الفلسفة المادية.. والمجتمع المدني النبوي
أمين المتوكل
في الدروس الفلسفية نجد أن المادة ذات بُعدين.. البعد الأول هو البعد المالي والبعد الثاني هو البعد الوجودي الذي تهتم بدراسته الفلسفة.
الفلسفة المادية هي الإيمَان بكل ما أمامنا.. بعكس ما يتم تعريف الفلسفة المثالية التي تؤمن بالمثل والقيم كما يؤمن بها أفلاطون وكانط.
ولكن هنا سأجمع بين المفهومين مع التركيز على مفهوم المادة المالي.
أليس الصراع العالمي اليوم القائم بين القوى الكبرى في العالم هو صراع مادي بكل ما للمادة من مفهوم؟
أليست المادة هي محور الصراع الفكري بين الرأسمالية والاشتراكية من قبل؟
أليست المادة هي التي كانت تحَرّك المشايخ هنا ويتم شراء الولاءات هنا وهناك؟
أليست المادة هي قُطب رحى جميع أنواع الصراع بين فئات المجتمع القبلي في العهود الماضية؟
ماذا عن أمريكا والصين وروسيا.. هل الصراع صراع عاطفة أَو فكر أم أن الصراع صراع مادة؟
النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ- في مكة قام بدعوته.. وواجه طغيان قريش وتعنتها بشكل كبير وعزيمة راسخة وقوة عظيمة وقلب مطمئن.
توجّـهت قريش إلى التفكير المادي وقامت بوضع فرضية مفادها أن محمداً لعله يريد المادة.. وأن هذهِ الفوضى التي يقوم بها ليست إلا طلباً للملك، فأعطوه آنذاك مغريات الدنيا كلها مقابل أن يكف عن مَـا هو عليه من مناوئة قريش وأصنامها ومنها أنه إذَا أراد الملك لملكوه، فذهب أبو طالب رضوان الله عليه إلى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ- يضع أمامه هذهِ الخيارات فقال له النبي (يا عمُّ.. واللهِ لو وضعوا الشمسَ في يميني والقمرَ في يساري على أن أترُكَ هذا الأمرَ ما تركتُه حتى يُظهِرَه اللهُ أَو أَهلِكَ دونَه).
من سنن الحياة أن بناء المجتمعات ونهضتها لتكون حضارة إنسانية لا تقوم إلا على يد أشخاص يضحون بالمادة ويؤمنون بالقيّم!
فالماديون لا يمكن أن يقوموا بحضارة..؛ لأَنَّ الحضارة تغيب عن ملامحها عناصر الصراع الداخلي بينما المجتمع المادي فَـإنَّه يتحَرّك في دائرة الصراع الداخلي دون أن ينهض إلى أي مستوى؛ لأَنَّ الهدف لكل واحد منهم هو إشباع نزواته وهذا يولد ساحة مليئة بالأنانية التي تعيش الاستهدافات لا الرقي بالمجتمع.
النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ- هكذا ربى أصحابَه، فنرى مصعبَ بن عمير رضوان الله عليه، وهو فتى مكة المدلل وشابها ذو الوجه النضر الجميل يترك الدنيا وما فيها ليعيش في سبيل الله يبتغي رضوان الله.
ونرى مجتمعاً ربّاه رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ- يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.
هذهِ الروحية هي التي ساهمت في نهضة الإسلام والمجتمع الإسلامي إلى يومنا هذا.. لا تسقط أمام المغريات المادية.. فهي تنظر إلى تجارة أعظم من تجارة الذهب والفضة والدينار والدرهم.. يتطلعون إلى تجارة تنجيهم من عذاب أليم يؤمنون بالله ورسوله ويجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم.
ما الذي جعل رجالنا في الجبهات ينتصرون انتصارات عظيمة على أعظم عدوان عالمي على اليمن وهم قلة قليلة في العدد والعدة!.
أليست تلك الروحية المخلصة لله التي باعت الدنيا وطلبت رضوان الله فعلم الله صدقها وأنزل الانتصارات على يديها؟!
في المقابل نرى السعوديّة والإمارات تضج من مرتزِقتها ونجد أَيْـضاً أن المرتزِقة أنفسهم يضجون من السعوديّة والإمارات.. وكل منهما يلعن الآخر ويلقي باللوم على الآخر.. والسبب أنهم مرتزِقة يتحَرّكون بالمال ويقفون عند انتهاء المال.
هؤلاء المرتزِقة لو عاشوا لله لرجعوا إلى صف الوطن ولعلموا خبايا معركة تُدار بخباثة ضد وطنهم وأنهم أول الضحايا.
لذلك عندما نحتفل بمولد رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ- فنحن اليمانيين نحتفلُ بقيَمِ الرسالة ونسعى إلى أن نجعلها واقع.. بل والواقع في ساحة الصراع بين رجال الله والعدوان السعوديّ الأمريكي الصهيوني يشهد بأننا أقرب إلى الرسالة.