ذكرى المولد محطةٌ للتزود

 

مصطفى العنسي

ونحن نستقبلُ مولدَ رسول الله (صلوات الله عليه وآله) حريٌّ بنا أن نفخرَ ونعتزَّ برسولنا ونعبِّرَ عنه بالابتهاج والفرح والسرور.. وبالاحتفاءِ تعظيمًا وتجليلًا وتوقيرًا واعتزازًا وافتخارًا (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب) (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُون).

نحتفلُ بنعمة الله وفضله الكبير علينا من منطلق محبتنا لرسوله ومن صميم إيماننا بكتابه الذي يدفعنا للتعامل مع رسوله على أَسَاس:

– الاتِّباع (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُم وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

– الطاعة (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أرسلنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا).

– التوقير (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِه وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا).

– التأسي (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخر وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).

كما يدفعنا كتابُ الله أَيْـضاً إلى الالتزام بتعاليم الله حتى في آداب التعامل مع رسوله من خلال:

– عدم التعامل معه كتعاملنا مع بعضنا بعض (لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَو يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم).

– عدم رفع الصوت في حضرته (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أصواتكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِي وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْض أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُون).

– أهميّة غض الصوت في حضرته (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أصواتهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئك الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}.

يجب أن نعززَ علاقتَنا وارتباطَنا به وأن نستحضرَه في كُـلّ شؤون حياتنا ونستمد منه الحكمة والحنكة والسياسة في مواجهة أعدائنا اليوم.. فهو أعظم قائد عسكري عرفه التاريخ.

طوى سجل حياته بالجهاد والتفاني وقاد الغزوات والسرايا فلا نكادُ نقرأَ آية تتحدث عن رسول الله إلا وهي تتوسط الحديث عن الصراع أَو المواجهة (لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأموالهِمْ وَأنفسهِمْ وَأُولئك لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

لقد واجه رسول الله الملأَ الذين استكبروا وكفروا بالله وأشركوا فهزمهم وانتصر عليهم.. ولم يستطيعوا أن ينالوا منه لا بمكرهم وخداعهم وكيدهم ولا بتآمرهم وتحالفاتهم (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَو يَقْتُلُوكَ أَو يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).

وواجه حركةَ النفاق فأفشلهم وتغلب عليهم.. وقد عرض اللهُ لنا في كتابه بعض وسائل وأساليب التخريب لحركة النفاق والتي منها:

– مؤاذاةُ النبي (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذْنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم).

– تثبيطُ الناس عن الإنفاق (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأرض وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُون).

– نشرُ الإرجاف (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إلى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَل وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِين وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ).

– التخذيلُ والتفريق (وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أهل يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارا).

– التشويهُ (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ).

– التشكيكُ والتكذيبُ (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا).

نستفيدُ من هذا كله كيف كان رسولُ الله في حركته وجهاده فنجعلُ من ذكرى مولده محطة للتزكية والفضيلة ومنهلًا للتزود بالوعي والبصيرة وواقعًا لتجسيد قيم الدين وأخلاقه العظيمة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com