ثقافيون وناشطون وإعلاميون لصحيفة المسيرة: الإمام زيد إمام الثائرين وقُدوة لليمنيين ومن خلال ثورته عرفنا كيف نواجه طغاة العصر ببصيرة وجهاد
المسيرة – أيمن قائد
يحيي الشعبُ اليمني في الخامس والعشرين من شهر محرَّم كُـلّ عام ذكرى استشهاد الإمَـام زيد بن علي بن الحسين -عليهم السلام- بروح إيمانية وثورية، مستلهمين من ثورته العظيمة دروساً في الشجاعة والاستبسال لمواجهة الطغاة والمستبدين.
ويجدد اليمنيون في هذه المناسبة تأكيدَهم على المضي في مواجهة المستكبرين والظالمين دونَ خوف أَو تردّد، وكذلك الصمود في مواجهة العدوان الأمريكي السعوديّ المتواصل للعام السابع على التوالي، ومن هذه الثورة يستمد اليمنيون الفنونَ العسكريةَ في مواجهة كيد الظالمين وجبروت المعتدين، وذلك بكل حنكة وبصيرة واقتدار؛ باعتبَاره مدرسةً متكاملةً للأُمَّـة وامتداداً حقيقيًّا لتحَرّك النبي محمد -صلوات الله عليه وآله وسلم.
ويوضح الناشط الثقافي طلال الغادر أن الإمَـامَ زيداً عَلَيْــهِ السَّـلَامُ يعتبر امتداداً للنبي -صلوات الله عليه وآله- وقد تحَرّك وهو في موقعه كقائدٍ وقُدوةٍ ضد الظلم والطغيان الأموي، مُشيراً إلى أن الإمَـام زيداً -عَلَيْــهِ السَّـلَامُ- يعتبر مدرسةً للأُمَّـة بأسرها، كما قال العَلَمُ المولى يحفظه الله، وأنه قال لمن يريدون منه السكوت، ويحثونه على الصمت: “واللهِ ما يدعني كتاب الله أن أسكت”، كما كان يقول –عَلَيْــهِ السَّـلَامُ-: “كيف أسكت وقد خُولف كتاب الله وتُحُوكِمَ إلى الجبت والطاغوت واللهِ ما يدعني كتاب الله أن أسكت”.
ويضيف الغادر أن الإمَـام زيداً -عَلَيْــهِ السَّـلَامُ- حينما خضعت الأُمَّــة وهانت ورهبت سطوة الأعداء وقبلت بالذل والهوان لم يقبل بالذل والهوان واستنهض الأُمَّــة وعمل على أن يحييَ فيها روحَ المسئولية والشعور بالعزة وأن يستنهضَها بكل ما يستطيع، وكان يدرك حالةَ الرهبة السائدة في أوساط الأُمَّــة وهي من أخطر الحالات التي تستحكم بها سطوة الظالمين الرهبة والخوف ولذلك كان يقول: “ما كره قومٌ قط حر السيوف إلا ذلوا”، منوِّهًا إلى أنه حينما قال الحاكم الأموي الجائر المستكبر هشام بن عبد الملك: “واللهِ لا يأمرني أحدٌ بتقوى الله إلا ضربت عُنُقَه، قال عَلَيْــهِ السَّـلَامُ: (اتقِّ الله يا هشام) قال: أَوَمثلُكَ يأمُرُ مثلي بتقوى اللهِ. فقال عَلَيْــهِ السَّـلَامُ: “أَمَا إنه ليس أحدٌ فوقَ أن يؤمَرَ بتقوى الله ولا دون أن يأمُرَ بتقوى الله”.
ويتابع الغادر حديثه: “هكذا تحَرّك الإمَـام زيد بهِمِّه العظيم، وحرصه الكبير على إصلاح واقع أُمَّـة جده على تغيير هذا الواقع المظلم، وكان -عَلَيْــهِ السَّـلَامُ- يحمل همّ المسئولية الهمّ لأمة جده فيما تعانيه من الظلم والهوان والإذلال والقهر والاستعباد والتخريب للقيم والتزييف للمفاهيم الدينية وغير ذلك، فكان وهو ينظر إلى الثريا مجموعة النجوم البعيدة في الأعلى فيقول: “وددتُ واللهِ أن يدي ملصقة بالثريا ثم أقع، حَيثُ وقعت على الأرض أو حَيثُ وقعت فأتقطعُ قطعةً قطعةً وأن اللهَ أصلح بي أمر أُمَّـة محمد -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، مردفاً “وبروح المسئولية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى منكر الجائرين والمتسلطين والظالمين والمتمكّنين يتحَرّك -عَلَيْــهِ السَّـلَامُ- وحين خفقت الراياتُ على رأسه قال: “الحمدُ لله الذي أكمل لي ديني، ما يسرني أني لقيتُ جدي رسولَ الله يومَ القيامة ولم آمُر في أمتي بمعروف ولم أنهَ عن منكر”.
ويؤكّـد الناشط الغادر أنه هكذا تحَرّك الإمَـامُ الأعظم بهذه الروحية العظيمة، وبهذا الفهم الصحيح لمفاهيم الدين، وقيم الإسلام، وأخلاق القرآن، ويوجه رسالته الشهيرة والعظيمة والمهمة والقيّمة إلى علماء السوء الذين كانوا في صف الظالمين والجائرين والمتسلطين والحكام يدجّنون الأُمَّــة لهم ويخضعون الأُمَّــة لهم ويحرّفون مفاهيم القرآن لصالحهم فيقول:” يا علماء السوء أنتم أعظم الخلق مصيبة وأشدهم عقوبة”.
بصيرة وجهاد
من جهته، يقول الناشط الإعلامي عبد الخالق القاسمي: إن ثورة الإمَـام زيد تعني الكثير، وَمن أهم مبادئ الثورة هو الجمع بين البصيرة والجهاد تماماً كدربِ جده الإمَـام الحسين، على خلاف من يرتضي لنفسه الجلوسَ في مثل هذه الأيّام، وقد اتضحت كُـلّ الحقائق.
ويشير القاسمي في حديثه لـ “المسيرة” إلى مقولة الإمَـام زيد: “واللهِ ما كره قومٌ قَطُّ حَــرَّ السيوف إلا ذلوا”، موضحًا أن بصيرتَه أكّـدت ضرورة اصطدام الحق بالباطل في كُـلّ مكان وزمان”.
ويشير القاسمي إلى ضرورةِ التضحية بالنفس لمن لا يملك إلَّا هي، اقتدَاءً بالإمَـام زيد -عَلَيْــهِ السَّـلَامُ- الذي قال: “والله لو لم يبقَ إلا سيفي وسيفُ ابني يحيى، وأن نبيَّ الله موسى قال كلا إن معي ربي سيهدين”؛ لأَنَّه يعرف خطورة التأثر اللحظي وأن أصحابه سيعبدون العجل، مؤكّـداً أن ثورة الإمَـام زيد هي امتداد لثورة الإمَـام الحسين ضد الطغيان الأموي، فوجه الشبه كبير بين يزيد الذي استهدف الكعبة بالمنجنيق سنة 63 هجرية وبين هشام بن عبدالملك الذي أباح سب رسول الله في مجلسه، وعلى هذا الامتداد أن يستمر إلى قيام الساعة ضد كُـلّ طغيان يظهر، محذراً من الاكتفاء بتدريسه دون تطبيقه.
ويواصل القاسمي بالقول: إن أهمَّ دافع للإمَـام زيد هو الكتابِ الذي عكف عليه سنوات، موضحًا بقول الإمَـام زيد عَلَيْــهِ السَّـلَامُ: “والله ما يدعني كتابُ الله أن أسكُتَ”، فالظلم بلغ مبلغاً لا يكبل مؤمناً، لافتاً إلى أن التحَرّك لم يكن عشوائياً، بل على إثر وعي وبصيرة وإعداد مسبق، لكنها الدنيا تنكرت وأدبر معروفها واستشهد -عَلَيْــهِ السَّـلَامُ- مع ثلة من الصابرين معه.
قُدوة اليمنيين
أما الناشطُ الثقافي حسين الشرفي، فيرى أن ما نستلهمه من ثورة الإمَـام الأعظم زيد بن علي -عليهما السلام- هو ما رأيناه منذ 20 سنة عند حفيده الحسين بن بدر الدرين الحوثي، حينما خرج بثورته على الظلم والظالمين، مجسِّداً ثورةَ جده زيد بن علي –عليهم السلام-، موضحًا أنه خروج من واقع الاستضعاف للتحرّر من العبودية للطاغوت، والاستقلال والبراء مما يعمله الطغاة بالأمة الإسلامية.
ويقول الشرفي: إن الإمَـام زيداً -عَلَيْــهِ السَّـلَامُ- قُدوة اليمنيين وإمام الثائرين، وإنه من خلال ثورته العظيمة عرفنا أنه لا يمكن أن ندفع خبث المتكبرين وفساد المتجبرين إلا بالثورة ضدهم، ثورة المتحرّر من طغيانهم، وثورة المنقذ للمستضعفين من جبروتهم، مُشيراً إلى مبادئ وقيم اليمنيين التي استمدوها من أهل البيت -عليهم السلام- وارتباطهم التاريخي منذ القدم إلى يومنا هذا.
استبسالٌ وتضحية
ويقول الناشط عبد الغني الهمداني: إننا نستلهم من ثوره الإمَـام زيد -عَلَيْــهِ السَّـلَامُ- الإيمانَ الراسخَ بالله تعالى مع الشجاعة والبسالة، فقد آتاه الله الهمة والحمية والنجدة لقول الحق لا يخشى فيه لومة لائم حتى في أحرج المواقف وأشدها حاجة إلى المداراة، مُشيراً إلى القصصِ الكثيرة التي وردت عن شجاعة الإمَـام زيد، ومنها أحد المواقف البطولية عند وقوفه في مجلس طاغيه بني أمية هشام بن عبدالملك وتهديده لليهودي الذي كان يسب رسول الله -صلوات الله عليه وعلى اله- وكان حينها الطاغية هشام يقول: مَهٍ يا زيد لا تؤذِ جليسَنا، وما كان من كلامه لهشام حتى خرج من مجلسه، وهو يردّد في شجاعة وإباء: “والله لا تراني إلا حَيثُ تكره”.
ويذكر الهمداني أن تحَرّك الإمَـام هوَ نفس الامتداد في مواجهة الباطل والمستكبرين والمفسدين في الأرض في كُـلّ زمان ومكان، مستدلاً بقوله -عَلَيْــهِ السَّـلَامُ-: “من أحب الحياة عاش ذليلاً”، مُضيفاً أن هَمَّه كان الدينَ وإصلاح ما أفسده الطغاة، فقال: “واللهِ لوددت أن يدي ملصقة بالثريا، ثم أقع إلى الأرض، أو حَيثُ أقع، فأتقطع قطعةً قطعةً وأن يُصلح الله بذلك أمر أُمَّـة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم”.
ويتابع حديثه: لم يَفْتَحْ الإمَـامُ زيدٌ عَلَيْــهِ السَّـلَامُ عينَيه إلا على نفوس أذابها الحزنُ، وأضناها الألم، وصدى وقعة كربلاء لا زال يملأ الجهات، وأحداثها ماثلة للعيان، فكان ذلك سبباً كافياً لتتشبع نفسيته -عَلَيْــهِ السَّـلَامُ -بالدروس العظيمة في التضحية والفداء، والشجاعة والإباء، والبذل والعطاء المستوحاة من واقعة كربلاء.
ويضيف القاسمي: تحَرّك الإمَـامُ زيدٌ -عَلَيْــهِ السَّـلَامُ- يحمل مشروعَ التغيير، ويقفُ في وجه السلطان الجائر صادعاً بكلمة الحق؛ لتغيير الواقع الذي أحدثه بنو أمية في أمة محمد -صلوات الله عليه وعلى آله- وانعكاساً سلبياً بالأحداث التي حدثت من انحرافات للأُمَّـة بعد وفاة النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- وعدم الاستجابة لأوامر الله ورسوله، فكان هؤلاء الحكام والطواغيت نتيجة ذلك الانحراف مما استوجب على أئمة آل البيت -عليهم السلام- الصدْعَ بالحق ضد الباطل، ولو كلّف حياتهم، فلولا مواقفُ آل بيت رسول الله، ابتداءً بالإمَـام علي -عَلَيْــهِ السَّـلَامُ -والإمَـام الحسين والإمَـام الحسن والإمَـام زيد في مقارعة ومحاربة من يحاولون إفسادَ الدين باسم الدين، وتشويه القرآن باسم السُّنة، لَكانت سفينة النجاة هم بني أمية، وحكام الظلم والجور هم آل البيت عليهم السلام، ويأبى الله إلَّا أن يتم نوره، ولو كره الكافرون.
معرفة واتِّباع
بدوره، يقول الإعلامي محمد الخيواني: يجب علينا كأمة مسلمة معرفة الإمَـام زيد -عَلَيْــهِ السَّـلَامُ- المعرفة الصحيحة، حتى نسلم من اعوجاج الطرق وانحرافها، ونحظى بالحياة الكريمة التي يريدها الله لنا في دنيانا ونكون سعداءَ بالفوز بالجنة والسلامة من عذاب الله.
ويرى الخيواني أن أيةَ طريق غير تلك لن تصلَ بنا إلَّا للمهالك؛ لأَنَّنا بذلك نكون قد ابتعدنا عن القرآن الكريم، بتخلينا عن حليفِ القرآن الإمَـام زيد عَلَيْــهِ السَّـلَامُ.
ويشدّد بقوله: “إن علينا أن نؤمنَ بأن تلك الأهدافَ التي رسمها الإمَـامُ زيدٌ -عَلَيْــهِ السَّـلَامُ- مصدرُها القرآنُ؛ دفاعاً عن نفسه ووفاءً بوعد الله بحفظه، وحرصاً على سلامة أمته.