الأمم المتحدة تبرِّئ تحالف العدوان من جرائمه: “المموِّل” فوق القانون الدولي والإنساني
العزي: إيقاف عمل الخبراء دليل قاطع على إجرام التحالف وزيف كُـلّ ما يُنسب إلينا
العفو الدولية: تمت خيانة الشعب اليمني والتخلي عنه دوليًّا
رايتس ووتش: وصمة عار في جبين “حقوق الإنسان” وصفعةٌ للضحايا
إنهاء ولاية فريق الخبراء في اليمن استجابةً لضغوط سعوديّة وغربية
المسيرة | خاص
أظهرت الأممُ المتحدة، مجدّدًا، التزامَها بالانصياع لرغبات “الممولين” على حساب القوانين، حَيثُ أنهت عملَ فريق الخبراء الدوليين المحقّقين بالانتهاكات في اليمن؛ استجابةً لضغوط سعوديّة أثرت بشكل فاضح على “مجلس حقوق الإنسان” ودفعت به إلى التغاضي عن جرائم الحرب المروعة التي ارتكبها تحالف العدوان بحق اليمنيين، وتجاهل الأصوات الحقوقية الدولية المطالبة بمحاسبة المسؤولين عن تلك الجرائم، في خطوةٍ ليست غريبة على السلوك الأممي المنحاز دائماً إلى دول تحالف العدوان وقوى “البترودلار” التي لم يعد يكفيها تواطؤ فريق الخبراء معها في تغييب الجزء الأكبر من انتهاكاتها الوحشية في البلاد.
العديدُ من المنظمات الدولية، بينها “منظمة العفو” و”هيومن رايتس ووتش” كانت قد أكّـدت قبل أَيَّـام أن السعوديّة تمارس ضغوطًا مكثّـفة على “مجلس حقوق الإنسان” التابع للأمم المتحدة؛ مِن أجلِ التصويت لصالح إنهاء ولاية فريق الخبراء البارزين المعني باليمن، على خلفية تقاريره التي أوردت جزءًا بسيطًا من جرائم تحالف العدوان بحق اليمنيين، وهي ضغوطٌ كانت قد برزت ملامحُها بشكل معلَنٍ في سبتمبر الفائت عندما أعلن النظام السعوديّ على لسان مندوبه لدى المقر الأُورُوبي للأمم المتحدة، عن “رفض ولاية الفريق وعدم الاعتراف به”، ثم دفع حكومة الفارّ هادي للمطالبة بإنهاء عمله.
“رايتس ووتش” قالت: إن رضوخَ مجلس حقوق الإنسان لتلك الضغوط وإنهاء ولاية الفريق سيكون “وصمة عار على جبين المجلس وصفعة للضحايا”، فيما وصفته منظمة “العفو الدولية” بأنه “خيانة دولية مريرة للشعب اليمني”.
مع ذلك، رضخ “المجلس” الأممي للضغوط، وصوت (لأول مرة منذ إنشائه!) ضد مشروع قرار تمديد ولاية فريق الخبراء، ليتضح، مرة أُخرى، أن المنظومة الأممية مُجَـرّد واجهة تخدم الأطراف التي تمولها والتي ليس من قبيل المصادفة أن تكون هي نفس الأطراف التي تشن وتدعم العدوان الإجرامي على اليمن منذ أكثر من سبع سنوات، وتسعى لتبرئة نفسها من الجرائم التي ارتكبتها بحق اليمنيين.
وعلى الرغم من أن تقارير فريق الخبراء لم تكن موضوعيةً وحياديةً تماماً، بل تبنت الكثير من روايات وتضليلات تحالف العدوان بشأن صنعاء، إلا أن الأخيرةَ كانت طيلةَ السنوات الماضية متعاوِنةً تماماً مع الفريق الأممي الذي كان رئيسُه كمال الجندوبي قد أكّـد أن دولَ العدوان منعته من الوصولِ إلى المناطق المحتلّة، وفيما حرصت صنعاءُ على تصحيح التضليلات الواردة في تقارير الفريق، كانت دولُ العدوان تضغَطُ لإلغاء عمله تماماً.
وفي رَدٍّ على قرار إنهاء ولاية الفريق، قال نائبُ وزير الخارجية بحكومة الإنقاذ، حسين العزي: إن “إعاقة فريق كبار الخبراء عن التحقيق وإلغاء التمديد دليل قاطع على صحة وثبوت كُـلّ ما ننسبُه لتحالف العدوان من جرائمَ وعلى كذب وزيف كُـلّ ما ينسبُهُ التحالف إلينا، ولو كانت الحقيقة غير هذا لما رفضوا التحقيق وألغوا مهمة الفريق”.
وَأَضَـافَ العزي: “الشيء المؤسف أن الأمم المتحدة محكومة دائماً باعتبَارات التمويل وليس القانون”.
هذا أَيْـضاً ما أكّـده الردود الغاضبة للمنظمات الدولية التي كانت قد حذرت من خضوع “مجلس حقوق الإنسان” للضغوط السعوديّة، حَيثُ قال مدير مكتب “هيومن رايتس ووتش” في جنيف، جون فيشر: إن ما حدث يمثل “وصمة عار في سِجِلِّ المجلس”، مستنكراً موقفَ الدول الأعضاء التي “أدارت ظهرَها للضحايا، وانصاعت لضغوط التحالف الذي تقودُه المملكة العربية السعوديّة، ووضعت السياسة قبل المبادئ”.
بدورها، قالت منظمة “العفو الدولية” إن: “هذا التصويتَ هو تَخَـلٍّ عن الشعب اليمني الذي يرزح اليوم تحت أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. فقد كرست السعوديّة والبحرين والإمارات العربية المتحدة، وغيرها من أعضاء التحالف بشكل صارخ طاقاتها للتغلب على آلية التحقيق الدولية الوحيدة بشأن اليمن. وعلى الدول التي صوتت ضدّ التمديد أَو امتنعت عن التصويت أن تشعر بالخجل من تخليها عن الشعب اليمني في وقت الحاجة”.
وقال السفير الهولندي في المجلس: إن الأخيرَ “قطع حبل نجاة عن الشعب اليمني”، فيما أكّـد ممثلُ مكتب جنيف لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، جيريمي سميث أن “التصويتُ مثل فشلًا ذريعًا سيؤدي حتمًا إلى مزيدٍ من العنف والمعاناة في اليمن”.
وَأَضَـافَ سميث: “لكي نكون واضحين اختارت الدولُ التي صوَّتت ضد التجديد أَو امتنعت عن التصويت إرضاءَ المملكة العربية السعوديّة بدلاً عن حماية حياة الملايين من الناس”.
إجمالاً، لم يخف على أحد أن قرار إنهاء ولاية فريق الخبراء، كان قرارًا “مسيًّسًا” و”مموَّلًا”، يهدف لتبرئة دول العدوان، وبالتالي تبرئة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبقية القوى المتورطة بأسلحتها ومواقفها السياسية في الجرائم المرتكَبة بحق الشعب اليمني.
أما خلفيةُ الضغوط التي وقفت وراء هذه الفضيحة، فيبدو بوضوح أنها ترتبطُ مباشرةً باستراتيجية الإدارة الأمريكية الحالية التي تهدف للتهرب من الضغوط الموجهة ضد واشنطن وبقية أعضاء وأصدقاء تحالف العدوان بشأن استمرار الحرب على اليمن، وحرف مسار تلك الضغوط لتتوجّـه نحو صنعاء فقط، وقد انخرطت الأمم المتحدة في هذه الاستراتيجية بشكل واضح، من خلال تبني خدعة “السلام” الأمريكية السعوديّة التي تحمّل صنعاء مسؤوليةَ تعثر الحل، وَأَيْـضاً من خلال عدةِ مواقفَ لا تقل “انحيازًا” عن قرار إنهاء ولاية فريق الخبراء، مثل إدراج صنعاء في ما تسمى “القائمة السوداء لانتهاكات الأطفال”.
المتحدِّثُ باسم المجلس الأعلى للشؤون الإنسانية في صنعاء، طلعت الشرجبي، أشار إلى ذلك، أمس، في حديث لـ”المسيرة” جاء فيه أن “الضغوط مورست لوقف عمل الخبراء؛ خوفًا من إدانة أمريكا وبريطانيا وفرنسا بجرائم الحرب في اليمن”، وأن قرارَ عدم تمديد ولاية الخبراء، “وسيلة أممية جديدة للتآمر على الشعب اليمني”.
وأوضح الشرجبي أن “قطر لعبت دورًا قذرًا إلى جانب الإمارات والسعوديّة في الضغط لإنهاء عمل الخبراء”.
وَأَضَـافَ أن “المال السعوديَّ نجح هذه المرة مجدّدًا في شراء المواقف للإفلات من العقاب والمساءلة”.
وأكّـد الشرجبي أن صنعاء “تطالبُ بلجنة تحقيقٍ دوليةٍ مستقلةٍ بصلاحيات كاملة للتحقيق بجرائم الحرب في اليمن”، مذكراً بتصريحات رئيس فريق الخبراء التي تحدثت عن “تسهيل صنعاء لعمل الفريق بمقابل تحايل دول العدوان عليه وتعطيل عمله”.
وأشَارَ الشرجبي إلى أن تقاريرَ فريق الخبراء لم تتجاوز 30 بالمئة من الحجم الفعلي لانتهاكات القانون الدولي والإنساني التي ارتكبتها قوى العدوان في اليمن.
ويؤكّـد مراقبون ونشطاء حقوقيون أن قرار إنهاء ولاية فريق الخبراء في اليمن يفتحُ البابَ نحو المزيد من التواطؤ الدولي والأممي مع تحالف العدوان، فالتخلص من اللجنة الدولية الوحيدة التي كانت توثّق نسبةً بسيطةً من انتهاكات دول العدوان ورعاتها ومرتزِقتها، يمثل ضوءً أخضرَ لهذه الأطراف لارتكاب ما تشاء من الجرائم، كما أنه مؤشر على تأكيد الأمم المتحدة موقعها كطرف رئيسي من أطراف تحالف العدوان على اليمن، وهو ما يعني -في ظل استراتيجية “الممولين”- تركيز النشاط فقط لممارسة الضغوط على صنعاء.