زبرجدُ الميلاد
صفاء فايع
يستبشر اليمنيون بقرب ربيع، فترى الابتهاج يعلو محيَّا صغيرهم قبل الكبير، ويبدأون بمد وشاح زبرجدي اللون قد أخذ دكانة خضرته من قبة المسجد النبوي واختلط بالأبيض المشابه للون القبة المجاورة لها، وشاحٌ كأنما هو من وديان الجنة التي طالما قرأنا عن وصوفها في القرآن الكريم، يمتد من أقصى الشمال بصعدة إلى أقصى جنوب الشمال بمحافظة الضالع؛ ليضفي هذا اللون تأثيراً سحرياً على النفوس كما تؤكّـد كتب علم النفس والتنمية البشرية واصفةً قوته بالسحرية في صنع الشفاء للمرضى بعد الله، والشعور بالطمأنينة والسعادة، ولا أشك بارتباط حجر الزبرجد الكريم بلونه الأخضر البهيج بنفس الفائدة أَيْـضاً.
اشرأبت أعناق المؤمنين اليمنيين فخراً وعزةً بنيلهم شرف أكثر من يحتفل بمولد حبيبهم رسول الله في السنوات الماضية، وها هم اليوم يستعدون ليكون احتفالهم أكبر وأعظم مما كان عليه من قبل، ليس رياءً وإنما عشقاً وهياماً بمحمد، أصبح المولد النبوي بمثابة محطة يُنزلون من على أكتافهم أثقال عامهم عليها، ويروون ظمأ أرواحهم العطشى منها، ويرممون لواعج نفوسهم التواقة للسمو والقرب من الله ورسوله فيها، وعادة ما ترتبط الصدقات والنذورات عند اليمنيين بالأيّام المباركة كالمولد النبوي، فقد تبارك ربيع هذا العام بعظيم الإحسان فيه، لَكنما كان من آياته التي وقف لها ربيع بنفسه متعجبًا سخاء المحتاجين بل تبذيرهم بمظاهر الاحتفاء برسولهم، رغم كُـلّ الظروف اقتدَاء بأجدادهم الذين رفعوا سعيف النخل ودقوا الدفوف وأنشدوا لطلوع البدر.
زُينت المباني، وكتُبت الكتابات، وأُقيمت المهرجانات والندوات، وصدحت الأناشيد، وعلت أصوات الجوامع بالصلوات، وكست الخضرة أرجاء البلاد بشكل يتنامى كُـلّ يوم منذُ بداية ربيع، أليست الخضرة تنمو في ربيع؟! فلا عجب إذاً ولا عجب أن يخترق لون الخضرة القلوب فيشدوا بها لتحلق في السماء الفيروزية لربيع العشق المحمدي، منتظرة يوم الثاني عشر بفارغ الصبر، تجفُل العيون وتصحوا كُـلّ يوم على الشوق واللهفة ليوم الاثنين، وكأنما أصبح اليوم دهرًا عند البعض، وبالقرب تُزين وسائل النقل التي ستنقل العشاق بالإضاءات وتُجهز بشكل يتناسب مع تدفق السيول الخضراء إلى ساحات الاحتفال التي ستعلو هتافاتها صادحة بـ لبيك يا رسول الله.