الفراغُ الفكري والثقافة المعكوسة

 

د. شعفل علي عمير

لا يوجدُ حَيِّزٌ من الفراغ إلَّا وله مادة تشغل ذلك الفراغ وهذا قانون خالق الطبيعة سواء أكان ذلك الفراغ في محتواه مادياً أَو حيوياً وسواء أكانت هذه المادة التي تشغل الفراغ مادية ذات طبيعة فيزيائية أَو معنوية مُجَـرّدة من المادة.

يشبه فراغ العقل والفكر إلى حَــدٍّ كبيرٍ بفراغ المعدة فعندما يشعر الإنسان بحالة الجوع ولم يجد ما يسد جوعة فَـإنَّه يكون على استعداد أن يتناول أي أكل يبعد عنه شبح الجوع، قد يتناول أي أكل ومن أي مصدر حتى لو كان هذا الأكل غير صالح للاستخدام الآدمي وحتى وإن كان مصدر الأكل غير موثوق.

الفرق بين فراغ الفكر وفراغ المعدة هو أن فراغ المعدة يكون من السهل التخلص منه واستبداله بما هو مناسب من الغداء، بينما الفراغ الفكري يكون من الصعوبة التخلص منه واستبداله بفكر مناسب يخدم صاحبَه ومجتمعه، فالفكر يتجذر في وعي المتلقي فيصبح ثقافة تخلق لديه قناعة بما يحمله من فكر وبالتالي يخلق لديه التوجّـهات التي يعتقدُها صحيحة ومن ثم تترجم إلى سلوك وهذا ما نلاحظه في واقع حياتنا فحين نرى الطبقة التي تعد نفسها مثقفة وهي في واقع تشبعت بتلك الثقافات المعكوسة، عندها نشعر بشيء من خيبة الأمل تجاهها.

صحيح قد نعذرها في بعض أفكارها بحجّـة أننا لم نملأ ذلك الفراغ الفكري لديهم قبل أن يسبقنا العدوّ، لكن تبقى مسألة المرونةُ في تشكيل المحتوى الفكري أمراً مطلوباً، فقد حث القرآن الكريم على إعمال العقل والفكر في مسألة التأمل في مَـا هو صواب وما هو خطأ فقال سبحانه وتعالى (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ الله وَلَا أَعْلَم الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ).

وقال تعالى في إعمال العقل: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخرة خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ).

فالثقافة المعكوسة هي نتاج ذلك الحيز من الفكر الذي امتلأ بعفن الثقافات المنحرفة فيصبح الفكر والعقل خالياً مما هو مفيد نتيجة الانحراف عن معتقداتنا الدينية.

يعمل العدوّ جاهداً على سد الفراغ الفكري لدى الشباب بشتى الطرق وأخطر تلك الطرق وأسرعها هو الإعلام الذي عادة ما يكون مصاحباً لمنظمات تتغلغل في أوساط المجتمع لتخلق جيلاً بعيدًا عن الثقافة السوية التي هي الثقافة القرآنية تلك الثقافة التي تستمد فكرها من روح القرآن الكريم.

وهنا يجب أن نستفيد من تجربة الماضي فنسبق العدوّ إلى عقول وأفكار شبابنا فنحميهم من خطر تلك الثقافات المنحرفة والمغلوطة وذلك بتعبئة الفكر والعقل معاً بما هو مناسب من الثقافة فلا يجد العدوّ فراغاً ينفذ من خلاله إلى ذهنية وأفكار شبابنا.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com