ماذا نفعل بأحلام العائدين؟!
عفاف البعداني
كان حلم “عبدالملك السنباني” أن يعود فقط كما ذهب سالمًا معافى بروحه وبدنه، أن يرجع إلى حنايا أسرته، وجدران بيته وملامح أهله وصحبه وذويه، بعد رحلة طُمرت بالغياب، الساعة عنده كانت تشير نحو العودة، المنبه قرع طبوله معلناً في الثانية أن يعود لمدينته وموطنه، أن يشم ربيع بلده الآسر، أن يأكل من خبزه العفيف، ويروي ظمأه بمائه الزلال، كُـلّ ما في خلجه كانت أحلاماً تتعلق بمازوشية البقاء لا غير، بحاجيات الوجود البشري كالسعادة والأمان والاكتفاء، لم يحلم السنباني أن يكون رئيسًا أَو قيصرًا على مجرة درب التبانة.
لم يكن المغدور مرشحًا لحزبٍ معين أَو منتسبًا لعنصرية محدّدة، أَو مجهزًا جيشًا قويًّا معاصرًا، حقائبه كانت خالية من القنابل العنقودية، وجيبه خالٍ من دماء الأبرياء، كان حلمُه بسيطًا لا يتعدى مشارف العودة، لا يتجاوز استنشاق هواء “اليمن السعيد”، معذرة يا سادة بل أقصد “اليمن التعيس”، هكذا تسعرت الأحلام بموطني تواد منذُ البداية وحتى قبل أن تعيش أَسَاساً، هكذا هي قصص المغتربين والمقيمين على حَــدٍّ سواء، المقيم يدفع كُـلّ ساعات يومه حتى يجد ما يسد رمق أسرته، لكنه في النهاية يعيش في ظل وضع لا بأس به في الشمال في ظل وجود “أنصار الله” والمغترب يطمح لأن يحسن من وضعه فيتحمل مر الغربة، وعصارة الأرق، ليقرّر العودة عبر مطار الجنوب.
وكلاهما يحاولان أن يلتقيا بنقطة العيش، ولكن اللقاء هو منطقة مؤلمة وخطرة، بقعة داكنة ملتفة بفراشات بيض، ومشهد يؤل طريقه نحو السماء وليس نحو الأرض، اللقاء في بلدي مكلِّف يا سادة، ولا ثمن له سوى انتزاع الروح من مأمنها، فليست الشوارع كما كانت تسمح بالعبور، ليست الطرقات واسعة للجميع، أصبحت ضيقةً لكل عائد من الجنوب، تحول جنوبنا الميمون لمتاهة تحفها الأشباح من كُـلّ جانب، وخريطة فقدت مفتاح السلام منذ زمن بعيد، ومن ينفذ منها سالمًا فقد وهب عمرًا جديدًا مثلُه مثلُ الطفل المولود، ويجب أن نبعث له برقية تهنئة على السلامة والنجاة بأقرب وقت.
إذًا هذا هو التحرّرُ والأمانُ الذي دندن به العدوان منذُ بداية الحرب، هذه هي الحرية التي جاء بها الاحتلال في الجنوب، ليفسدوا ويعيثوا في الأرض قتلًا ونهبًا، دخلوا بلادنا وعلقوا الرايات، وبفضل المرتزِقة تمادوا إلى كُـلّ أفعالهم الشنيعة وغير المتوقفة.
وكم أستغرب وتنصدم عقليتي بقول البعض: “كلهم سواءٌ رعاة حروب ودماء”.. مع أن الواقع ليس ضميراً مستتراً ولا فاعلاً غائباً، بل هو بارزٌ لكل من لديه بصيرة وليس بصر، إن المناطق الشمالية التي يسيطر عليها أنصار الله، تشهد وضعية أمان أفضل حالاً، بل لا تقارن البتة بالمناطق الجنوبية التي يحكمها ألف مرتزِق وعميل، واستعمار.
وحقيقة في عز ألمي ووجعي لما هو حاصل أود أن أسأل الجنوبيين غير الشرفاء الذين باعوا حينما قالوا تحرّرنا؟؟ مما تحرّرتم؟؟ من أرضكم من بيوتكم من عرضكم، خسئت حريتكم الرخيصة التي تشدقتم بها انظروا إلى أي مدى وصل التحرّر عندكم إلى أن يعذب ويقتل عائد إلى الوطن، تمعنوا إلى أي مدى وصل عندكم التحرّر؟!.
انظروا إلى لجاننا الشعبيّة انظروا إلى مجاهدينا في جبهات العزة والشرف، اقتبسوا ولو بعض من وطنيتهم وحميتهم وغيرتهم على إخوانهم، طومر يضحي بنفسه لإنقاذ رفقائه، وقبله مجاهد يحمل جريحاً في ظل وابل من الرصاص، وكم من مشاهد تثلج الصدر، وتقر بها العين، إنني أراهن، لو تقاسم المرتزِقة أخلاق وبسالة ونخوة مجاهد واحد من مجاهدينا، لنسوا الارتزاق ومضوا قدماً نحوَ جبهات العزة والشرف، ليسقط الاحتلال وتعود اليمن كما كانت مقبرة للغزاة.