كاتبات وناشطات ثقافيات لـ “المسيرة”: الإمام الهادي –عليه السلام- هو الرجلُ الطاهرُ القرآني المجاهد وأراد لليمن الإصلاح والعدل والتقوى
إعداد| المركز الإعلامي للهيئة النسائية للأمانة
ينهضُ اليمانيون بروحية البذل والعطاء والتضحية والفداء، حاملين رايةَ الحق اقتدَاءً بأعلام الهدى قادة الأُمَّــة من آل المصطفى محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-، يثورون دفاعاً عن الأرض والعِرض، متلهفين لنَيلِ الحرية والكرامة، ويحملون روحية ورؤية وثقافة “هيهات منا الذلة”، متيقنين بمقولة الإمام الشهيد زيد بن علي –عليهما السلام-: “والله ما كره قوم قط حرّ السيوف إلاّ ذلوا”.
ويعد الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين -عليه السلام- واحداً من هؤلاء الأعلام الذين كان لهم ارتباطٌ وثيقٌ باليمنيين، وجسّد مقولته بأن السلطة مسؤولية وليست غنيمة؟
وترى الكاتبة والناشطة الثقافية الأُستاذة نجلاء المتوكل أن الإمامَ الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم الذي يصل نسبه الشريف إلى الإمام الحسن بن أمير المؤمنين علي -عليهم السلام- مثَّـلَ أنصعَ صور العبادة والعلم، حَيثُ منحه الله بسطةً في العلم والجسم منذ صباه، كما عُرِف -سلام الله عليه- بتقواه وخشيته من الله عز وجل وتواضعه وكرمه وأخلاقه، وعندما عاد من “طبرستان” إلى “الرَّسِّ” جاءه وفدٌ من علماء وقبائل اليمن يطالبونه بالخروج إليهم، والقيام بأمر الله سبحانه وتعالى، وألزموه ذلك أمام فاطر السموات والأرض، فخرج فيهم لإحياء كتاب الله، وإماتة البدعة والضلال؛ لأَنَّهم يعرفون جيِّدًا أن المخرجَ الوحيدَ من الحالة التي كان قد وصل إليها واقعهم من الضلال هو التمسُّكُ بالعترة، لقول رسول الله -صلوات الله عليه وآله-: (إني تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدًا، كتابَ الله وعترتي أهلَ بيتي)، فخرج مرتين إلى اليمن، في المرة الأولى لم يُعنه أحد على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعاد إلى الحجاز.
وَتواصل المتوكل بقولها: وكعادة المفرطين بترك العترة، فقد عمت الفتن، وانقطع عنهم الخيرُ والمطر، واشتد عليهم الأمر، فذهب وفدٌ آخر إلى الإمام يطالبونه بالخروج معهم بعد أن أعلنوا توبتهم وندمهم على ما فعلوا سابقًا وأعطوه البيعة، موضحة أن الخروج الآخر إلى اليمن مثّل نقلةً كبيرةً، وامتداداً لأجداده في النهج، وكما كان خروج جده الحسين -سلام الله عليه- لطلب إصلاح الدين والحياة، فقد كان خروجُ الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، حَيثُ قال: “واللهِ الذي لا إله إلا هو وحق محمد ما طلبت هذا الأمر، وما خرجت اختيارًا ولا خرجت إلَّا اضطرارًا لقيام الحجّـة علي، ولوددت أنه كان لي سعة في الجلوس”، مؤكّـدة أنه ليس غريبًا هذا الكلام، وَإنما هو متمِّمٌ لسيرة جده الحسين -عليه السلام- الذي روى عن جده رسول الله -صلوات الله عليه وآله-: “من رأى سلطانًا جائرًا مستحلًا لحرم الله ناكثًا لعهد الله مخالفًا لسنة نبيه فلم يغيّر عليه بفعل ولا بقول كان حقًا على الله أن يدخله مدخله”.
وتبين المتوكل نظرة أهل البيت –عليهم السلام- للسلطة قائلةً: “من هنا يتبين نظرة أهل البيت إلى السلطة على أنها مسؤولية وليست غنيمة، فقد جسّد -سلام الله عليه- هذه المقولة من خلال إشراك المجتمع في المسؤولية، مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعلهم في موضع الرقابة الإيجابية”، داعية في ثنايا حديثها الأُمَّــة الإسلامية إلى نصرة الحق، والقيام مع من يكون هَمُّه الأولُ الأُمَّــةَ وصلاحَها، ومن يكون منطقه “واللهِ لأن نتحول إلى ذرات تُبعثَرُ في الهواء أحبُّ إلينا وأشرفُ لدينا وأرغبُ إلى قلوبنا من أن نستسلمَ لكل أُولئك الطواغيت الأنذال المجرمين المفسدين المتكبرين”.
ولعل أشرف أعظم وأكرم وأعز وأشجع وأصدق المواقف للشعب اليمني على مر العصور هي تمسكهم بالدين الإسلامي العظيم، وبنبيه وكتابه ورموزه العظماء.
وتقول الأُستاذة والناشطة الثقافية غادة حيدر: إن الإمام الهادي يحيى بن الحسين -عليه السلام- أتى إلى اليمن من بلاد الرَّسّ ونشر الدينَ وأقام الدولة العادلة، وملأ اليمنَ مساجدَ ومدارسَ للعلم والعلماء، وأوجد نهضةً علميةً وفكريةً استمدت مبادئها وقيمها من مدرسة النبي محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- التي تناقلها أهلُ بيته الأطهار، وفي خضم الصراع والظلم والتنازع والاقتتال القبلي والطائفي الدائم في اليمن أدرك الأحرار من اليمنيين حقيقةَ الواقع المرير، وسرعانَ ما توجّـهوا صوبَ الإمام الهادي للاستنجاد به، ومبايعته فكان نِعم المُلبي ونعم المجيب.
وتشير حيدر إلى أن الإمام الهادي -عليه السلام- هو الرجلُ الطاهر القرآني المجاهد الذي أحيى الله على يده الدين، وأزاح بجهاده ظلمات الجاهلية، وهدى الناس للحق، وأقام فيهم العدلَ، وأصلح ذات بينهم وحمل المسؤولية وأحياها في روح الأُمَّــة لتغلِب الظلم وتنتصر لهذا الدين المحمدي الأصيل.
الحقُّ مسؤوليةٌ جسيمة
وتؤكّـد الكاتبة والناشطة الثقافية أميرة السلطان أن الإمام الهادي -عليه السلام- الذي ينتهي نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب -عليهم سلام الله- خرج إليه أهل اليمن لما سمعوا من أخبار عن شخصيته العظيمة وذكائه، وحسن إدارته، فما كان منهم إلا أن توجّـهوا إليه طالبين منه القدوم إلى اليمن، وكان ذلك في سنة 280 للهجرة، وكان هذا تاريخ قدومه الأول إلى اليمن، أما تاريخ قدومه الثاني فكان بعد أربع سنوات أي في سنة 284 للهجرة.
وكان مما قاله -عليه السلام- في خطاب دعوته لأهل اليمن: “أيها الناس إني أشترط لكم أربعاً عن نفسي، الحكم بكتاب الله، وسنة نبيه محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ-، وأتقدمكم في اللقاء، وأتأخر عنكم في العطاء، وأشترط لنفسي عليكم اثنتين: النصيحة لله ولي في السر والعلانية، والطاعة لأمري في كُـلّ حالاتكم ما أطعت الله، فإن خالفت أمره فلا طاعة لي عليكم”.
وَتبين السلطان كيف كانت نظرة الإمام إلى السلطة قائلةً: كانت السلطة في نظر الإمام الهادي إلى الحق مسؤوليةً جسيمةً ملقاة على عاتقه، وليست غنيمةً يجمع من خلالها الأموال ويظلم فيها الناس، ويعزل من خلالها من يريد، ويعين من يشاء، كما كان حال الطغاة ممن تولى رقاب الناس، فكان الإمام الهادي -عليه السلام- حريصًا على إقامة دولة إسلامية على تلك الأسس المذكورة في كتاب الله، وهي نفسها الأسس التي أرساها وحدّد معالمها النبيُّ محمدٌ –صلى الله عليه وآله وسلم-، حَيثُ كان الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام على عِلمٍ ويقين بعظيم تلك التضحيات التي قدمها أجداده الكرام، وسقطوا؛ مِن أجلِها شهداءَ، كما هو الحال مع الإمام علي –عليه السلام- الذي حاول جاهدًا إقامة دولة إسلامية مرجعها الوحيد كتاب الله، وكان ذلك هو نهج الإمام الحسن والحسين وزيد وغيرهم من نجوم البيت النبوي الطاهر.
وتشير السلطان إلى أن الشيخ الزهري وصف حكم الإمام الهادي بالقول: “إن أعظمَ مقاصده هو إقامة حكم إسلامي، وجمع المسلمين على كتاب الله، وقد كان يسعى جهده لجمع شمل المسلمين، وإصلاح أمورهم فيما بينهم”، لافتة إلى أن مما يدل على عظيم حكمه، وأنه لم يرد لأهل اليمن إلا الإصلاح والعدل والتقوى ولم يكن يريد السلطة أَو التسلط على رقاب المسلمين هذا الموقف، حَيثُ يحكى أن بعضاً من أهله أتوا إلى الإمام الهادي في زيارة إلى اليمن بعد أن استقام حكمه، وقويت دولته، وكانت الزكاة والخراج تُجمَعُ له من كُـلّ أنحاء اليمن، إلا أنهم اندهشوا واستغربوا من ضآلة المائدة التي قُدمت إليهم، فكان يقولُ لأهل اليمن مطمئنًا لهم: “فو الله الذي لا إله إلا هو ما أكلتُ مما جبيت من اليمن شيئاً، ولا شربت منه الماء، والله يعلم ما أقول، وما أنفق إلا من شيء جئت به من الحجاز”.
وتختتمُ السلطانُ حديثَها بالتأكيد على أن المبادئ والأخلاق والقيم التي أرساها الإمام الهادي إبّان حكمِه لَهِيَ جديرةٌ بأن تُدَرَّسَ وتؤخَذُ منها الدروسُ والعِبَرُ لكل حاكم يريد الحكم؛ لأَنَّ السلطة ليست بالأمر السهل أَو الهين الذي قد يراه البعضُ من الحكام الذين جعلوا من السلطة وسيلة لكسب الأموال ورفاهية العيش والتسلط والتحكم برقاب من يحكمونهم، وإن المتتبع لسيرة الإمام الهادي -عليه السلام- وفترة حكمه لليمن سيرى ويشاهد عظمة تطبيق هذا الدين الذي أراد لنا الله به أن نكون أعزاء وكرماء بعزة الله وبكرمه.
من جانبها، تقول الكاتبة والناشطة الثقافية صفاء السلطان: حينما انقضَّ المجرمون على أركان الدولة اليمنية من القرامطة الذين كانوا يعيثون في شمال اليمن الفساد، وينشرون الخوفَ والرعب، سارع اليمنيون لطلب النجدة من الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم الرسي الذي سكن مدينة جده رسول الله، فيلبي الإمامُ الهادي دعوةَ اليمانيين له، يقيم الحق، ويتحَرّك بإصلاحات في كافة المجالات، وقد ضرب أعظم مثال للقائد العظيم، فقال -عليه السلام-: (اطيعوني ما أطعتُ اللهَ فيكم فإنْ عصيتُه فلا طاعةَ لي عليكم)، ليقول للرؤساء: “اليوم أن لا استحكامَ لأميرٍ على رقاب الرعية”.
وقد أوضحت السلطان أن السلطة ليست مغنمًا يغتنم فيها الأمير الظالم مقدرات شعبه ويستعبدهم، وهو ما كان عليه حكم الإمام الهادي -عليه السلام- عندما قال: (السلطة مسؤولية وليست غنيمة).
ومن المجالات التي تستنهضُ الشعوبَ وتُخرِجُها من حالة الفقر هو المجال الاقتصادي، حَيثُ كان للإمام- كما تقول السلطان- الدورُ الأكبر في هذا الجانب، فقد تحَرّك الإمام الهادي -عليه السلام- بعدة إصلاحات أوصلت الرعية إلى الاستقرار، كما شد الناس إلى الزراعة؛ كونها العمود الفقري لبلد زراعي.
ومن أبرز المجالات التي تحَرّك فيها، تأهيلُ شباب متسلحين بالوعي والبصيرة في وجه الطغاة والمستكبرين.
وَتربط السلطان الماضيَ بالحاضر بقولها: اليوم نرى مجاهدينا أحفادَ الأنصار جنبًا إلى جنب مع القيادة الحكيمة من أهل البيت الذين رأوا فيهم علياً وحسناً وحسيناً وزيداً ويحيى بن الحسين، يسطّرون تحت رايتهم أعظمَ الملاحم البطولية، يرفعون رايةَ الحق في كُـلّ الميادين والجبهات.