عملية انتزاع الحرية.. جديدُ الصفعات الفلسطينية للكيان الغاصب
المسيرة / خاص
هذه المرةَ، خطفت فلسطينُ الأنظارَ بفرادة المشهد، إذ ما يزال الفلسطينيون يُبْدِعون في كُـلّ المعارك العسكرية كما الافتراضية والإعلامية، وفي حروب الإرادَة أَيْـضاً، عملية انتزاع الحرية، التي قادها أسيرٌ ظل نحو 25 عاماً محتجزاً خلف الجدران، هو الأسير القائد محمود عبدالله العارضة، والذي تمكّن من الهروب التكتيكي من معتقله عبر نفق الحرية، برفقة خمسةٍ من الأسرى الأبطال وهم: “محمد قاسم العارضة، وزكريا الزبيدي، ومناضل انفيعات، وأيهم كممجي، ويعقوب قادري”.
العملية شكلت صفعة قوية، وهزة شديدة بقوة 6 ريختر في مقياس جهاز أمن الاحتلال الصهيوني لفشله الذريع في منع الأسرى من انتزاع حريتهم، رغم كُـلّ الإجراءات الأمنية الحديثة والمتطورة في هذا المعتقل الصهيوني العريق والمعروف بإجراءات الحراسة المشدّدة عليه، والذي يقع قرب مدينة بيسان، شمال فلسطين المحتلّة، ويتكون من خمسة أقسام في كُـلّ قسم منها 15 غرفة، تتسع كُـلٌّ منها لثمانية أسرى.
ليصبح سجنُ جلبوع اليومَ مصدرَ الصفعة الجديدة لصورة الكيان المهزوزة أصلاً، فتارةً من صواريخ المقاومة في غزة المحاصرة، وأُخرى من نافذةٍ صغيرةٍ يلقى عبرها قناصٌ صهيوني حتفَه برصاصةٍ فلسطينيةٍ من مسافة صفر، ويبقى السؤال حول كيفية تمكّن هؤلاء الأسرى من حفر نفقٍ من هذا النوع داخل السجن، الذي يعتبر أحد أفضل السجون في كيان الاحتلال.
عملية انتزاع الحرية التي كان أبطالها الستة قد خططوا لها وباشروا تنفيذها باستخدام استراتيجية النَّفَس الطويل، ليتمكّنوا في النهاية من العبور بحرية عبر نفقٍ حفروه بإمْكَانياتٍ بسيطة وبدائية ووسط حراسةٍ صهيونيةٍ مشدّدة، أثارت ضجة إعلامية غير مسبوقة في وسائل الإعلام العبرية، التي باشرت، أمس، بنشر تفاصيل أولية حول العملية قبل أن تأتي توجيهات حكومية صهيونية بمنع تلك الوسائل من تداول أية أخبار حول تفاصيل العملية.
لكن سرعان ما انتشر الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام ليتفاعَلَ معه الجمهورُ الفلسطيني والعربي والعالمي على حَــدٍّ سواء، مما ترك صدمة غائرة وانتقادات واسعة للمنظومة الأمنية والعسكرية في دولة الاحتلال، الأمر الذي عكس الكثير من التداعيات الخطيرة والكبيرة جِـدًّا، سواءً على هذه المنظومة الأمنية بشكلٍ عام، لا سِـيَّـما جهاز الشاباك المسؤول عن الأسرى الفلسطينيين الأمنيين، أَو على مستوى جمهور المستوطنين الصهاينة أنفسهم الذين باتوا يفقدون الثقةَ بحكومتهم.
بدوره، الإعلام الصهيوني وصف عملية انتزاع الحرية بـ”الفشل الأمني والعسكري الإسرائيلي الكبير منذ حرب 1973م”، هذا الفشل الذريع لإدارة مصلحة السجون أنها علمت بهروب الأسرى من أحد المزارعين الذي أبلغ شرطة الاحتلال عن وجود لصوص في الحقل الزراعي الخاص به دون أن يعلم هو الآخر بأنهم أسرى انتزعوا حريتهم من السجن.
الروايةُ العبرية لعملية انتزاع الحرية:
وسائل إعلام عبرية أفادت بأن “الحادث وقع في الجناح رقم 2 داخل السجن الذي يعد من أكثر السجون الإسرائيلية تحصيناً”، مُشيرةً إلى أن “هذا الجناح يقع بالقرب من سياج السجن”، وتشير التقديرات إلى أن حفر النفق استغرق عدة سنوات، وأنه “كانت تنتظر الأسرى 6 سياراتٍ للهروب، لنقلهم مباشرةً إلى الضفة الغربية”.
وأضاقت التقارير: “تم حفر النفق أسفلَ مغسلة المرحاض في الزنزانة 5 وانتهى بـ50 قدماً من الجانب الآخر لجدار السجن”.
فيما قال مسؤولون أمنيون إسرائيليون: إن “الأسرى استغلوا انشغالَ الحراس بعيد رأس السنة العبرية، ووجود قوات قليلة بالسجن”، مشيرين إلى أن “إدارة مصلحة السجون تلقت مؤخّراً معلوماتٍ على أن قد تكون هناك أعمالُ شغب في أحد السجون، لكن يبدو أن هذه المعلومات كان هدفُها إخفاءَ خطة الهروب”.
تداعياتُ العملية:
– نجاح عملية هروب الأسرى يمثل صفعةً للمؤسّسة الأمنية الإسرائيلية، ويضيف عبأً جديدًا على الاحتلال ويصب الزيت على النار، خَاصَّة بعد مقتل القناص الإسرائيلي على حدود غزة، وما تبعه من انتقادات وتداعيات سلبية لدى الاحتلال.
– ما حدث يفضح ما تدّعيه المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية، من الجهوزية العالية، والدقة والأمن واليقظة، فعملية حفر نفق كهذا تحتاجُ لفترة طويلة، وهذا يمثِّلُ إهانةً وفشلاً ذريعاً للمنظومة الأمنية والاستخباراتية الصهيونية.
– تبعاتُ هذه الحادثةِ ستكون كبيرةً وخطيرةً داخلَ المجتمع الإسرائيلي، خَاصَّة بعد الهجمة الشرسة على المؤسّسة الأمنية والجيش مؤخّراً، مما يزيد من فقدان الثقة، وحالة من عدم الاستقرار السياسي لدى دولة الاحتلال.
– العمليةُ تمثل انتصاراً كَبيراً للمقاومة الفلسطينية، وتعطي روحاً جديدة، وتمثل إنجازاً مهماً على الصعيد العسكري والنفسي للشعب الفلسطيني، ويمكنها أن تبعَثَ حالةً من التصعيد في الضفة الغربية والأراضي الفلسطينية في حال تمكّن الأسرى من الوصول لإحدى المدن الفلسطينية.
– ولا ننسى أن يكون لها أَيْـضاً تداعيات خطيرة قد تطال الأسرى؛ بسَببِ غضب وفشل إدارة مصلحة السجون من منع عملية انتزاع الأسرى في السجن، وقد يتم التضييقُ على الأسرى وسحبُ بعض التسهيلات التي يرى فيها الأسرى كردة فعل إسرائيلية.
– العمليةُ ستفرز تأثيراتٍ سلبيةً على استقرار حكومة ائتلاف بينيت ولابيد؛ بسَببِ توقيتِ تنفيذ العملية، وتأثير سلبي كبير على المنظومة الأمنية التي تستعدُّ للأعياد اليهودية.
– ومن التداعيات السلبية للاحتلال؛ بسَببِ العملية البطولية، قد يتغير الروتينُ اليومي، وقد يتم إعلان الاستنفار الأمني الكبير في كافة مناطق الضفة الغربية المحتلّة وعلى الحدود اللبنانية والحدود الأردنية؛ بحثاً عن الأسرى الأبطال.
– قد تتأثر العلاقات البينية بين الفصائل الفلسطينية، في حالة ما تمكّنت أجهزةُ الاحتلال من العثور على الأسرى بمساعدة من السلطة الفلسطينية، حَيثُ تشير تقاريرُ ميدانيةٌ إلى وجود تفاهمات حيال ذلك.
الداخل الفلسطيني وتخوُّفٌ من أجهزة السلطة:
من والأهم بالنسبة للداخل الفلسطيني ما يُقدَّمُ للأسرى الأبطال اليوم وغداً هو ألا يُصبح الفلسطيني مصدراً للمعلومة التي قد تقود إلى الأسرى الأبطال، وأن الدورَ الواقعَ على أجهزة أمن السلطة الآن مهم جِـدًّا الآن لحماية أبناء شعبها إذَا صدقت نواياها، وكفرصة لها لإثبات وطنيتها.
والأسرى الذين تمكّنوا من انتزاع حريتهم من سجن جلبوع، هم: محمود عبد الله عارضة (46 عاماً) من عرابة، معتقل منذ عام 1996م، محكومٌ عليه مدى الحياة، محمد قاسم عارضة (39 عاماً) من عرابة، معتقل منذ عام 2002م، ومحكوم عليه مدى الحياة، يعقوب محمود قادري (49 عاماً) من بئر الباشا، معتقل منذ عام 2003م، ومحكومٌ عليه مدى الحياة، أيهم نايف كممجي (35 عاماً) من كفر دان، معتقل منذ عام 2006م، ومحكومٌ عليه مدى الحياة، وزكريا زبيدي (46 عاماً) من مخيم جنين، معتقل منذ عام 2019م، وكان ما يزال موقوفاً، ومناضل يعقوب انفيعات (26 عاماً) من يعبد، معتقل منذ عام 2019م.