منطلقُ الوَحدة ومولدُ الرسول الأكرم
أم روح الله وجيه الدين
مولدُ الرسول مناسبةٌ للوَحدة، ومن وحي هذه الفكرة فَـإنَّنا نتخذُ من ولادة رسولنا الأعظم -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ- مناسبةً للوحدة ونحتفي بتلك الأصول الواحدة الثابتة التي تجمع طوائف المسلمين وتجعلهم يدًا واحدةً ضد أعدائهم وتجعل ذمتهم ذمة واحدة يسعى لها أدناهم وتحيل أهدافهم إلى أهداف مشتركة أَو بالأحرى أهداف واحدة.
إن الوَحدةَ الإسلامية التي تستند إلى كتاب الله تعالى وقيادة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى أهل بيته الذين هم الامتدادُ الطبيعي له هي الوحدة المتمسكة بحبل الله والمعتصمة بعروته الوثقى، فهذا الحبل هو الذي يشد الطاقات الإسلامية ويجعل منها كتلة متراصة وبناءً متماسكًا ويشحذ العزائم.
إن الله سبحانه وتعالى شاء أن ينصر المؤمنين في عملية نصر من الله وعمليات قبلها وبعدها وينصر كتابه المقدس بهم، جاعلاً النصر الثاني شرطًا للنصر الأول، فقال في محكم كتابه الكريم “إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم”، وهَـا هي ذي جماهيرنا المسلمة تهب في كُـلّ الآفاق لنصرة الله مضحية بكل غالٍ ونفيس؛ مِن أجلِ تحقيق هذا الهدف السامي، فهَـا هو ذا نصر الله آتٍ وكل آت قريب.
الوَحدة ليست شعاراً يردّد! إن علينا اليوم ألّا نكتفي بترديد شعار الوحدة بل علينا أن نعمقها في كُـلّ بُعد من أبعاد حياتنا، فهي تعني أولاً وَقبل كُـلّ شيء نبذ كُـلّ أسباب الخلاف والإعراض عن الأهداف الضيِّقة المحدودة التي تعرض وحدتنا للخطر ونبذ المصالح والأنانية التي هي بمثابة السكين التي تطعن المسلمين في خاصرتهم وتحولهم إلى فرق شتى.
ثم علينا بالإضافة إلى ذلك أن نركز اهتمامنا على ذلك الهدف الواحد من إقامة حكم الله في الأرض معتصمين بحبل الله المتجلي في القرآن والرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ- وبعد ذلك يتعين علينا أن نتجه إلى أنفسنا وإلى فئاتنا المختلفة لنربط بعضها مع بعض في وحدات صغيرة تكبر شيئاً فشيئاً حتى تصبح الأُمَّــة الإسلامية جسدًا واحدًا من أدناها إلى أقصاها.
وَبالحق يُعرف الرجال، إن علينا أن نعرف الحق ثم نقيّم الرجال به بعد ذلك، فالحق الذي يُعرف به الرجال تُعرف به أَيْـضاً الأنظمة والأقوال والادِّعاءات، وهو الذي تهدينا إليه فطرتُنا وعقولنا وهدى كتابنا وسنة رسولنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ-، وهذا الحق هو نداء الوحدة، أما ما يطلقه هذا وذاك من أقوال تفرق المسلمين وتعمل مِن أجلِ تقسيمهم إلى فئات وأحزاب متناحرة سواء باسم الطائفية أم العُنصرية أم القومية.. أَو بأسماء أُخرى ما أنزل الله بها من سلطان فَـإنَّها ليست إلا أصناما تعبد من دون الله.
أسباب الوحدة قائمة وعلينا في هذا المجال أن نتذكر دومًا أن المسلمين كانوا وما يزالون تشدهم إلى بعضهم أسباب الوحدة وعوامل الاتّحاد أكثر مما تفرقهم عوامل النفاق والشقاق والاختلاف، وعلى الرغم من أن الاختلاف طبيعي بين البشر والله -سبحانه وتعالى- قد خلق بني آدم مختلفين عن بعضهم وجعل لكل إنسان موقعا خاصا ينطلق منه وجعل له أُسلُـوبًا ومنهجا يتمسك بهما إلا أن أسباب الوحدة ما تزال مركزة في أوساط الأُمَّــة ولا تدع لأبواق الضلالة وعوامل النفاق سبيلًا تنفذ من خلاله إلى ضمير الأُمَّــة.
مثيرو الاختلافات عاجزون، والذين يريدون تسليط الأضواء على بعض الخلافات الطبيعية بين البشر وأُولئك الذين يريدون أن يضخموا الاختلافات في اللون أَو الشكل أَو المنطقة أَو المذهب أَو اللغة أَو الإقليم فَـإنَّ هم إلا في ضلال مبين ومحاولاتهم هذه تشبه إلى حَــدٍّ كبير ذلك الذي ينفخ في الشبك أَو يرسم على الماء فماذا عساهم أن يفعلوا ضد هذا الدين المقدس الذي قاوم كُـلّ تحديات الفرقة عبر أربعة قرن رغم الشهوات والمصالح والأهواء ورغم الضغوطات الحضارية؟ وماذا عساهم أن يصنعوا بهذه الأُمَّــة الواحدة التي امتزجت دماؤها بهدي السماء ونور القرآن هذا الكتاب التي ترسخت آياته في قلوب مئات الملايين من المسلمين في أنحاء الأرض.
فأما الزبد فيذهب جُفاءً، فالقرآن الكريم يوجه الفكر والعقل ويبرمج الحياة برمجة واحدة بالنسبة إلى الجميع، أما القشريون الذين لا يرون إلا زبد الحياة والغثاء العائم فوق سيلها المندفع فهم لا يأخذون بنظر اعتبارهم قول الله -جلت أسماؤه- “فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”، فلنتخذ من حياة الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ- هدًى ومن كتاب الله حبلاً نعتصم به ونتمسك ببرامجه ومنهاجه، ولنلتف حول القادة العلماء العظماء المتمسكين بنهج الله وسنة نبيه ويحيون فينا ذكراه ومبادئه وقيمه وحياته ولنبدأ بتزكية أنفسنا وتربيتها على حب المسلمين جميعاً كما فعل رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ- وكما يفعل عظماؤنا من بعده لكي نكونَ أذلةً على المؤمنين أعزة على الكافرين، ولنعِشْ في أجواء الحق متمحورين حول القيم المقدسة، وتكوين الخلايا الموحدة ويتحقّق قول الله تعالى “إن هذه أمتكم أُمَّـة واحدة وأنا ربكم فاعبدون”، فلنحيِ ذكرى مَن له الفضلُ بأن نحيا حياةً كريمة.