خطاب السيد عبدالملك الحوثي.. جرعة من اليقين!
عبدالملك العجري
بدايةً ننبّهُ إلا أن السيدَ عبدالملك الحوثي ليس محللاً أو خبيراً سياسياً ننتظرُ منه أن يقدمَ لنا قراءةً تحليلية بانورامية للمشهد السياسي المحلي والخارجي، فتلك ليست مهمة السيد عبدالملك ولا هي الوظيفة الطبيعية لخطاباته الجماهيرية.
السيد عبدالملك الحوثي قائدٌ ثوري وزعيم جماهيري وشعبي، وهذا الموقع هو الذي يحدد الوظائف النفسية والمعرفية لخطابات السيد الجماهيرية، وعلى أساسها يقاس نجاحها وفعاليتها.
الوظيفةُ الأساسية هي تثويرُ الجماهير وَالتحشيد والتعبئة والتوعية والتوجيه والتحذير والتنبيه والعرض الإجمالي للمشهد السياسي والشواهد من تجارب الأمم والدول في الماضي والحاضر، والكشف عن بعض كواليس السياسة بحسب ما يقتضيه المقام، ومن غير الوارد أن يحشوَها السيد بأكبر كمٍّ من المعلومات المتصلة بتفاصيل المشهد السياسي ومزاعم أطراف العدوان وتفنيدها بالحجج والبراهين والشواهد، فلهذا مقام آخر.
خطابُ السيد عبدالملك مساء اليوم (الأربعاء) بمناسبة ذكرى المولد النبوي خطاب ثوري يحفز الجماهير يرفع من معنوياتهم ويشحن من إرادتهم ويستنهض من همتهم ويصلب من عزيمتهم، ويخلق الطمأنينة والثقة في أنفسهم ويصوّب أنظارهم نحو المتربصين بهم وباليمن ويحسم لهم وبهم نتيجةَ المعركة ويحصّن جبهتهم الداخلية، فالهزيمة هي من نصيب المهزومين الرعاديد ولا حظّ لها عندَ من يتسلحون بالوعي وصلابة الإرادة وقوة الايمان، واليقين بعدالة القضية والثقة بالنفس، والاستعداد للتضحية باعتبارها أهم العناصر اللازمة لحسم المعركة مع العدوان.
والمتوقع كما هي العادة أن الجماهيرَ التي احتشدت اليوم وكل مَن تابع خطاب السيد سينتهون من سَماع الخطاب وقد حسموا نتيجةَ المعركة في نفوسهم كمقدمة لحسمها في الواقع، وصار يقينُهم بالنصر كيقين مَن عاينه، وإرادة صلبة وعزيمة فولاذية تستعذبُ التضحية في سبيل الأهداف السامية وتصميم على معانَدة الصعاب وقهر المتاعب، فثقةُ الجماهير هي دائماً من ثقة قيادتها وطمأنينتها من طمأنينة قيادتها ويقينها من يقين قيادتها وتصميمها من تصميم قيادتها وصلابتها من صلابة قيادتها وعزيمتها من عزيمة قيادتها، وعظمتها من عظمة قيادتها، وهي مهمة ليس أي شخص قادراً على أدائها ولا على توليدها في نفوس ووعي الجماهير.
هذه العناصر التي يسعى السيد عبدالملك لخلقها في نفوسِ ووعي الجماهير عناصر معنوية تفوقُ في قوتها وحسمها العناصر المادية اللازمة للمعركة تتغلبُ على الفارق في موازين القوى.
هذا البُعد النفسي استغرق الجزءَ الأكبر يأتي بعدَهُ في الدرجة الثانية العرض الإجمالي للمشهد السياسي.
السيد عبدالملك في هذا الخطاب وبعد مرور تسعة أشهر من العدوان البربري الذي يتولى النظام السعودي كِبَرَه لا يزال خصمه الأول واللدود الولايات المتحدة الأمريكية غيرَ آبه بالرسائل المراوغة التي تحاولَ أن توحيَ بها الإدارة الأمريكية لإبعاد نفسها عن الحرب العدوانية، وفي هذا السياق يشير إلى الدور السلبي لسفير الإدارة الأمريكي في محادثات جنيف2 وإرجائها إلى منتصف يناير طمعاً في المزيد من الأموال لإنعاش الخزينة الأمريكية ورغبة في إلحاق أكبر ضرر بالشعب اليمني الذي تمرد على إرادتها القاهرة. وغير ذلك الرسائل المقرفة المُثير للغثيان التي يبعثها بين حين وآخر سفير الإدارة الأمريكية إلى مسؤول العلاقات الخارجية الأخ حسين العزي.
التطور الذي ربما طرأ على النظام السعودي أن أصبح يقفُ على قدم المساواة مع إسرائيل، ويجمعهم السيد في سلة واحدة مع داعش والقاعدة وبلاك ووتر كأدوات وظيفية في إطار المشروع الأمريكي التفتيتي للمنطقة، مؤكداً أن النظام السعودي لا يملك أي مشروع سياسي أو ثقافي أو اقتصادي مستقل عن الإدارة الأمريكية يؤهلها لتزعُّم المنطقة.
السيدُ لا يفتري على النظام السعودي، فهذا الأخير منذ تأسس مرتبطاً وظيفياً بل ملتحم بالمشروع الامبريالي الغربي في البداية مع بريطانيا ومن بعدها الولايات المتحدة الوريث الشرعي، وأكثر من هذا يضعها السيد في منزلة أحط من منزلة إسرائيل، موقع لا يؤهلهم لاستحقاق صفة الحلفاء بل عملاء وزبائن متخلفين.
يتطرق السيد للشرعية الموعودة التي وعد بها النظامُ السعودي والإدارة الأمريكية زبانيتهم في اليمن، مؤكداً أن الشرعية التي يمكن أن تقدمها الولايات المتحدة والنظام السعودي هي الفوضى والشرعية الداعشية والقاعدية، فمشروع أمريكا في المنطقة هو الفوضى التفتيتية، والنظام السعودي المشروع الوحيد الذي يستطيعُ تصديره في اليمن أو غيرها المشروع الداعشي، وهو ما نراه ماثلاً أمامنا اليوم في عدن وفي غير منطقة في اليمن.
ويعيبُ السيد على القوى اليمنية التي رهنت نفسَها للرياض ويشنّع عليها التعامل اللامسؤول مع المحنة اليمنية، ومهما كانت المكاسبُ الشخصية التي يمكن أن يقبضوها من نظام الرياض ليست أكثر من طُعم وثمن بخس في مقابل الخسارة الكبيرة التي يخسرونها والمكاسب التي يحققونها لأرباب العاصفة والتدمير الذي يلحقونه بالشعب والوطن الذي ينسبون أنفسَهم إليه.
إنهم بهذا الصنيع إنما ينزلون أنفسَهم في مستنقع سحيق من الخسّة والحقارة والنذالة لا يمكن أن يقبلَ بها أيُّ شخص سَوِي النفس والعقل والضمير.
إنهم ليسوا أكثر من حجر نَرْد يقذفُ بها نظامُ الرياض في الاتجاه الذي يريدُ ويتعامل معهم كشغّالات يخدمن في بلاط الملك مقابل أجر زهيد وثمن بخس.