الاحتفاءُ بالمولد والأُسطوانةُ المشروخة
د. فاطمة بخيت
أُسطوانةٌ مشروخةٌ وأصواتٌ نشازٌ أصبح مَن يسمعُها يشعُـــرُ بالاشمئزاز، لكن من يردّدونها يبدو أنّهم لم يعوا بعدُ قباحةَ أصواتهم وشناعتَها، وأنّهم أصبحوا منبوذين لا يسمع لهم إلا من هو على شاكلتهم، وأنّ أنصارَ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- والموالين له كُـلّ عام وهم في ازدياد، وَلا يبالون بما يقولُ الجاهلون، وأنّ المحتفلين بمولده كُـلّ عام وهم يبتكرون مظاهرَ جديدةً للفرح والابتهاج بحلول مولد مَن أضاءت لمولده السماوات والأرض، بنفوسٍ ملهوفةٍ وتواقةٍ، لا إرغاماً ولا إكراهاً، بل يرَون كُـلّ ما يقدمونه أقل ما يمكن تقديمُه للاحتفال بذكرى منجي الأُمَّــة وقائدها، وفي مقدمة المحتفلين الفقراء والمحتاجون الذين يزايد عليهم المنافقون. فإن كانت قلوبُهم ترأفُ عليهم بالفعل فلماذا لا يشاركون في حملات الإحسان إليهم؟ ولماذا إذَا قيل لأحدهم بأن يساهم بالإنفاق يختلقُ ألفَ عذر عَلَّه يجد مخرجاً من الحرج! وفي المقابل ينفق الملايين على عرس أَو مئات الآلاف على عيد ميلاد أَو ترفيه أَو ما شابه، بينما زينةُ المولد لا تكلّف سوى القليل، ولماذا إذَا قيل له بأن ينفق عليهم كما ينفق على تلك الحفلات والترفيه يصابُ بالصمم والخَرَس! فأين هم من لجان الإحسان والمتطوعين والمؤسّسات الخيرية وهيئة الزكاة التي تعملُ طيلة العام استجابةً لله ولتوجيهات القائد العَلَمِ السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي حفظه الله؟
أين هم من رسول الله في إحسانه وإيمَانه وأخلاقه وجهاده وفي نُصرته لهذا الدين ومواجهة الطغاة والمستكبرين؟! فلما يتشدقون بأنّ حب رسول الله في قلوبهم بينما هم يشنّون حملة مسعورة على إحيَاء مولده؟!.
إن المبدِّعين للمولد النبوي المدِّعين أن حُبَّ النبي في قلوبهم يجعلوننا نتساءل: أين هم من قضايا الأُمَّــة وعلى رأسها القضية الفلسطينية والأراضي التي تُحتل والحرمات التي تُنتهك! وما موقفهم ممن قتل ودمّـر وشرد وحاصر المسلمين في مختلف البلدان؟! أين موقفهم حقًّا من عدوان غاشم وحصار ظالم على بلدٍ طيلة 7 أعوام؟ ما موقفُهم من تطبيع الدول العربية مع “إسرائيل”؟ أين هم من الحرب الناعمة ورياح السلام والرياح الباردة؟! أين مواقفُهم مما يحدث من تجويز الانحراف الأخلاقي وارتكاب المحرمات في بلاد الحرمين ودين سلمان الذي ينسف ما نزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟! لماذا لا ترتفع أصواتهم عاليًا وتكثّـف حملاتهم الحاقدة سوى ضد الاحتفال بالمولد النبوي؟!
وتراهم يستعيدون ذكرياتِ الاحتفال المتواضع الذي كان يُقام قديماً ويفضّلونه على ما يُقام حَـاليًّا وإنما ذلك حتى لا يكون للاحتفال تأثيرُه الكبيرُ في نفوس الكبار والصغار والنساء والرجال والناس جميعاً!.
إن الاحتفال شعائرُ تقامُ ينعكسُ تأثيرها في النفوس وتدفعُ نحو معرفة سيرة رسول الله معرفةً صحيحةً حتى نَقتديَ به ونتأسى بمَن رفع ذكره المولى عز وجل، وإحيَاءُ المولد شعيرةٌ تدفعُ إلى مواجهة أعداء الله وأعداء رسوله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإلى إعلاء كلمة الله والجهاد في سبيل الله كما كان يجاهد رسول الله، وتدعو للاعتصام بحبل الله سُبحانَه حتى نكونَ أُمَّـةً واحدةً تأتمرُ بأمرِ الله ورسوله، في عودة صادقة إلى الرسول وسيرته ونهجه الحق في ناتجٍ قوي هو المضي على دربه صلى الله عليه وآله وسلم.