أحرارٌ رغم عودة القيود.. (الخُرم) الذي أحدثه الأسرى الأبطال في جسد الكيان الأمنية لن يندملَ أبداً
المسيرة| عبد القوي السباعي
أمامَ أبهة التفوق الأمني الزائف، وهيلمان الترسانة المخابراتية المتغطرسة، للمؤسّسة الأمنية الصهيونية، القائمة على الدعاية والترويج، التلميع والتهويل، الترهيب والتخويف، قام ستةٌ من الأبطال الأسرى بإحداث خازوقٍ بلون الأرض في جسدها الأمني، فكانوا أول من استباح عُذريتها من هذا النوع من الفعل، وداخل حصن والدها “جلبوع” الحصين، وفي حجرة أمّها المدججة بكل أنواع الحراسة والرقابة، لينتزعوا بعدها حريتَهم، ويخرجوا في رحلةٍ لم يعدوا لها الكثير من التفاصيل، غير آبهين لِمَا قد ينالهم في ما بعدُ، فسَرَتِ الفضيحة كمسرى النارِ بالهشيم، وتردّدت على كُـلّ لسان، فولولت شمطاءُ بني صهيون وأزبدت وأرعدت، وطفقت تغطِّي على سوءتها بكل ما أوتيت من قوةٍ ومن عيونٍ أغدقت عليها بالأموال.
ومنذ الإعلان عن العملية ظلت قلوبنا تنبضُ دعاءً لأُولئك الأحرار، وتتلو على أسمائهم كُـلَّ ما حفظناه عن الجدات من أدعية التوسُّلِ إلى الله سبحانهُ وتعالى؛ كي يَرُدَّ عنهم عيونُ العِدى وكيد الظالمين، ليس لكونهم من بني جلدتنا، أو لأَنَّهم مظلومون، مقهورون فحسب، بل لأَنَّهم بادروا في إهداء هذه الأُمَّــة باقة نصرٍ في لحظة انتصار.
حتى جاءت ليلة نبضت بالحزن والأسى، فاعتقال الأسرى الأربعة من أبطال نفق الحرية وَ(خُرم جلبوع) وما رافق الخبر من رواياتٍ صهيونيةٍ ركيكة، كما هو المعتاد منها في نسج الحيل الماكرة والفبركات الخادعة، حول ظروف وملابسات العثور عليهم واعتقالهم مجدّدًا، ومن تأويلاتٍ مختلفة ومتضاربة تهدف إلى ضرب النسيج الاجتماعي الفلسطيني، غير أن الخبر نزل كالصاعقة على قلوبنا، على الرغم من أن احتماليةَ إعادة اعتقال بعضهم أَو كلّهم كانت واردةً منذ الدقيقة الأولى التي اكتشف فيها السجانون أنّ الأحرار الستة قد عبروا نفقَ الحرية وصاروا خارجَ الأسوار، وما ابتهالات أهل الحبّ على مدى الساعات الفاصلة بين الإعلان عن خروج الأسرى وبين خبر اعتقال 4 منهم، إلّا إدراكاً واعياً لاحتمال إعادة اعتقال البطلين الآخرين أَو استشهادهما.
وإذا ما أخذنا بالحُسبان، بمعايير الصراع، بمنطق النصر والهزيمة، بمبدأ الفوز والخسارة، لا يمكن لأيّ حدثٍ أَو احتمال أن يرمّم ما انكسر في البُنيان الأمني الصهيوني؛ بفعل عملية انتزاع الحرية “خُرم جلبوع”.
لقد انتصر الأسرى على سجّانهم، كُـلّ الأسرى، حتى أُولئك الذين لم يتسنَّ لهم المشاركة في العملية، بل كُـلّ الأسرى في كُـلّ المعتقلات الصهيونية، وهذا النصرُ هو نصرٌ موثّقٌ، دخل التاريخ واستقر في صدر الذاكرة العالمية، وهو نصر موثّق في عيون الصهاينة، في ارتباكهم وسقوط تحصيناتهم أمام إرادَة حرّة لا يمكن أن تُقيّد بالسلاسل ولا بالأحكام ولا بالإجراءات السجنية القاسية والتعسفية ولا بالأسوار ولا بأي أدَاة مادية أَو معنوية.
عُمُـومًا، تظل رواية الاعتقال الصهيونية تفصيلاً لا يغيّر في الواقع شيئاً، فهي لن تقلّل من قيمة النصر الذي تحقّق بكسر القيد ولو لأيام قليلة، ولا من وزن الإرادَة التي تحدّت كُـلّ الإجراءات المقيِّدة ونفّذت ما خطّطت له، ولا من علوّ الروح التي تقاتِلُ بكلّ أدواتها، وتصفعُ الصهيوني المدرَّعَ بالتكنولوجيا وبالقوّة وبالمال.
وسيظل هؤلاءِ الأبطالُ يحيلون الحزنَ غضباً يدفعُ الأحرارَ في كُـلّ العالم إلى الأمام؛ ولذلك ستظل مكانتُهم في مقدّمة القوافل الحرّة، كأحرارٍ كسروا القيود، أَو أحرارٍ أسرى أَو أحرارٍ شهداء، والعاقبة للمتقين..