21 سبتمبر.. الثورة الشعبيّة الخالصة
محمد عبدالباري قاضي
يتذكر اليمنيون كيف كانت الأوضاع قبل ثورة 21 سبتمبر، ابتداءً بعدم الاستقرار السياسي وَما تخللها من مسرحيات من مفاوضات وَمبادرات وَوساطات خارجية مُرورًا بتردي الوضع الاقتصادي وَانتهاء بالانفلات الأمني غير المسبوق.
إذ ما زالنا نتذكر جيِّدًا عمليات الاغتيالات التي كانت شبه يومية وَجرائم التفجيرات التي نالت العروض العسكرية وَالتجمعات المدنية بل لم تسلم حتى المساجد وَالتظاهرات السلمية، حتى وصل الأمر لاستهداف المكان المنوط به حماية المكتسبات وَالحدود ممثلاً بمبنى وزارة الدفاع اليمنية.
كان ضباطُ الجيش وَالأمن يخشَون الخروجَ إلى الشوارع وهم بالبزة العسكرية؛ خوفاً من اغتيالهم بكل تلك الأريحية؛ لأَنَّ المجرم يدرك تماماً بأنه لن يطاله أي عقاب ما دام يتبع منظومة الوصاية السعوديّة الأمريكية.
ما زلت أتذكر جيِّدًا أَيَّـام إسقاط الطائرات العسكرية في شوارع عاصمتنا اليمنية، بل ما زالت أتذكر انعدام المشتقات النفطية وَتدهور الحالة المعيشية؛ بسَببِ جرعة الموت الأمريكية، وَكيف حاول العدوّ إركاعنا اقتصاديًّا حتى نظل تحت السمع وَالطاعة لكل الأطماع الاستعمارية.
يكفي مواجع وَدعونا نخرُج قليلًا وَنتحدث عن أهداف ثورتنا الشعبيّة اليمنية الخالصة..
إذ كان أبرز أهدافها التخلص من الوصاية وَالتبعية من خلال توجيهات السفارة السعوديّة وَالأمريكية؛ لأَنَّ الكل يعرف بأن الرئيس الفعلي لليمن هو السفير الأمريكي، بل إني أتذكر صادق الأحمر حينما تحدث في أحد اللقاءات بأن السفير الأمريكي هو شيخُ مشايخ اليمن، وَهذه شهاده من أحد أعمدة الوصاية القبلية في اليمن وَليست من مواطن بسيط.
أَيْـضاً من أهداف ثورة 21 سبتمبر الخالدة أننا كثوار تنفسنا عبق الحرية وَهتفنا بهتاف التحرّر من الارتهان وَالعبودية في كُـلّ ساحتنا الثورية، وَشارك كثير من أبناء شعبنا في رسم ملامح مستقبل دولتنا المدنية.
لذلك لا ننسى أهم عوامل صمود ثورتنا وَالذي كان بفضل الله ثم بفضل حكمة وَحنكة قيادتنا الثورية ممثله بالسيد العلم عبدالملك بن بدرالدين الحوثي، حَيثُ كان أهم رافد لتحَرّك الشعب وَخروجه للساحات، بل إنه ساهم بشكل كبير بخطاباته الثورية في توعية الشارع ليتحَرّك بخطى الواثق بانتصار هذه الثورة العظيمة.
أَيضاً تحَرّك جماهير شعبنا من كُـلّ الفئات وَالمستويات إلى كُـلّ الساحات وَبذل الأموال وَالتبرعات شكل حائط صد ضد أموال الخارج لإجهاض ثورتنا، وَبالفعل كانت الغلبة لشعبنا كون التحَرّك ضرورة محقة وَكان الله معنا رغم شحة الإمْكَانيات المتواضعة، وَهنا يكمن التأييد الإلهي الذي أذهل الداخل وَالخارج حينما فرت أدوات العمالة إلى عواصم دويلات أسياده بتلك السرعة.
واجهنا تحديات أبرزها التحديات الأمنية؛ كون الثوار مستهدفين في تجمعاتهم وَفي خروجهم وَحتى في تحَرّكاتهم الفردية، حَيثُ كانت مسدسات كاتم الصوت التركية تنتظر الكثير في الشوارع؛ بهَدفِ إسكاتهم وَإخافتهم وَقمعهم، لكن ثورتنا كانت نقطة ارتكاز جعلت من المخاوف تلك أن تتبدد وَتنتهي وَنصبح جميعنا مشاريع شهادة فباطن الأرض خير من ظاهرها وَنحن نحكم من قبل أدوات الوصاية الخارجية.
لكن بعد انتصار ثورة 21 سبتمبر نسينا كُـلّ التعب وَكُـلّ الضغوط وَكُـلّ المصاعب التي تعرضنا لها، وَأدركنا صوابية موقفنا الذي طهر بلادنا، وَالذي تحقّقت من خلاله منجزات أبرزها أمنية وَعسكرية وَاقتصادية، وَكلنا يلاحظ أوضاعنا الأمنية المستتبة إذَا ما قارنها بأوضاع المحافظات المحتلّة، إضافة إلى الانتصارات العسكرية في كُـلّ الجبهات وَمستوى التصنيع العسكري المتطور الذي وصلنا إليه بفضل الله ثم بفضل جهود الجانب العسكري.
أما في الجانب الاقتصادي، فاستقرار العملة بحد ذاته وَنحن في ظل حصار وَنقل للبنك وَطباعة عملة غير قانونية يعتبر انتصاراً اقتصاديا ساحقاً، بينما المناطق المحتلّة لديهم السيولة وَالإيرادات وَالمنافذ وَكُـلّ الدعم وَمع ذلك أوضاع الجنوب لا تسر العدو وَالتظاهرات الأخيرة شاهد عيان على صحة ما أقول.
ختامًا، نشكر كُـلّ الثوار الذين كانوا شعلة هذه الثورة المباركة وَفي مقدمة الصفوف مكون أنصار الله الذي كان الرافعة لتحقيق هذه المكاسب الثورية التي جعلتنا رقماً بين الأمم، وَنسأل من الله العلي القدير أن يرحم شهداء ثورتنا الأبرار وَيكتب أجر جرحانا الأحرار فلولاهم بعد الله لما تُوجت ثورتنا بالنصر المؤزر وَالعاقبة للمتقيين وَلا عدوان إلَّا على الظالمين.