تفاصيل “ربيع النصر”: فتح مسارات معادلة “التحرير الشامل”
المسيرة | خاص
أعلنت القواتُ المسلحة، أمس الأحد، عن عمليةٍ عسكرية جديدة من أكبر وأوسع العمليات التي تأتي في إطار معادلة استعادة كافة الأراضي المحتلّة بشكل عام، واستكمال تحرير محافظة مأرب بشكل خاص، حَيثُ تكللت هذه العملية بتأمين كامل البوابة الاستراتيجية الجنوبية -الشرقية للمحافظة، على امتداد خمس مديريات كبرى، ثلاث منها داخل محافظة شبوة، في تحوُّلٍ ميداني مفصلي يُمَثِّــلُ ضَربةً قاتِلَةً للعديد من مخطّطات تحالف العدوان ورُعاته، ويوجّه رسائلَ قوة وثبات مهمة من موقع متقدم جِـدًّا على المستوى العسكري وعلى المستوى السياسي، وكذلك المستوى الاجتماعي.
من شبوةَ إلى مأرب
العمليةُ التي أُطلِقَ عليها اسم “ربيع النصر” تبرُّكًا بشهر المولد النبوي الشريف، وتأكيدًا على حتمية “الحسم”، أسفرت عن تحرير واستعادة رقعة جغرافية واسعة تضمنت مديريات عسيلان وبيحان وعين في محافظة شبوة، ومديريتي العبدية وحريب وأجزاء من مديريتي الجوبة وجبل مراد في محافظة مأرب، ضمن مساحة إجمالية أعلن العميد يحيى سريع أنها بلغت 3200 كيلو متر مربع، وهو ما يجعلها واحدة من أوسع العمليات العسكرية التي نفذتها قوات الجيش واللجان الشعبيّة منذ بدء الحرب، ودليلًا جديدًا على اتساع أفق الخيارات والتكتيكات لدى قيادة صنعاء، وتصاعد قدرتها وتنوع وسائلها في المعركة.
ناطق القوات المسلحة لم يكشف الكثير من تفاصيل العملية، لكن صحيفة “المسيرة” كانت قد تابعت مجرياتها خلال الفترة الماضية، حَيثُ بدأت العملية في النصف الأخير من الشهر الماضي، وبالتزامن مع ذكرى ثورة 21 سبتمبر تحديدًا، وقد تمكّنت قوات الجيش واللجان الشعبيّة في بداية العملية من تأمين مديريات عين وبيحان وعسيلان في وقت قياسي، بالتعاون مع قبائل وأحرار شبوة في تلك المديريات.
ملامحُ هذا التقدم الواسع في شبوةَ كانت قد برزت منذ تحرير نَعمان وناطع في محافظة البيضاء، لكن توقيته -بحسب ما أفادت مصادرَ مطلعة- جاء إثر تصاعد مخاوف قبائل ووجهاء بيحان وعسيلان وعين، من تسلل العناصر التكفيرية الفارَّة من البيضاء (بعد استكمال تحريرها) إلى المديريات الثلاث والتمركز فيها، الأمر الذي تبلور عنه تعاوُنٌ كبيرٌ بين أبناء تلك المديريات وبين قوات الجيش واللجان التي استجابت بسرعة وتحَرّكت لتأمين تلك المناطق وتطهيرها من قوات المرتزِقة.
تعاوُنُ أبناء المديريات الثلاث مع قوات الجيش واللجان أسهم في حسم الأمر خلال يوم واحد، وهو ما جعل هذا الإنجازَ مميزًا جِـدًّا، وعكس صورةً مدهشةً عن الموقع المتقدم الذي تمتلكُه صنعاء في مسار التحَرّك المجتمعي والقبلي السلمي، خُصُوصاً وأن تحالف العدوان كان قد حاول صناعةَ حواجزَ مناطقيةٍ خطيرة تعيق مثل هذا التواصل؛ باعتبَار شبوةَ إحدى المحافظات الجنوبية.
وعلى الرغم من أن المواجهات كانت محدودةً إلا أن انهيارَ قوات العدوّ كان كَبيراً ومدوياً، فالمديرياتُ الثلاث كانت تضُمُّ عدةَ ألوية عسكرية من قوات المرتزِقة، وقد لاذت بالفرار في مشهد مخزٍ، أكّـد على مدى هشاشة التواجد العسكري لأدوات العدوان، وكشف حقيقة الفجوة الكبيرة بينهم وبين أصحاب الأرض.
على المستوى الاستراتيجي أَيْـضاً، كان تأمين المديريات الثلاثِ ضربةً موجعة لقوى العدوان لعدة اعتبارات، أبرزها أن قوات الجيش واللجان تمكّنت من قطع خط إمدَاد “شبوة – مأرب” عن المرتزِقة، وتأمين كامل البوابة الجنوبية – الشرقية للمحافظة، وبالتالي تعزيز الطَّوق الناري المفروض على العدوِّ في مأرب، حَيثُ لم يتبقَّ أمامه إلا طريقُ إمدَاد واحد فقط هو ذلك القادم من اتّجاه حضرموت.
مفاعيلُ هذا الإنجاز برزت بسرعة على الأرض، فبعدَ 24 ساعة فقط، كانت قواتُ الجيش واللجان الشعبيّة قد أتمت تأمين مديرية “حريب” في مأرب، بالتعاون مع قبائلها، وبالتالي تعزيز السيطرة على الخط الرئيسي الواصل من شبوة، باتّجاه مديرية الجوبة التي كانت الوجهة التالية.
معركةُ العبدية
الإنجازُ المنطلِقُ من شبوةَ لم يقتصر على التقدم صوب الجوبة (البوابة الجنوبية الرئيسية نحو مدينة مأرب)؛ لأَنَّ تأمين مديريتَي “عين” و”حريب” فتح البوابتين الشمالية والشرقية نحو مديرية “العبدية” التي كانت قواتُ الجيش واللجان قد أطلت عليها من جهتَي الغرب والجنوب، وهكذا وجد العدوّ نفسَه مطوَّقًا من جميع الاتّجاهات لتبدأ مرحلة جديدة من العملية.
تميزت هذه المرحلة بارتفاع ضجيج قوى العدوان ورعاته بشكل كبير؛ لأَنَّ مجاميع وتشكيلات كبيرة من عناصر ما يسمى “القاعدة” و”داعش” وقوات مرتزِقة العدوان كانت متمركزة داخل مديرية “العبدية”، وكان مصيرها محتومًا في حال المواجهة مع قوات الجيش واللجان، وبالتالي كان الهدف من “الضجيج” هو توفير “مخرج” لتلك القوات، من خلال اتّهام صنعاء بفرضِ “حصار” على سكان المديرية التي أصبح سكانها دروعًا بشرية للتكفيريين والمرتزِقة، وبالتالي خلق ضغوط لمنع صنعاء من استكمال تحريرها.
ضجيجُ قوى العدوان، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لم يفلح في ثني قوات الجيش واللجان عن تحَرّكها المسنود بقبائل المديرية، وبعد مواجهات سقط فيها عدد كبير من قيادات وعناصر “القاعدة” و”داعش” والمرتزِقة، تم تأمينُ “العبدية” بشكل كامل، لتخرج قوى العدوان بخسارة ميدانية وعسكرية كبيرة، مضاف إليها فضيحة مدوية تكشف حجم ارتباطها بالتنظيمات التكفيرية.
وفي هذا السياق، علّق رئيس الوفد الوطني، محمد عبد السلام، على تصريحات الخارجية الأمريكية الأخيرة بشأن العبدية، مؤكّـداً أن “مطالَبةَ أمريكا بفتح ممرات آمنة للمقاتلين إدانةٌ لها بأنها على ارتباط وثيق بعناصر القاعدة وداعش الذين تم دحرهم من العبدية وتحريرها من إجرامهم”.
وَأَضَـافَ عبد السلام: “مع الاقتراب من آخر أوكارهم في مأرب يتعالى صراخ الأمريكان، زاعمين حرصًا على السلام وهم أعداء السلام في اليمن وكل العالم”.
وكان الوضعُ السيءُ للمرتزِقة والتكفيريين داخل المديرية قد أثار حملةً شنها نشطاء موالون للعدوان اتهموا فيها تحالف العدوان بـ”التخاذل”، ما دفعه إلى الإعلان عن تبني تصعيد جوي كبير على المديرية، تحول في نهاية الأمر إلى “اعترافٍ” رسمي بدعم التنظيمات التكفيرية داخل المديرية.
وبرغم من حسم المواجهة في المديرية، ما زال تحالفُ العدوان يصر على التمسك بحملة التضليل بشأن “حصار” المديرية رعلى أمل خلق ضغوط توقف تقدم قوات الجيش واللجان في ما تبقى من المحافظة، في مشهد لا يعكس إلا إفلاسًا كَبيرًا وذعرًا متزايدًا.
موقعٌ ميداني متقدم ومسارات أمامية مرعبة
ككل عملية واسعة تنفذها قوات الجيش واللجان الشعبيّة، نقلت عملية “ربيع النصر” قوات الجيش واللجان إلى موقع متقدم جِـدًّا ميدانيًّا، وفتحت مسارات “حسم” استراتيجية جديدة لعمليات قادمة مزلزلة وأشد تأثيرًا.
فيما يخص مأرب، تظهر الخريطة التي نشرها المتحدث باسم القوات المسلحة، أمس، أن قوات الجيش واللجان الشعبيّة باتت على مقربة من مركز مديرية “الجوبة” كما أنها باتت متواجدةً في مرتفعات جبلية حاكمة ضمن مديرية “جبل مراد”، وهذا يعني أولاً تجاوز معسكرات وخطوط ومناطق استراتيجية كانت تمثل خطوط دفاع مهمة لقوات المرتزِقة هناك، وثانياً: إمْكَانية التقدم في مسارات مباشرة والتفافية من شأنها أن تفتح الفصل الأخير من معركة مأرب.
بعبارة أوضح: إن اتّجاهَ التقدم في المديريتين يُفضِي إلى نقطة استراتيجية تلتقي عندها خطوط الهجوم الأمامية من الجنوب (الجوبة وجبل مراد) ومن الغرب (صرواح)، وهو ما يعني اكتمالَ الطوق الناري على العدوّ داخل مدينة مأرب، حَيثُ لن يتبقى له سوى خط دفاع وحيد هو جبال البَلَق، والطلعة الحمراء، وحمة المصارية، وبتجاوز هذا الخط ستكونُ قوات الجيش واللجان قد وصلت فعليًّا إلى أطراف مدينة مأرب من عدة جهات.
وفي شبوة، تفتحُ السيطرةُ على عسيلان وبيحان وعين، مساراتٍ أماميةً مرعبةً، تحملُ ملامحَ معادلة “استعادة كافة الأراضي المحتلّة” التي أعلنها قائدُ الثورة وتعهدت القوات المسلحة أكثرَ من مرة بتنفيذها، وهي معادلةٌ تسقط فيها بوضوح مؤامرة “التقسيم” التي حاول تحالُفُ العدوان ورُعاتُه فرضَها كأمر واقع منذ سنوات.