عملية “البأس الشديد”: نحو “حسم” معركة مأرب
العميد يحيى سريع يكشف التفاصيل:
– تحرير 1600 كيلو متر مربع بمديريات مجزر ومدغل ورغوان في مأرب
– 161 ضربة صاروخية و319 عملية جوية استهدفت العدوّ في الداخل وفي العمق السعوديّ
– مقتل وإصابة وأسر أكثر من 15 ألف مرتزق وتدمير أكثر من 1500 آلية
المسيرة | ضرار الطيب
كشفت القواتُ المسلحة، أمس الجمعة، تفاصيلَ عملية “البأس الشديد” الكبرى التي نفّذها أبطالُ الجيش واللجان الشعبيّة في محافظة مأرب، وتكلّلت بتحريرِ العديدِ من المناطق والمعسكرات الاستراتيجية، وهي واحدةٌ من أكبر وأوسع وأهم العمليات الاستراتيجية، من حَيثُ مسرحِها الجغرافي، ومن حَيثُ الخطة العملياتية التي تضمنت مشاركة واسعة واحترافية من قبل مختلف الوحدات القتالية، وعلى رأسها القوة الصاروخية وسلاح الجو المسيّر، وَأَيْـضاً من حَيثُ ما حقّقته من إنجازات مثلت خسارة كبيرة للعدو، وفتحت مسارات مهمة نحو “حسم” معركة مأرب بشكل خاص، ومعركة التحرّر الشاملة بشكل عام.
العمليةُ التي أعلن عنها المتحدِّثُ باسم القوات المسلحة، العميد يحيى سريع، كانت قد نُفذت خلال العام الماضي، واستغرق تنفيذُها قرابة ثمانية أشهر (منذ مارس إلى نوفمبر)، وقد انطلقت من المسارات التي فتحت معظمَها عمليةُ “البنيان المرصوص” داخل محافظة مارب، وهو ما يترجمُ مجدّدًا تمكُّنَ القيادة من رسم خطط عسكرية دقيقة تتكامل فيها العمليات مع بعضها بشكل يضمن تصاعدية حجم ونوع التقدم الميداني ويجعل نتائجه ثابتة وعصية على التغيير.
هذا أَيْـضاً ما تؤكّـدُه تفاصيلُ العملية ومجرياتها المعلنة، والتي يصعُبُ تناوُلُها من جانب واحد، لكن يمكنُ الاقترابُ بإيجاز من جوانبها الأبرز، وهي كلها مترابطة معا، وأولها: الجانب التكتيكي، حَيثُ تمكّنت القواتُ المسلحة من تغطية تضاريس جغرافية متنوعة (جبال – وديان – صحراء) وبمساحة 1600 كيلو متر مربع، ضمن مديريات مدغل ومجزر ورغوان، ووضعت مسارات هجومية مناسبة لطبيعة كُـلّ منطقة، مراعية في ذلك أَيْـضاً التحديات الأُخرى المتمثلة بالغطاء الجوي المكثّـف الذي يوفّره طيران العدوان للمرتزِقة، وَأَيْـضاً الحشود الكبيرة لهم، وذلك من توسيع نطاق الخيارات القتالية برًّا وجوًّا، داخل مسرح العمليات وخارجه.
بحسب سريع، فقد نفذت القوةُ الصاروخية خلال العملية 161 ضربةً بالستيةً، منها 128 ضربة استهدفت قواتِ العدوّ في الداخل، و33 ضربة استهدفت العمق السعوديّ، فيما بلغ إجمالي عمليات سلاح الجو المسيَّر 319 عملية، منها 136 عابرة للحدود.
هذه الضربات فقط تمثِّلُ تصعيداً صاروخياً وجوياً يمكن أن يعبّر عن مرحلة مستقلة من مراحل الردع الاستراتيجي، وهو ما يضعُنا أمام زاويتَين لتوصيفِ “البأس الشديد”، فهي من زاوية ما: عمليةٌ ذات أهداف استراتيجية داخلية وخارجية معدة مسبقًا، وبالتالي فهي أكثر من مُجَـرّد عملية عسكرية خَاصَّة بجبهة مأرب، ومن الزاوية الأُخرى: هي عمليةٌ عسكريةٌ برية في المقام الأول، لكن خطتَها تتضمن تصعيداً صاروخياً وجوياً يَصُبُّ في مصلحة الهدف الرئيسي وهو التقدم على الأرض، وفي الحالتين نحن أمام مستوى عال جِـدًّا من الاحتراف في توظيف الإمْكَانات والقدرات العسكرية بشكل متزامن ضمن خطة واحدة قابلة لاستيعاب كُـلِّ الخيارات معاً (حتى الضربات الصاروخية تنوعت في قوتها ومداها بحسب الحاجة: بدر، نكال، سعير، قاصم، ذو الفقار “طويل المدى”، قُدس2 “المجنح”).
والتركيزُ هنا على الضرباتِ الصاروخية والجوية التي تضمنتها العملية، مقصودٌ فقط لملاحظة كثافة هذه الضربات، والتي تؤهلها لتشكل مساراً مستقلاً من مسارات الردع الاستراتيجي، وإلا فتنوع الخيارات القتالية ضمن خطة “البأس الشديد” الشاملة لم يظهر فقط من خلال انخراط القوة الصاروخية وسلاح الجو المسيّر في العملية، فالوحداتُ القتالية الأُخرى مثل (الهندسة، القناصة، ضد الدروع) كانت من العناصر التي تكاملت أدوارُها بشكل مدهِش واحترافي، وأبرزت اتساعَ أُفُقِ خطة العملية وتكتيكاتها للتغلب على كُـلّ التحديات.
من الناحية التنفيذية/ الميدانية، تجدِّدُ “البأسَ الشديدَ” التأكيدَ على أن المقاتِلَ اليمني في صفوف الجيش واللجان الشعبيّة، بات قادراً ومؤهلاً على تطبيقِ معادلاتٍ عسكرية معقَّدة وواسعة جِـدًّا، وبدقة متناهية، وبأفضل شكل ممكن، بل يتجاوز أعلى التوقعات، ويجعلُ تلك المعادلات أكثرَ تأثيراً مما تبدو عليه في مراحلها التخطيطية التي تعتبر هي أَيْـضاً من مهاراته الاحترافية.
رصيدٌ كبير وتراكمي من العمليات النوعية الواسعة والناجحة يؤكّـد ذلك، وتؤكّـده أَيْـضاً المشاهد المصورة التي بثها الإعلام الحربي، أمس، والتي وثّقت جانباً من مجريات عملية “البأس الشديد”، حَيثُ شوهد مجاهدو الجيش واللجان وهم يشتبكون مع عناصر العدوّ من مسافة صفر، ويصعدون إلى متارس المرتزِقة المحصنة فوق جبال وعرة، ثم يلاحقون المدرعات والدبابات في وسط الصحراء، ويوجهون ضربات مسدَّدة واحترافية لا يجد عناصر العدوّ أمامها سوى الفرار، أَو الاستسلام.
هذا التفوُّقُ تؤكّـدُه أَيْـضاً أرقامُ خسائر العدوّ، حَيثُ أعلنت القوات المسلحة تدمير أكثر من 1500 آلية ومدرعة وعربة، ومقتل وإصابة وأسر أكثر من 15 ألفَ مرتزِق خلال العملية، فمثلُ هذه الأرقام من الصعب تحديدُها أَو حتى توقُّعُها بدقة في مرحلة التخطيط، بل تعتمدُ كَثيراً على الأداء في الميدان، وهي هنا تشهد بأن أداء قوات الجيش واللجان بمختلف وحداتها استثنائي وفريد للغاية.
ولا تكتملُ صورة التميز التكتيكي والقتالي في هذه العملية، بدون النظر إلى دلالاتِها وقيمتها الاستراتيجية في مسار معركة المواجهة الشاملة، ومن هذه الناحية، يكفي أولاً تأمل خارطة العملية، لتتضح عدة أمور بالغة الأهميّة: أبرزها أن قوات الجيش واللجان الشعبيّة فتحت من خلال هذه العملية أول المسارات الرئيسية لحسم معركة مأرب؛ لأَنَّ المساحةَ المحرّرةَ في هذه العملية تقعُ في العُمق الاستراتيجي للمحافظة، وتتضمَّنُ الكثيرَ من “خطوط الدفاع والهجوم” الأَسَاسية التي كان العدوّ يعولُ كَثيراً على عليها، مثل معسكرَي “الجفرة” و”ماس” اللذين كانا من أكبر المعسكرات المستخدمة لتحشيد وتجنيد وتدريب المرتزِقة والعناصر التكفيرية، كما أنهما يسيطران على أحدِ الخطوط الرئيسية المؤدية إلى مدينة مأرب (آخر المعاقل).
وبالعودة إلى تأريخ العملية وفترة تنفيذها، نجدُ أنها كانت من الأسباب الرئيسية لارتفاع صُراخ تحالف العدوان ورُعاته الدوليين، بشأن محافظة مأرب، وهو صراخٌ أبرَزَ بشكلٍ واضحٍ حجمَ التحول الاستراتيجي الجديد الذي مثَّلت هذه العملية فاتحته، والذي وصفه ناطقُ القوات المسلحة، أمس، بأنه “مرحلةٌ جديدةٌ من مراحل تحرير اليمن من الغزاة والمحتلّين”.
هذا أَيْـضاً ما تؤكّـدُه أَيْـضاً 3 آلاف و290 غارةً جوية، شنها تحالفُ العدوان على مسرح عمليات “البأس الشديد” فقط؛ لإعاقة تقدمِ قوات الجيش واللجان الشعبيّة، إلى جانب العدد الكبير من المرتزِقة الذين دفع بهم للقتالِ هناك، والذي تعبر عنه بوضوح خسائرهم البشرية المشار إليها سابقًا.
يقودُنا هذا إلى أبعادِ توقيتِ الإعلان الرسمي عن العملية، والذي يأتي بعد أسبوع واحد فقط من إعلان تحرير مديريتَي “رحبة” و”ماهلية”، فمنذُ عملية “البنيان المرصوص” لم تعلن القواتُ المسلحة عن تفاصيلِ المواجهات في مأرب، بالرغم من اعتراف العدوِّ نفسِه بتعرضه للكثير من الهزائم، وإزالة حاجز الكتمان الرسمي الآن يحمل دلائلَ مهمةً، ترتبطُ بشكل رئيسي بإعلان قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، في خطابه الأخير عن حتميةِ “تحرير كامل أراضي البلد واستعادة كافة المناطق المحتلّة” وَالخلاص النهائي من الوصاية الأجنبية على البلد، وهو الإعلانُ الملفت الذي تحدث فيه القائد بوضوح عن “حسم الخيارات”، واعتبره معظمُ المراقبين تأكيداً على دخول مرحلة عسكرية جديدة.
ووفقاً لذلك، فَـإنَّ الكَشفَ عن تفاصيل العمليات في مأرب الآن، يؤكّـدُ أن القواتِ المسلحةَ انتقلت إلى مستوى متقدم في المعركة هو مستوى “الحسم” العسكري، وهو ما يعني سَــدَّ الباب نهائياً أمام كُـلّ محاولات تحالف العدوان ورُعاته الدوليين لاستثمارِ مِلف مأربَ وتوظيفه؛ للضغطِ على صنعاءَ سياسيًّا وإنسانيًّا وإعلاميًّا؛ مِن أجلِ إنقاذ المرتزِقة والجماعات التكفيرية، وإبقاء موارد المحافظة تحت سيطرتهم.