أُخراهما أشدُّ من أُولاهما
بدرة الرميمة
“بُعثتُ بين جاهليتين أُخراهما أشدُ من أولاهما”.. حديثٌ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عبَّر فيه عن جاهليتين شديدتين، وصف الأُخرى بالأشدِّ والأعظم، فلم يكن كلام النبي عن عجلٍ أَو حديث يتواتر بعده ليؤجر حافظه ويلقب بشيوخه، إنما وحيُ السماء يوصف جاهلية من نوع آخر، مصبوغة بصباغ الدين وباطنها لحم الخنازير وموضعها اليهود والنصارى، وصف جبريل هذه الجاهلية الكبرى للنبي بكلِ شدتها وظلامها ليَصفها رسول الله بالأشد والأشر.
جاهلية قريش تجاوزت كُـلّ أنواع الظلام والضياع لارتكابها ما كان معروفاً في واقعها من الأمور المخلة بالأدب والأخلاق والإنسانية، فقتلوا أبناءهم خوف الفقر الذي يحل عليهم وخشية الفقر مستقبلاً، ووأد البنات خِشيت العار، جرائم لواقع لا يوجد فيه ما يخرجهم من هذا الضياع والظلام، فشربوا الخمور وهتكوا العرض، وأكلوا الحرام وأذاعوا الفساد والضلال حتى سطع نور الهداية إليها وأُضِيء ظلامُها بالقرآن الكريم فتبدل كُـلُّ ذلك الظلام إلى نورٍ في صدور المؤمنين فعبدوا الله حق العبادة.
انتهت جاهلية قريش والتي هي الجاهلية الأولى حتى توالت الأيّام وبدأت الجاهلية الأُخرى تظهر شيئاً فشيئاً، إلى زماننا الحاضر وظهرت جاهلية أشد وأفتك.
عادت قريش المتصهينة بصبغة يهودية حتى كانت جاهلية أشد وَأشر.
جاهلية لم تكن من جهل عقولهم أَو عدم وجود نبيهم أَو تلاوة قرآنهم لا، وإنما جاهلية بعقول متعلمة ونبي اختاره الله صفوة للعالمين وقرآن أخرج أُمَّـة من ظلام إلى ضياء، لكن قريش العصر أبت واستكبرت وجعلت أعمالها تعبر عن جاهليةٍ شديدة ومريبة فقتلت الأبرياء وهذا واضح بما تفعله بشعبي اليمني، وشربت الخمور باسمِ أنه ممزوج بماء زمزم وأحلوه، ثم أكلت اللحوم الميتة باسم الحضارة والتطور، وانتشر الفساد الأخلاقي كما هو الآن في شواطئ جدة وغيرها وما يحصل فيها من مجون وفسوق.
مدت قريش العصر يدها للصهاينة لتسلم الحرم المكي بكل توقيرٍ لليهود الصهاينة، ليبيعوا قيم الدين والإنسانية والأخلاق والكرامة؛ لم يكتفوا بهذا وحسب بل واستخدموا كهنتهم للتّحريض ضد المسلمين وحرف بوصلة العداء تجاه المسلمين أنفسهم، وقاموا بتكفير وإباحة دماء وأموال من أحيوا شعائرَ الله، ومن ثمّ تنغموا بالأوبئة لقطع ما فرض الله من شعائر دينية وعزل الناس عنها.
هذه الجاهلية فعلاً هي الأشد، وَهذه ما عبر عنها نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، هي بحذافيرها أنها الأشد والأشر؛ لأَنَّهم أعادوا الجاهلية باسم الدين والإسلام ونشروا القبائح باسم الحلال والواجب.
لكن.. في الحديث بشارةٌ تُطمئننا هي بعثة الرسول مرة أُخرى، بعثة روحية وليست جسدية، بعثةٌ لنا نحنُ الأنصار لنُجدد الدين مرةً أُخرى؛ الأوس والخزرج في قُباء ونحنُ الأوس والخزرج في اليمنِ من جديد.
في ذكرى مولد النور يعيد رسولُ الله ذكرَنا لنحيا أعزةً كُرماءَ، نجدد ولاءَنا لرسول الله ليجدد فينا نورَهُ لنضيءَ ظلام قريش العصر، نحيي ذكره ليُعلمنا ويزكينا ويزيدنا قوةً ضد جاهلية شديدة فتزدادنا الرحمة للمؤمنين والشدة للكفار والمنافقين حتى نُسقطهم ونفتح مكة من جديد وروح نبينا في البداية وجيوش الأنصار خلفه مردّدين الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، وصارخين بصرخةٍ تكسر عروش الطغاة بالموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام.
وختامًا يقول النبي محمد صلى الله عليه وآله: “لو سلك الناسُ وادياً وسلك الأنصار وادياً لسلكت وادي الأنصار”.