضايا مركزية، وأحرار الفكر نراهم يملئون السجون وتسلب منهم حقوقهم وهذا عندما كان الوعي جزئيا ويغلب على تلك الشعوب طابع الاقتباس الفكري والتطبيع مع العداء، لقد أصبح واقع الأُمَّــة مأساوي عندما سلمت القيادة لحكام لا يمتلكون أهلية الحكم، بل ودونما ذلك أصبحوا في الأصل أدوات أجنبية، وتبقى حقيقتهم واضحة في ظل صمت الشعوب.

إن الأحداث أصبحت كارثية فتلك الأيدي من أصل العرب، تُستخدم بعنف ضد العروبة، وقد تجردت من كُـلّ أنواع الإنسانية ناهيك عن القيم الدينية أَو القواعد الشرعية، حَيثُ أصبحت لعبتها المفضلة هو استباحة الدماء والقتل والتشريد في عمق شعوبها بل وعمق العروبة والإسلام، والتنكيل بأحرار الفكر يمثل هوايتها المحبَّبة لها، وهي تقدم كُـلّ يوم صورة للدماء المراقة والحقوق المنتهكة لشعوب العربية ولقادات الفكر الحر وتهديها لأسيادها حباً منها وكرماً لهم، بل وتطول يداها لتشمل التأثير على الدول الإسلامية والطعن في توجّـههم وسلوكهم المحتضن للقضايا العربية والإسلامية الكبرى.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com