أجبني يا ربيعَ قلوبنا
عفاف البعداني
ها أنا أرسو على شطِّ ميلادك أيها المصطفى، وأرتشفُ من حبك رغم ويلات السنين، ها أنا أحشر نفسي في زمرة المحبين وليس لديّ قلادة تعبدية أقابلك بها، كُـلّ ما أملكه قلباً ساكناً وروحاً منهكة، وصوتاً شاحب، لكني أحبك، رغم كُـلّ معالمي البالية، أشتاقك رغم مساوئي الجارية، أتقاوى على ضعفي وَأتمنى رؤيتك ولو بأقدام محروقة، وعافية هلامية الاستناد، أجبني يا محمد.. ودلني كيف السبيل إلى محبتك ومعيتك.
أتعلم!! يا حبيب قلوبنا عندما كنت صغيرة، كنت أنصت لسيرتك المحمودة، وأعدها من صنف الملائكة ولكني فيما بعد وجدتك بشراً على هيئة خِلقة ملائكية، عندما قالوا: إنك رحيم تمنيت لو أنهل من رحمتك وأشبع بها قساوة، تمنيت أن أُلقي أمامك عثرتي فتبعثرها كيفما شئت، عندما قالوا: إنك باسم الثغر هبت نسائم الشوق تريد أن تلقاءك وتصافحك، ولو عن بُعد ألف سنة، تريد أن تقبل أية أرض برحت قدماك عليها، تمنيت أن ألقاك وأعاصرك ولو للحظة من فتات العمر، سمعتهم يقولون: إنك جميل الخلق وحَسَنُ الصورة، فوددتُ لو أني أحظى برؤيتك ولو في سرب المنام، وفعلاً رأيتُك في سباتي المحظوظ على هيئة قمر مكتمل يمضي بذيل سحابي إلى جهة ملائكية نحو السماء المتلألئة، انقطع الحلم وعدت باسمة، لعالمي المتهالك بسرعة متزامنة.
أتعلم يا حبيب القلوب!!! حينما أكلت تمراً وشعيراً، كنت سعيد النفس ومطمئن البال، ونحن في هذا العصر نأكل ونشرب كُـلّ يوم أصناف الأطعمة المستوردة، وليس لنا من الراحة إلا أقراصاً مهدئة نشتريها بثمن باهض ولا يكفينا مفعولها الحسي ولو لساعة واحدة، تعبت أرواحنا، وهَزل فينا الجسد، بتنا نحتاج لدواء روحي منبته الكتاب العظيم.
وبعد كُـلّ هذه الضوضاء المتردية، كم هام سمعي، وتظافر حلمي، بأن أسمع صوتك، يا مهد الرحمات المباركة، أريد أن أهتدي بأنوار صدقك، وتعاملك ورحابة فضلك، سئمت من أصوات الكتب والمقولات المتواترة، أريد فقط أن أعيش كما عشت، وأعمل كما عملت، فكل من ادعى المحمدية لا يمثِّلُك ولو بقيد أنملة، كلهم يحبونك ويذكرونك بطريقة محاذية لمحاكمة العفو والصفح وجرها لمقبرة الانتقام، يتخذون من حبك سبيل لقتل الأبرياء ومقارعة الشعوب، وسكرا للبصيرة، وفرض الذات المتضخمة، يُكفروّن يولولون، يدندنون، يتشدقون، ويضجون وليس لهم من الحب إلا الضجيج، تهنا وما عدنا نرى سوى جمع قليل يتحلون بعترتك المحمدية الخالدة، وكم يزيد خوفي أن أكون من أُولئك المتشدقين، ممخضة بعرش اللا دراية، فعلاً أصبحت روحي عطشى للحب الحقيقي الذي يخرج خاوياً من تمرده، ويأخذ بي إلى مواطن العيش الزهيد.
علمني يا ربيع قلوبنا، وزاد حقولنا، وشمس دهورنا، كيف أباغت الذنوب وأزحف منها بشجاعة، علمني كيف أعبد الله بعيدًا عن خارطة التثاؤب والملل، أريد رؤية الصراط المستقيم وأتجنب من تعرجات الحياة الصعبة، أريد صفو الحياة ومدد المقاومة.
كنت نوراً للعالمين، ورحمة للمهتدين، ومعلماً للغافلين، فكن لي نوراً وهاديا، ونصيراً، يا خير خلق الله، صلواتُ الله وسلامنا عليك، فنحن أمتك ومحبوك ومناصروك إلى حين نلقاك.