السعوديّة تهرب من هزيمة حتمية في اليمن إلى فشل متوقع في لبنان
المسيرة | خاص
مدفوعاً بفضيحة وذعر هزيمتِه الحتمية في اليمن بعد فشل المسانَدة الغربية التي عَوَّلَ عليها كَثيراً، لجأ النظامُ السعوديُّ إلى مغامرة مرتبكة ضد لبنان، بناءً على حسابات مغلوطة تماماً توهمه بأن الضغط على بيروت سيخفف عنه الضغط في مأرب أَو يغطي على خسارته المدوية هناك، وبقدر ما يحمله هذا الوهمُ من دلائل إفلاس وضعف وانفصال عن الواقع، جاءت أَيْـضاً “الذريعة” التي استخدمتها الرياض في هذه المغامرة، والتي تمثلت باستغلال تصريحات أدلى بها وزير الإعلام اللبناني “جورج قرداحي” قبل تعيينه، تطالب بوقف العدوان على اليمن، لتكون النتيجة على المستوى الإعلامي، عكسية، حَيثُ لم يسفر “الغضب” السعوديّ من التصريحات إلا عن زيادة في المطالبات بوقف العدوان، وليس من المتوقع أَيْـضاً أن تحقّق هذه المغامرة نتائجَ كبيرةً على المستوى السياسي في لبنان، أما فيما يتعلق بالميدان اليمني فلن تكون هناك نتائج أصلاً لهذه “المناورة” الرديئة؛ لأَنَّها غيرُ مؤثرة على الإطلاق.
تصاعدت حملةُ الترهيب الواسعة التي شنتها الرياض على لبنان؛ بسَببِ تصريحات الوزير “قرداحي” عن “عبثية” العدوان على اليمن، والتي تضمنت مطالبات بإقالته، لتصل إلى قطيعة دبلوماسية وتجارية، حَيثُ أعلنت المملكة مساء الجمعة، استدعاء سفيرها في لبنان وطلبت مغادرة السفير اللبناني لديها، وقرّرت وقف الواردات اللبنانية إلى السعوديّة، وتبعها في ذلك البحرين والكويت دبلوماسياً.
حجمُ التصعيد كشف أنه كان مدبَّرًا وليس مُجَـرّد رد فعل على تصريحات “قرداحي” (غير الرسمية) بشأن اليمن، لكن التصعيد ما زال مرتبطاً بما يجري في اليمن أَيْـضاً، حَيثُ أوضح الباحث والصحافي اللبناني، علي مراد، أن ولي العهد السعوديّ يتصرف منذ أشهر في مسار واضح هو: “استعمال ورقة الضغط على لبنان في مقابل تقدم قوات صنعاء باتّجاه مدينة مأرب”، وَأَضَـافَ أن: “الأزمة التي افتعلتها السعوديّة مع لبنان بحجّـة ما قاله جورج قرداحي كانت مُجَـرّد ذريعة لتزخيم الضغط أملاً بتحقيق أي مكسب في ملف اليمن”.
وبحسب مراد، فَـإنَّ هذا التصرف ينطلق من حسابات سعوديّة مبنية على وهم أن “إيران تفاوض بالنيابة عن حلفائها”، وأن الضغط على بيروت قد يمنح الرياض ورقة قوة في مفاوضاتها مع طهران؛ مِن أجلِ تخفيف الضغوط العسكرية على مأرب، بالرغم من صنعاء قد أوضحت وبشكل رسمي أنها لم تخول أحداً بالتفاوض نيابةً عنها وأن المحادثات الجارية بين الرياض وطهران، تخُصُّهما فقط، ولا تؤثّر على الموقف السياسي والعسكري اليمني.
علاقةُ المغامَرة السعوديّة ضد لبنان بما يجري في اليمن بدت كحقيقة واضحة وليست مُجَـرّدَ تحليل، وهذا ما يؤكّـده التوقيت أَيْـضاً؛ لأَنَّ الرياض كانت قد عولت كَثيراً طيلة الفترة الماضية على الضغوط الغربية والأممية لوقف تقدم قوات الجيش واللجان صوب مدينة مأرب، لكن بعد تحرير “الجوبة” و”جبل مراد” اتضح بشكل جلي أن تلك الضغوط لا تصل إلى الميدان وأن الهزيمة قادمة لا محالة، فتم اللجوء إلى التصعيد ضد لبنان، وإلى جانب ذريعة تصريحات “قرداحي” بشأن اليمن، حرصت الرياض في بياناتها وتصريحاتها على الإشارة إلى ما أسمته “دعم حزب الله للحوثيين”، الأمر الذي ترجم آمال السعوديّة في أن يخلق التصعيد ضغوطاً كبيرة على حزب الله الذي تتوهم بأنه يقاتلُ في اليمن، وبالتالي تتوقف مأرب تبعاً لذلك!
لكن النتائج كانت مخيِّبةً للآمال السعوديّة من اللحظة الأولى، وكشفت بشكل جلي عن حجمِ فشل الرياض في اليمن، وحجم عجزها عن التعاطي مع حقائق الواقع، وَأَيْـضاً عن مدى رعونة وسطحية قراءتها للعلاقات بين صنعاء وطهران وحزب الله.
وقد علّق رئيسُ الوفد الوطني وناطق أنصار الله، محمد عبد السلام، على هذه الحالة وقال: إن “الإمعان السعوديّ في سياسة الاستعلاء والغطرسة لا يغطّي على ما آل إليه العدوان على اليمن من فشل ذريع”. وأضاف: “نقولُ لشعب لبنان الشقيق لا يروعنَّك ما يفعلُه النظامُ السعوديّ فهو يكشِّرُ بلا أنياب بعد أن تكسَّرت على نِصالِ اليمن بفضل الله وتوفيقه”.
على المستوى الإعلامي، كان استخدامُ تصريحات “قرداحي” بشأن اليمن ذريعةً سيئةً للغاية؛ لأَنَّ حملةَ الترهيبِ السعوديّةِ التي وُجِّهت ضد الرجل بناءً على هذه التصريحات، استفزَّت الكثيرَ من الشخصيات والنُّخَبِ والنشطاء لتجديد إدانة العدوان السعوديّ على اليمن، والتذكير بجرائمه الوحشية بحق المدنيين، والتذكير أَيْـضاً بتصريحات رسمية صدرت عن العديدِ من المسؤولين والرؤساء الغربيين، والذين استخدموا نفسَ تعبير قرادحي في توصيف العدوان بـ “الحرب العبثية”، بما فيهم غوتيريش نفسه، ناهيك عن التذكيرِ بإهانات ترامب العلنية للملك السعوديّ نفسه، والتي لم تجرؤ الرياضُ على أن ترد عليها ولو بجزءٍ بسيطٍ جِـدًّا من “الاستياء” الذي أبدته تجاه رأي وزير الإعلام اللبناني.
أما سياسيًّا، وعلى الرغم من النفوذِ الكبير الذي تمتلكُه الرياض في لبنان، إلا أن موقف الوزير قرداحي الثابت، وحتى الآن العديد من المواقف السياسية في لبنان، تلغي احتمالية استقالة الوزير أَو الحكومة وتتحدث عن محاولة “حل الأزمة بالحوار”، وهو ما يمثل نتيجة غير مبشرة بالنسبة للسعوديّة وبالنظر إلى حجم الحملة الشرسة التي تشنها على لبنان، فالغرض الذي تأملُ الرياضُ تحقيقَه بوضوح هو “تفجير الساحة ضد حزب الله”، بحسب تعبير الباحث علي مراد، وهو هدفٌ صعبٌ جِـدًّا، وقد فشلت السعوديّة في تحقيقه سابقًا عندما قامت باختطاف سعد الحريري والاعتداءِ عليه وإجباره على الاستقالة، ولا يبدو أن الحملةَ الحالية تبشر بنجاح.
أما فيما يتعلق بالميدان اليمني تحديداً، فلا توجدُ نتائجُ إيجابية يمكن أن تنتظرَها الرياضُ بأي شكل من الأشكال، فحتى لو حدثت النتائجُ التي ترجوها السعوديّة في لبنان، ستواصل قواتُ الجيش واللجان استكمالَ تحرير مأرب، وستتواصل الضربات الصاروخية والجوية على العمق السعوديّ؛ لأَنَّه التصوراتِ السعوديّة التي تربطُ بين ميدانِ المواجهةِ في اليمن وبين الملف اللبناني لا أَسَاسَ لها، بل تُعَبِّــرُ عن حالة هروب فاضحة من الواقع الثابت الذي لا تمتلكُ الرياضُ فيه أيَّ مخرج من ورطة اليمن سوى وقف العدوان ورفع الحصار وإنهاء الاحتلال، ودفع التعويضات.
إجمالاً، كُـلُّ المؤشرات تقولُ: إن التصعيدَ السعوديّ تجاه لبنان سيضيفُ إلى رصيد المملكة فشلاً فضائحياً آخرَ، بالتوازي مع هزيمتها المحتومة في مأرب، وحتى احتمال دخول الغرب على خط التصعيد، لن يضيفَ الكثيرَ إلى المشهد، ففي نهاية الأمر ومهما كانت الاحتمالات، لن يتوقفَ تحريرُ مأرب، ولن يتأثرَ “حزبُ الله” بالشكل الذي تأمله الرياض؛ لأَنَّ المسألةَ أكبرُ بكثيرٍ من “الاستعراض” الدبلوماسي والترهيب.