واقعُ البحوث العلمية في البلدان العربية

 

د. شعفل علي عمير

تعتبرُ مراكز البحوث العلمية الوعاء أَو المكان الذي يصطاد الأفكارَ ويطوِّرها بطريقة تجعل من هذه الأفكار قناةً تصُبُّ في قالب بحثي تستمر في عملية تطويرها تلك المراكز المتخصصة لتحولها من مُجَـرّد أفكار إلى بحوث علمية تشكل مستقبلًا رؤية تترجم هذه الأفكار إلى واقع يسهم في تنمية المجالات التي انبثقت منها هذه الأفكار ويعتبر الاستثمار في البحوث العلمية هي ركيزة ومحور التحول من واقع متخلف إلى واقع أكثر تطوراً، واقع يحاكي ويواكب العصر.

لا ينكر أحد العلاقةَ القوية بين البحوث العلمية ومدى التنمية الاقتصادية لأي بلد.

وتكمن أهميّة الاستثمار في مجال البحوث العلمية ودوره في نقل وتوطين التكنولوجيا، وُصُـولاً إلى إنتاجها محلياً ليصبح ركناً أَسَاسياً من أركان المعرفة الإنسانية في البلد لكل مناحي الحياة سواء تلك المتعلقة بمجال الزراعة أَو الصناعة بمختلف اتّجاهاتها أَو الجانب الخدمي، ويتوقف مدى تطور أي بلد بما تملكه من مخرجات وبحوث علمية، وعادة ما تتجه غالبية الدول التي تكون في مواجهة مع أعداء لها سواءٌ أكانت تلك المواجهة عسكرية مباشرة أَو اقتصادية تمثل نِدًّا لها في النصيب السوقي تتجهُ إلى تعزيز ودعم جانب الابتكار والبحوث التي تعينها على مواجهة خصومها بشتى المجالات.

ويعود السبب الرئيسي للطفرة التكنولوجية إلى الصراعات الاقتصادية والعسكرية التي جعلت من تلك الدول تزيد من استثمارها المعرفي وتضاعف من نسبة الإنفاق على الجانب البحثي، فعلى سبيل المثال أنفقت إسرائيل التي لا يتجاوز عدد سكانها 8 ملايين نسمة على مجالات البحث العلمي في عام (2008) فقط (9) مليارات دولار، بينما جاء الإنفاق للدول العربية جميعاً ما يقرب من (5) مليارات دولار، هذا في جانب مخصصات الإنفاق العلمي وهو ما يعكس المكانة التي يحتلها الاستثمار في البحوث العلمية لإسرائيل، أما مخرجات البحوث العلمية لإسرائيل مقارنة بالعرب أجمع فكان مستوى إنتاج العُلماء والباحثين العرب (124) ألف باحث بينما بلغ عددهم في إسرائيل (90) ألف باحث، وعلى مستوى براءات الاختراع فقد أظهرت الدراسات أن عدد براءات الاختراع الإسرائيلية بلغت (16805) براءات اختراع، بينما بلغت عند العرب (836) براءة اختراع أي ما نسبته (5 %) مما يُنتج في إسرائيل، ومن المدهش أن تقرير اليونسكو لعام (2008) أوضح أن براءات الاختراع لدى إسرائيل في عام واحد بلغت (1166) براءة اختراع وهو ما يفوق براءات اختراع العرب طوال تاريخ حياتهم أليست هذه الأرقام قراءةً لواقع العرب المتخلف علمياً ومؤشراً خطيراً لما وصل إليه الواقع المعرفي والبحثي العربي، يعكس الفجوة المعرفية بين العرب وخصمهم اللدود إسرائيل فبينما إسرائيل تعد نفسها لمواجهة مع العرب بتعزيز الاستثمار في البحوث العلمية يتجه بعض العرب إلى الاستثمار في تعزيز الجانب السياحي وفتح أبواب الفساد للشباب بدلاً عن أبواب المعرفة وتزيد مخصصات الإنفاق على الملاهي وأماكن المجون بينما إسرائيل تضاعف من نفقاتها في مجال البحوث العلمية لتصطاد الأفكار وتحتضن عقول الشباب المبدع وتتبنى تنمية الابتكارات.

لا نجدُ أمام هذه الحقيقة إلَّا أن نراجع ونقيِّم واقعنا لنعطيَ أولويةً للبحوث العلمية فما نمتلكه من عقول توازي ما يمتلكه بعضُ الأعراب من ثروات.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com