رسالةُ شعب الإيمان للعالم في ذكرى ميلاد النور
أمة الملك قوارة
نورٌ اشتقه الله من نوره فأضاء الكون بميلاده، فسجدت له الشمس مع القمرِ تعظيماً، ولهيبته تتزحزحُ قصور الروم وكسرى، وسقطت الأصنام مؤذنةً بانتهاء الشرك مع الوثنية، فقام في الأُمَّــة؛ ليمحو الجهل ويرسو دعائم الهدى، متخطياً كُـلّ الصعاب ومميتاً لعاداتِ الجاهلية التي ضُيعت معها الحقوق وزُهقت بها الأرواح ظلماً، متوجّـهاً برسالته إلى العالم أجمع برحمةٍ وحبٍ وعطفٍ وإنسانيةٍ وبما احتوته تفاصيل المسؤولية تجاه واقع الأُمَّــة، فأقام دولةً على أَسَاس من الهدى الإلهي بأركان حقةٍ؛ فثبّت بعمله قبل قوله مبدأ العدالة والسلام، لتمتلئ به بعد ذلك القلوب حباً، وتنهل به نبضات الأفئدة عشقاً وتنهمر منه العقول معرفةً وعلما، ولقد شق طريقه بينابيعٍ من الإيمانِ والهدوءِ والسكينةِ، فتنفسته الأرواح طمأنينةً وغدقت به العقول الراجحة شغَفاً، وشهد له بنورانيته مستشرقو العالم في عصرنا، وثبّتهُ الباحثون من لم يدينوا بدينه بأنه أعظم رجُلٍ وجد واتزنت له الحياتين الدينية والدنيوية، وأنه قد وافق بين جميع الأمور، وسير الأحداث في خضم اضطرابها نحو السلام بما يتوافق مع الماضي والحاضر والمستقبل، وفك عُقد الحياة؛ ليجعل منها سُبلاً مستقيمةً للعطاء والازدهار.
وفي إطلالةِ ربيع الهدى علينا تزينت أرضنا بديباجها الأخضر، وَتلألأت النجوم شغفاً، لاستقباله وتعظيمه صلى عليه الله وعلى آله؛ ليتفرد شعب الإيمان بمجملِ التألق وبوفرةٍ كبيرةٍ من الحب لرسولهم، مستقبلين ميلاده وهو النور محمد نبع الهدى، وطيف الأمل، وجذع الحب، وبحر الرحمة ومحيط الخُلق الكريم بتفاصيل من الاحتفالات والفرحة التي كان أصلها جوهري بت قبل أن يكون مظهراً شكلياً، معترفين بذلك بمضامين التعريفات للنبي الخاتم بأنه خير من خُلق وخير من لآح بنورهِ وأضاء الوجود، وخير من حمل الحق ودعا إليه، وأعظم من دعا إلى الله برأفةٍ وحنانٍ، فصار متوهجاً بشعاعهِ مرسلاً دفعات لا متناهية من الحب والسلام للخَلق أجمع ومهدي السعادة والأمان للحياة وما بها، مرسلين بذلك رسالة للعالم بأن محمدًا هو أعظم البشر وأعظم من سيقتدون به في حياتهم منتهجين شريعته ومنفذين لأمرهِ وسائرين على دربهِ ومنهجه إلى يوم الاجتماع به، وأنه الرسول الذي لم يرسل للعرب بل لمن في الأرض جميعاً بمبادئهِ والقوانين التشريعية الإلهية التي أرساها، وهذه هي الأسباب التي توجب على العالم الاحتفال به وتعظيمه، فبما كن واحتوى، وأرسى وثبت، وبما دعا إليه ومثله عملاً وقولاً إنه للنبي الخاتم الذي يجب أن يجلهُ ويحتفي به وبمولده كُـلّ من في الحياة من بشرٍ ومخلوقات.
إن ميلاد النبي محمد يعتبر رحمة للعالمين لقول لله تعالى: {وَمَا أرسلنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَـمِينَ} ولشمولية رسالته، جاهد ليرسي دعائم الحق وينشر السلام، ويغزو العالم بأمان رحمته قبل حَــدِّ سيفه، فابتدأ بإرسال الرسائل لزعماء وحكام العالم مخاطباً لهم بروح الرحمةِ داعياً لهم بسلامٍ للرضوخ لحكم الله وتوحيده والالتزام بشرعه؛ مبينًا لهم أسس الحياة الآمنة الكريمة، مثبتاً بذلك أعظم أسس للإنسانية على وجه الأرض، وقد استمر في دعوته بالكلمة والموعظة الحسنة وبدليل البيانِ والتبيين حتى رمي بالحجارة وسال الدم منه، وهو غير آبهٍ بأوجاعه وآلامه؛ فطموحه وهدفه هو الوصول إلى أفئدة الناس؛ ليخرجهم من الظلماتِ إلى النور راجياً الجزاء من الله، ومن ذلك جاء حُبُّ شَعب الإيمان لتلك الشخصية التي لم ولن يرى الوجودُ مثيلاً لها في شموليتها واحتوائها لكل معاني الإنسانية ومكارم الأخلاق، وإنما كان تعريف البشر لشخصه الكريم قاصراً عما حكى الله جلَّ وعلا عنه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} ليبين لنا الله بذلك بأنه أرسله رحمة للعالمين قال تعالى: {وَمَا أرسلنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَـمِينَ} ونوراً وهدى للكون قال تعالى: {وَداعياً إلى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} موضحاً لنا سبحانه بأنه أرسله مبشراً لكافة الناس قال تعالى: {وَمَا أرسلنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أكثر النَّاسِ لَا يَعْلَـمُونَ}.
هذا ما يود شعب الإيمان إرساله وتوضيحَه للعالم باحتفالهم واحتفائهم بمولده وبتعظيمهم، وحبهم وعشقهم وإجلالهم له -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-.