التحالف الأمريكي السعوديّ في اليمن يعيش ما بعد الفشل.. ولهذه الأسباب ترفض صنعاء تجميد العمليات العسكرية

 

المسيرة: طالب الحسني

في المقابلة التلفزيونية الأخيرة له – “العربية” السعوديّة، قال مبعوث الرئيس الأمريكي لليمن، ثيمي ليندركينغ، صراحةً ما كان يقولُه على طاولة المباحثات طوال الأشهر الماضية، وهذا نَصُّها (يجب أن تتوقف العمليات العسكرية في مأرب، المجتمع الدولي كله يقف ضدها وليس أمريكا فقط).

هذه التصريحاتُ تأتي وسط تصريحات كثيرة من أطراف متعددة ومن بينها ما ورد في إحاطة المبعوث الدولي السويدي هانس غراندبرغ، أمام مجلس الأمن الدولي مطلع أُكتوبر الحالي، طالب هذا الأخير أَيْـضاً بوقف العمليات العسكرية التي تنفذها العاصمة صنعاء في محافظة مأرب شرق اليمن، واختتم هذه التصريحات بإدانة مجلس الأمن الدولي لهذه العمليات.

بالعودة للخريطة العسكرية الحالية فَـإنَّ صنعاء استعادت بالفعل 13 مديرية من أصل 14 مديرية، ما يعني أنه لم يتبقَّ خارجَ سيطرتهم سوى مدينة مأرب التي تعد مركَزَ المحافظة وتجري العمليات البرية نحوها من الشمال والغرب والجنوب وباتت بحكم الساقطة عسكريًّا، ودخلت الحرب فعليا باتّجاه محافظة شبوة جنوب شرقي اليمن والمجاورة أَيْـضاً لمحافظتي مأرب والبيضاء، بعد أن استعادت العاصمة صنعاء 3 مديريات بمساحة واسعة تؤمن الوصول إلى بقية المديريات والوصول إلى البحر العربي.

ومن هنا يمكن فَهْمُ المخاوف الأمريكية والغربية ومعها أَيْـضاً السعوديّة والإمارات بشكل عام، من وصول صنعاء إلى البحر العربي بعد الحصول على النفط والغاز من المحافظتين، مأرب وشبوة، تحقيق ذلك سيغير المعادلات من زوايا متعددة عسكرية وسياسية واقتصادية واستراتيجية.

التحالف العسكري الذي تقوده السعوديّة بدعم مفتوح من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا يعيش حَـاليًّا ما بعد الفشل العسكري، والمواجهات واستعادت المحافظتين من قبل قوات العاصمة صنعاء والمجلس السياسي الأعلى الحاكم، سيكون بمثابة الطلقة الأخيرة على جسد التحالف “العربي” الذي يعيش عمليًّا مرحلة السقوط، وليس الفشل فحسب.

هذا التطور لن يفتحَ مفاوضاتٍ سياسية كما تريدها واشنطن والرياض، بل يفتح الشهية لاستعادة المحافظات الجنوبية، وربما كان هذا أمراً متوقعاً ويمكن استنتاجه من التصريحات المتكرّرة لرئيس المجلس السياسي الأعلى في العاصمة صنعاء المشير مهدي المشاط في مناسبات متعددة، عندما يقول: إن استعادة كُـلّ شبر من الأراضي اليمنية هو هدف مشروع، أوضح من ذلك ما عدده السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، في خطاب بذكرى المولد النبوي الشريف كأهداف، وتبدأ من رفع الحصار، وقف العدوان (العمليات العسكرية الجوية التي يقوم بها التحالف)، خروج القوات الغازية من الأراضي اليمنية، إعادة الأسرى وتعويض الأضرار، وهذه تحديداً هي سقف اليمن بالنسبة لوقف الحرب.

تجد العاصمة صنعاء أن هناك ضرراً كَبيراً من أية استجابة للضغوط الأمريكية بتجميد أية عمليات عسكرية في الداخل اليمني، إذ إن ذلك سيعني تسليمَ واشنطن والرياض والدول الداعمة للحرب العدوانية على اليمن إمْكَانية التلاعب بالحل السياسي وإعادة ترتيب أوراق عسكرية معينة من خلال تمديد المفاوضات وجعلها مفتوحة، مع انعدام إمْكَانية الجلوس على طاولة المفاوضات بالمرجعيات التي لا تزال تضعها السعوديّة ومن بينها القرار 2216 الذي يطالب من أنصار الله الحوثيين وحلفائهم الانسحاب من المدن وتسليم السلاح، هي مطالب غير واقعية ومستحيلة التنفيذ.

الأخطرُ من ذلك أن تنفيذَ تجميد العمليات العسكرية حتى مع فتح جزئي للحصار على اليمن يجعلُ مسألة الانفصال أمراً واقعاً ليس على شمال جنوب، بل شمال وجنوب وشرق، فوجود المجموعات المؤيدة لهادي “والشرعية” المزعومة في حضرموت ووُصُـولاً إلى المهرة ووجود الانتقالي المحسوب على الإمارات في أبين وعدن ولحج جنوب غرب اليمن سيجعل الوحدة مهدّدة والمفاوضات ستكون على إبقاء اليمن موحداً أَو تقسيمه أَو القبول بثلاثة أقاليم وهو سيناريو مطروح عند بعض الدوائر بعد أن فشلت السيطرة على كامل الخريطة اليمنية.

من هنا فَـإنَّ استمرار صنعاء برفض تجميد العمليات العسكرية ووضع مقابل ذلك شروط خروج القوات الأجنبية من الأراضي اليمنية قبل إنهاء الحرب كشرط، يهدف إلى إفشال ورقة التقسيم بعد أن أفشلت صنعاء تطبيق الدولة الاتّحادية المقسمة إلى ستة أقاليم، وهذا الإصرار يعتمد على قوة عسكرية كافية ومتكاملة لإعادة توحيد اليمن، مقابل أطراف أُخرى مفككة وضعيفة عسكريًّا وحتى شعبيًّا، إذ أن الانهيار الاقتصادي في المحافظات التي يتواجدون فيها ترك مساحات كبيرة جِـدًّا من الشعور بالإحباط وبالتالي الترحيب بصنعاء مرة أُخرى.

التجربة تقول إن الاستجابة للضغوط الأمريكية والأُورُوبية بشأن تجميد العمليات العسكرية قبل اكتمال استعادة مأرب وحتى بعدها لن تجد لها أي قبول في العاصمة صنعاء، في المقابل لن تتوقف واشنطن والرياض في تشديد العمليات العسكرية الجوية وتشديد الحصار على أمل تأخير استكمال تحرير المحافظات اليمنية على طريقة استرجاع مأرب هو ما سيهيمن على تطورات الحرب في الأشهر المقبلة، نحن أمامَ عامٍ ثامِنٍ جديدٍ من الحرب لكنه عامٌ يحملُ الكثيرَ من التحول لصالح صنعاء.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com